كرة القدم في يافا قبل النكبة: ازدهار ومساع صهيونية للسيطرة

فريق كرة قدم فلسطينيّ شارك في البطولات العالميّة عام 1928

 

ثمّة جدل حول تاريخ كرة القدم؛ إذ يُدّعى غالبًا أنّ تاريخها يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، تحديدًا في الجزيرة البريطانيّة والقارّة الأوروبّيّة، حيث شهدت كلتا المنطقتين استقرارًا اقتصاديًّا وصل أوجه عام 1914، العام الّذي اندلعت فيه الحرب العالميّة الأولى. صوت آخر يدّعي أنّ رياضة كرة القدم أقدم من ذلك، ويعود تاريخها إلى العصور القديمة، وتحديدًا في الصين الّتي كانت إمبراطوريّة بحدّ ذاتها.

 

على أرضها

في فلسطين، تأسّست النوادي الرياضيّة بعامّة، وكرة القدم بخاصّة، قبل الانتداب البريطانيّ، ولوحظت هذه الظاهرة في المدن الرئيسيّة، منها "نادي الدجانيّ" و"نادي الأرثوذكسيّ" في القدس، و"نادي إسلاميّ يافا" و"الأرثوذكسيّ يافا"، و"إسلاميّ حيفا"، و"نادي شباب العرب" في يافا، وفي عكّا "النادي القوميّ" و"عكّا الرياضيّ"، وفي غزّة "نادي غزّة الرياضيّ" و"النادي العربيّ" و"النادي الأرثوذكسيّ".

 

من صحيفة "الدفاع" عام 1935

 

واستضافت فلسطين مباريات، بمواجهة كلّ من لبنان وسوريا ومصر والأردنّ، على أرضها في تلك الفترة. ومن أهمّ تلك المباريات كان فوز المنتخب الفلسطينيّ على المنتخب اللبنانيّ بنتيجة 5-1 عام 1940. وتطوّر هذا الفرع عبر السنوات؛ ليصل إلى تنظيم "منتخب فلسطين الوطنيّ" وتأسيسه - الأغلبيّة من اللاعبين اليهود والبريطانيّين - الّذي شارك في تصفيات كأس العالم لعام 1934، وخسر أمام منتخب مصر الأقوى منه مهنيًّا وتنظيميًّا، في المباراتين المصيريّتين.

 

اتّحاد واحد فقط!

وقد حاولت الصهيونيّة في فلسطين بعد ذلك، إضفاء شرعيّتها على "جمعيّة فلسطين لكرة القدم"، الّتي تأسّست عام 1928، إذ أشركت فيها بعض الفلسطينيّين من ديانات أخرى غير اليهوديّة؛ لتلبية متطلّبات "الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم" لضمّها إليه، وما إن باتت الجمعيّة مسجّلة رسميًّا في الـ "فيفا"، حتّى بدأت مرحلة تهميش غير اليهود، بالتعاون مع السلطات البريطانيّة؛ لفرض السيطرة على الاتّحاد الكرويّ.

لطالما كانت رياضة كرة القدم جزءًا من الصراع، والعمل الّذي قامت به المنظّمات الصهيونيّة في الرياضة، طوال سنوات مضت، يؤكّد أنّ ميادين الصراع المستمرّ متنوّعة، لا تنحصر فقط في المجال السياسيّ التقليديّ.

يُذكر أنّ الفلسطينيّين حاولوا الاستئذان من الـ "فيفا"، لتأسيس اتّحاد كرة فلسطينيّ عربيّ في الأربعينات، لكن سلطات الاحتلال البريطانيّ رفضت؛ بحجّة وجوب وجود اتّحاد واحد في كلّ "دولة".

 

 

10 آلاف متفرّج

كانت مدينة يافا قبل النكبة، وبالتحديد زمن الانتداب البريطانيّ، "العاصمة" الثقافيّة لفلسطين؛ إذ شهدت المدينة ازدهارًا باهرًا في هذا المجال، تماشيًا مع الازدهار الاقتصاديّ الّذي عاد بالفائدة إلى أهالي يافا وقراها، وحتّى للمهاجرين من بلاد الشام ومصر وشرقيّ الأردنّ، الّذين قدموا للعمل في مجال زراعة الحمضيّات، وبخاصّة برتقال يافا المشهور عالميًّا آنذاك.

هذه الصحوة الاقتصاديّة أدّت إلى الاستقرار والرفاهية في المجتمع اليافاويّ، الّذي استغلّ ساعات الفراغ لتنظيم نشاطات رياضيّة بعامّة، وكرويّة بخاصّة؛ فتأسّس "نادي الأرثوذكسيّ - يافا" عام 1924، ونادي "إسلاميّ - يافا" عام 1926، ولكلّ نادٍ ملعب خاصّ به، الأمر غير المفهوم ضمنًا في تلك الأيّام!

كان ملعب "نادي الأرثوذكسيّ - يافا" على أرض الوقف الأرثوذكسيّ بجانب الكنيسة، أمّا "نادي إسلاميّ - يافا" فاستعمل الملعب البلديّ "البصّة"، الّذي بُني عام 1936، بمساعدة تبرّعات أعضائه، وبُني مدرّج يتّسع لعشرة آلاف متفرّج، وتحوّل اسمه إلى "بلومفيلد" بعد النكبة، بعد أن انتقل من منطقة القشلة، القريبة من ميدان الساعة في مركز البلد، وتحديدًا في حيّ إرشيد.

