"معرض موسيقى فلسطين": لقاء الإنتاج المحلّيّ بالشركات العالميّة

من "معرض موسيقى فلسطين" | عدسة نايف حمّوري

 

نجح طاقم إنتاج "معرض موسيقى فلسطين"، الذي عُقد الأسبوع الماضي، ما بين 11 و 13 نيسان (أبريل)، في خلق حدث موسيقيّ يمكن أن نَعُدَّهُ واحدًا من أهمّ أحداث صناعة الموسيقى الفلسطينيّة على اختلاف مراحلها؛ إذ جمعت الدورة الثانية من المعرض نخبة كبيرة من العاملين في قطاع الموسيقى الفلسطينيّة، بمجموعة من مندوبي شركات ومؤسّسات عالميّة وكبرى للموسيقى، مثل: Sony Music، وSACEM، وWarner Music Group، وThe Orchard، وشركات أخرى. ما يعني، أيضًا، نجاح المعرض في فتح آفاق جديدة ومدّ جسور بين الفنّانين والمشاريع الموسيقيّة الفلسطينيّة، ومتّخذي القرارات في الشركات العالميّة، ما له أن يؤدّي إلى فتح أبواب أمام هذه الفرق، وتوفير فرص، لم تكن متاحة لها من قبل.

 

 

يتّبع "معرض موسيقى فلسطين"، الذي ينظّم للعام الثاني على التوالي، صيغة معارض موسيقيّة عالميّة، مثل WOMEX، وMuisexpo، وjazzahead، وغيرها، وتسعى هذه المعارض، عادة، إلى تحقيق هدفين رئيسيّين؛ الأوّل تسويق الفرق والمشاريع الموسيقيّة عن طريق التشبيك مع شركات إنتاج وتوزيع موسيقى، بواسطة عروض موسيقيّة قصيرة، ومكثّفة، ومتتالية (showcases)، وكذلك بواسطة لقاءات وجلسات عمل وجهًا لوجه (speed meetings). أمّا الهدف الثاني، فيتمثّل بتنمية قطاع الموسيقى والارتقاء به، بواسطة تسليط الضوء على مواضيع تتعلّق بهذا القطاع، عبر ورشات عمل، وندوات، واجتماعات، بمشاركة خبراء عالميّين ومحلّيّين، إلى جانب مندوبين من القطاعين العامّ والخاصّ.

ماراثون

حرص منظّمو المعرض على تحقيق هذه الأهداف بواسطة سلسلة عروض موسيقيّة، على مدار ثلاثة أيّام، إلى جانب ورشات، وندوات، ولقاءات خلال ساعات النهار. شاركت في العروض 25 فرقة موسيقيّة فلسطينيّة، اختيرت من أصل 90 فرقة تقدّمت بطلبات مشاركة في المعرض.

اقرأ أيضًا - بديل يوازي الأصيل: عن "مهرجان الكمنجاتي" و"إكسبو" فلسطين

 

شاركت في العروض، التي حضرها أكثر من 5000 شخص، نخبة من أبرز فنّاني فلسطين، منهم تامر نفّار وفرقة الـ "دام"، والموسيقيّ والملحّن فرج سليمان، والفنّانة رنا خوري، إلى جانب فرق ومجموعات موسيقيّة جديدة، منهم: مودي قبلاوي، وميساء ضوّ، و"صعاليك"، و"ع الرصيف"، وآخرون. كما قدّم "الثلاثيّ جبران" عرض ضيف خاصّ دعمًا للمعرض، بالإضافة إلى الفنّانة اللبنانيّة ياسمين حمدان، التي قدّمت أغنية واحدة في ضيافة المعرض.

 

 

وعُقدت خلال أيّام المعرض مجموعة ورشات وحلقات نقاش شارك فيها مئات الفنّانين والمندوبين عن الشركات العالميّة، إلى جانب خبراء عالميّين، وأكاديميّين، ومندوبين عن المؤسّسات الفلسطينيّة والأجنبيّة في فلسطين، وكذلك ممثّلون عن وزارة الثقافة الفلسطينيّة، على رأسهم وزير الثقافة، الدكتور إيهاب بسيسو، الذي رافق، بدوره، طاقم وضيوف المعرض، في زيارة إلى مقرّ المكتبة الوطنيّة الفلسطينيّة، وشاركهم، أيضًا، في حلقة نقاش حول موضوع حقوق الملكيّة الفكريّة في فلسطين، التي عُقدت في مبنى مؤسّسة الهلال الأحمر بمدينة البيرة. عُقدت، أيضًا، ورشات تسويق وإنتاج، إلى جانب ورشة استماع وتبادل خبرات موسيقيّة، شارك فيها فنّانون فلسطينيّون، وكذلك خبراء ومستشارون عالميّون.