 

اتّحاد منتخب

تأسّس "الاتّحاد الفلسطينيّ لكرة القدم" عام 1928، وكان يشرف على جميع الألعاب، وكان اسمه "الاتّحاد الرياضيّ الفلسطينيّ"، ومقرّه مدينة يافا، وكان يدير هذا الاتّحاد لجنة مركزيّة، مؤلّفة من تسعة أعضاء، تنتخبهم لجان المناطق الستّ في فلسطين، كلّ عامين مرّة، واللجان كانت من غزّة ونابلس والجليل لينتخبوا مندوبًا واحدًا. أمّا يافا وحيفا والقدس فينتخبون مندوبين اثنين؛ وذلك لتعدّد الأندية وكثرة النشاطات الرياضيّة في هذه المدن الثلاث!

 

فرقة كرة القدم الأولى للمدرسة الأميريّة في يافا عام 1923

 

كانت "اللجنة العامّة لكرة القدم" تدير اللعبة، ومقرّها القدس، وقد نظّمت اللعبة على الوجه الآتي:

* مباريات دوريّة: في كلّ منطقة من المناطق، وهي دوريّ الفرق للدرجة الأولى في المنطقة، ودوريّ الفرق للدرجة الثانية فيها، ولم يكن في فلسطين دوريّ عامّ لجميع فرق الدرجة الأولى. وكان أبطال الدوريّ في المناطق المختلفة، يلتقون في دورة لاختيار بطل فلسطين، الّذي كان يحصل على درع "البنك العربيّ"، وقد فاز في هذه البطولة، في آخر سنتين قبل النكبة، فريق "النادي الرياضيّ الإسلاميّ" في يافا، وفريق "نادي شباب العرب" في حيفا على التوالي.

* مباريات التنسيقيّة: أو مباريات الكأس الّتي شارك فيها كلّ من رغب في ذلك، وكانت الألعاب حسب نظام خروج المغلوب (نوك آوت)، وفي هذه المباريات، فاز – أيضًا - الفريقان المذكوران من قبل.

* مباريات منتخبات المناطق: كانت تقام دورة بين المنتخبات الستّة، لانتخاب منتخب المنطقة الأفضل.

 

أندية يافا

أمّا أسماء الأندية في منطقة يافا، الّتي تبدّلت ضمن الدرجتين الأولى والثانية، فكانت على النحو الآتي:

الدرجة الأولى:  "النادي الرياضيّ الإسلاميّ - يافا"، و"النادي الأرثوذكسي - يافاّ"،  "النادي الرياضيّ الإسلاميّ – الرملة"، "نادي الموظّفين – الرملة".

 

منتخب فلسطين لكرة القدم عام 1928

 

الدرجة الثانية:  الفريق الثاني لـ "النادي الرياضيّ الإسلاميّ - يافا"، والفريق الثاني لـ "النادي الأرثوذكسيّ - يافا"، و"نادي الشبيبة الإسلاميّ - يافا"، وفريق "جمعيّة الشبّان المسلمين – يافا"، والفريق الثاني لـ "النادي الرياضيّ الإسلاميّ - الرملة"، وفريق "معهد الشباب الرياضيّ - الرملة"، وفريق "جمعيّة العمّال العربيّة - اللدّ"، وفريق "نادي الشباب - يافا"، وفريق "النادي الأرثوذكسيّ – الرملة"، وفريق "نادي سلمة الرياضيّ"، فريق "نادي العبّاسيّة الرياضيّ"، فريق "نادي يازور الرياضيّ"، وفريق "نادي دير طريف الرياضيّ"، وفريق "نادي السافريّة الرياضيّ"، وفريق "نادي بيت دجن الرياضيّ"، وكان الفريق الثاني لـ "النادي الإسلاميّ - يافا" بطل فرق الدرجة الثانية باستمرار.

ومن الجدير بالذكر، أنّه كانت فرق كرة قدم، حتّى في حارات يافا، مثل حيّ إرشيد والمنشيّة في فترة الانتداب البريطانيّ!

وقد تطوّرت كرة القدم الفلسطينيّة مع السنين؛ فأصبح اللاعبون يتلقّون أجورًا "رمزيّة"، ولكن في نفس الوقت كانوا أصحاب مهن وحرف، لا علاقة لها بالرياضة، ومارسوا اللعبة هوايةً، بسبب عدم وجود تمويل ضخم مثل أيّامنا هذه؛ إذ يستطيع اللاعب المحترف اليوم، أن يعيش من أجرة الفريق، بدون الحاجة إلى العمل في إطار آخر.

لا شكّ في أنّ هذا الجانب من تاريخنا الحديث منسيّ ومهمّش، مثل كثير من الجوانب الخاصّة بالذاكرة الفلسطينيّة، الّتي شهدت على الزمن الجميل ما قبل النكبة، وذلك رغم الانتداب البريطانيّ المنحاز إلى الفكر والاستيطان الصهيونيّ، وعدم دعم النوادي الرياضيّة الفلسطينيّة طوال زمن الانتداب.

 

 

* يُنشر هذا المقال ضمن شراكة إعلاميّة بين فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة وجمعيّة الثقافة العربيّة، لنشر مداخلات برنامج "حديث الأربعاء" الّذي تنظّمه الجمعيّة.

 

 

رامي صايغ

 

وُلد في يافا عام 1978. حاصل على بكالوريوس العلوم السياسيّة من الجامعة المفتوحة، وشهادة تدريس من دار المعلّمين في 'سمينار هكيبوتسيم'. يعمل مدرّسًا للتاريخ والمدنيّات في ثانويّة تيراسنطا يافا. يشغل عضويّتي إدارة مسرح السرايا العربيّ في يافا، وجمعيّة حركة الشبيبة اليافيّة.