مبادرة فلسطينيّة... شراكة عالميّة

كان من الممتع مشاهدة مؤسّسي "معرض موسيقى فلسطين"؛ مغنّي الراب محمود جريري من فرقة "دام"، والموسيقيّ عبد حتحوت، والكاتب والمخرج رامي يونس، ومدير التقنيّات عبد دعادلة، يقودون طاقم عمل عالميّ شمل عشرات الشباب والصبايا؛ تقنيّين، ومصوّرين، وفنّيّين، ومتحدّثين، ومديري ندوات، وطواقم أخرى، عملوا معًا بانسجام وتناسق أشبه بخليّة نحل، يحرص فيها كلّ منهم على جزئيّة في العمل لإنتاج عسل موسيقيّ فلسطينيّ محلّى بنكهة عالميّة. بالإضافة إلى ذلك، نجحت المجموعة في تجنيد طاقم من عشرات المتطوّعين المحلّيّين الذين رافقوا التحضيرات للمعرض على مدار سنة كاملة.

 

 

شملت مجموعة المندوبين العالميّين 41 مندوبًا، من 11 دولة مختلفة، يمثّلون شركات عاملة في مختلف مجالات القطاع الموسيقيّ، كالإنتاج، والترويج، وإدارة المهرجانات، والنشر، والقانون، والتوزيع، والإدارة، أبرزهم: مارتين چولدشميت، مؤسّس ورئيس مجموعة شركات Cooking Vinyl، التي تُعَدّ من أهمّ شركات موسيقى "الإندي" (الموسيقى المستقلّة) في بريطانيا، وهو أيضًا من مؤسّسي "معرض موسيقى فلسطين"؛ وسكوت كوهين، مؤسّس شركة The Orchard، التي تُعَدّ أكبر شركة توزيع موسيقى في العالم، تعمل في 30 منطقة عالميّة؛ وكريس إنكليف، نائب رئيس شركة Warner Music Group، إحدى أكبر ثلاث شركات إنتاج موسيقى في العالم؛ ولارا خوري، مديرة قسم المواهب في الشرق الأوسط لشركة Sony Music Entertainment؛ وسارا ويليامز، محامية مختصّة في مجال حقوق الملكيّة الفكريّة، وصاحبة خبرة 20 عامًا في قطاع الموسيقى.

الدورة العاشرة

"معرض موسيقى فلسطين" من أهمّ المبادرات الفلسطينيّة التي تتعامل مع الموسيقى في فلسطين بصفتها قطاعًا له احتياجاته الخاصّة، وميزاته، وخصوصيّته، ما يتطلّب برنامجًا واستراتيجيّة عمل طويلة الأمد، تضع نصب أعينها مجمل هذا القطاع والعاملين فيه، وتساعدهم على تخطّي التحدّيات التي يواجهون، إن كانت مادّيّة، أو تقنيّة، أو سياسيّة، وهي المفروضة عليهم، غالبًا، بسبب الواقع الاحتلاليّ الإسرائيليّ، الذي يعمل باستمرار على محو الهويّة والثقافة الفلسطينيّين، بالإضافة إلى محاولات عزل الفلسطينيّ عن المجتمع العالميّ.

 

 

مع احتفال "معرض موسيقى فلسطين" بدورته العاشرة، عام 2026، نأمل في أن يكون قطاع الموسيقى الفلسطينيّة قد تغلّب على قيود وتضييقات الاحتلال، واجتاز مرحلة "المحلّيّة"، وخرج من دوّامة المساومة على جودة ومستوى الإنتاج "المحلّيّ"، وأن يكون قد تبنّى مفاهيم ومعايير تؤهّله لأن يصبح جزءًا لا يتجزّأ من قطاع الموسيقى العالميّ. كما نأمل أن تكون موسيقى فلسطين، في ذلك الحين، قد وصلت إلى آذان المجتمع العالميّ، وأصبحت جزءًا من فسيفساء موسيقى العالم.

يومها سيكون هذا النجاح ثمرة حلم، ومثابرة، وإصرار مؤسّسي هذه المبادرة، وذلك بفضل وقفة ودعم المجتمع الثقافيّ الفلسطينيّ، ولا سيّما الموسيقيّ، ومساندة المجتمع العالميّ.

 

جوزيف أطرش

 

رجل أعمال ومؤسّس موقع "شبلول"، الحائز على جائزه أفضل "شبكة اجتماعيّة عربيّة" من المنتدى العربيّ للإعلام الاجتماعيّ. بدأ مسيرته في التسعينات مهندس صوت ومدير إنتاج. شارك في تأسيس وإدارة شركة "نيوساوند إنتر أكتيف" المختصّة بتزويد المضامين الموسيقيّة للمنصّات الرقميّة. منذ عام 2015، يتطوّع في موقع رئيس الهيئة الإداريّة لـ "مسرح الميدان" وجمعيّة "هيومانيتي كرو".