تهجير وتدمير وعزل في غزة: إسرائيل تُسابق التهدئة المحتملة بوقائع ميدانية

تفرض إسرائيل وقائع ميدانية جديدة في قطاع غزة عبر قصف مركز وعمليات تفريغ سكاني من الشمال والشرق، استعدادًا لتهدئة محتملة. الاحتلال يدفع نحو عزل المناطق المأهولة وتحويل "المواصي" إلى مركز نزوح دائم، في إطار هندسة جغرافية–ديمغرافية للقطاع.

تهجير وتدمير وعزل في غزة: إسرائيل تُسابق التهدئة المحتملة بوقائع ميدانية

أم وابنتها تهرعان للاحتماء أثناء غارة إسرائيلية على مخيم البريج في وسط قطاع غزة (Getty Images)

تعمل إسرائيل على استكمال مخطط ميداني واسع لتفريغ شمال قطاع غزة وتوسيع المناطق العازلة، عبر قصف مكثف وعمليات تهجير قسرية، وذلك قبل التوصل إلى اتفاق تهدئة محتمل قد يقيّد تحركاتها العسكرية المستمرة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وقال مصدر مقرب من الفصائل الفلسطينية، إن إسرائيل تسعى في الأيام القليلة التي تسبق أي وقف محتمل لإطلاق النار إلى "توسيع رقعة التدمير وإبادة المدن، خاصة في شمال وشرق محافظة الشمال، وشرق مدينة غزة، وشرق خانيونس جنوبي القطاع".

وأضاف المصدر الذي تحدث لوكالة "الأناضول" أن الاحتلال "يحاول تدمير ما تبقى من مقومات الحياة في تلك المناطق"، لمنع عودة السكان إليها مستقبلًا، على غرار ما فعله في مخيم جباليا، في إطار حرب الإبادة التي تهدف إلى تفكيك القطاع ديمغرافيًا وجغرافيًا.

وبحسب متابعات ميدانية، أدت العملية العسكرية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "عربات جدعون"، منذ منتصف أيار/ مايو، إلى إعادة رسم التوزيع السكاني في القطاع، وحصر السكان في ثلاث مناطق ساحلية ضيقة ومفصولة عن بعضها: غرب مدينة غزة، وغرب المحافظة الوسطى، وغرب خانيونس.

وقد باتت هذه الجيوب شبه معزولة، وتتعرض حركة الفلسطينيين بينها إلى الاستهداف المباشر. مدينة غزة، على سبيل المثال، محاصرة من جهات عدة: شمالًا بمحافظة الشمال التي دُمّرت بالكامل، وشرقًا بالأحياء التي تشهد عمليات عسكرية متواصلة كالشجاعية والتفاح والزيتون والبلدة القديمة.

أما الجنوب، فيفصله عنها محور "نيتساريم"، حيث تتمركز قوات الاحتلال. ومن الغرب، تتحكم الآليات العسكرية الإسرائيلية والمسيّرات في حركة التنقل. في السياق ذاته، يفصل محور "كيسوفيم" بين غرب المحافظة الوسطى ومدينة خانيونس، ويمتد بعمق مئات الأمتار داخل الأراضي الفلسطينية.

كما يسيطر الجيش الإسرائيلي على المناطق الشرقية من خانيونس ويحاول التقدّم نحو غرب المدينة، وصولًا إلى "المواصي"، التي أصبحت مركزًا رئيسيًا لتجمّع مئات آلاف النازحين. أما محور "موراغ" فيفصل خانيونس عن مدينة رفح، التي باتت شبه خالية من سكانها بعد عمليات التهجير القسري التي نفذها الجيش تحت القصف والنار.

وتتركز الكثافة السكانية حاليًا في مناطق المواصي، الممتدة من جنوب خانيونس إلى شمال دير البلح، وهي مناطق ساحلية قاحلة تفتقر إلى البنى التحتية، وتُوصف رسميًا بأنها "مناطق إنسانية آمنة"، رغم أنها لم تسلم من الاستهدافات العسكرية.

وبحسب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن المناطق التي يعيش فيها النازحون حاليًا لا تتجاوز 15% من مساحة القطاع، بينما تُظهر تقديرات "أونروا" المستندة إلى معطيات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 85% من مساحة غزة باتت مناطق عمليات عسكرية أو خاضعة لأوامر إخلاء.

وفي الأسبوع الأخير، صعّدت إسرائيل من عمليات التدمير، مركّزة على الأبنية متعددة الطوابق والمدارس التي تُستخدم كملاجئ للنازحين. ففي 30 حزيران/ يونيو، شنت غارات على أربع مدارس في حي الزيتون والتفاح بعد إصدار إنذارات بإخلائها.

وفي 3 تموز/ يوليو، استهدفت مدرسة "مصطفى حافظ" دون إنذار، ما أسفر عن استشهاد 17 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء. كما أدى قصف مدرسة "الشافعي" بحي الزيتون، فجر السبت، إلى استشهاد سبعة أفراد من عائلة واحدة.

هذا التصعيد أدى إلى تقليص المساحات القابلة للسكن، ودفع العائلات إلى نصب خيام على الشريط الساحلي، في ما اعتبره المصدر الفلسطيني محاولة إسرائيلية لإجبار السكان على التمركز في مناطق مكشوفة، بعيدًا عن مدنهم الأصلية.

وأشار المصدر ذاته إلى عمليات تدمير ممنهجة في المناطق المصنفة "حمراء" على خرائط الإخلاء الإسرائيلية، حيث يسمع السكان يوميًا ما بين 20 و30 انفجارًا ناتجًا عن تفجير منازل، لا سيما شمال وشرق غزة. كما أظهرت مقاطع فيديو نشرها مقاولون يعملون لصالح الجيش الإسرائيلي دمارًا واسعًا في حي تل الزعتر ومدينة الشيخ زايد.

وأضاف المصدر أن إسرائيل تسعى من خلال هذا التصعيد إلى تثبيت وقائع جديدة على الأرض، سواء عبر توسيع المناطق العازلة، أو تعميق التهجير القسري، أو الضغط سياسيًا في مسار التفاوض على وقف إطلاق النار. وأشار إلى أن هذه العمليات تُوظّف لتعزيز السيطرة الميدانية وتعديل الشروط الجغرافية والديمغرافية لما بعد الحرب.

ويأتي ذلك فيما صعّد جيش الاحتلال عملياته العسكرية في غزة، وتحديدًا في حي الشجاعية، وسط استعداد الجيش لما تصفه وسائل الإعلام بـ"تطويق غزة والمخيمات الوسطى ومنطقة المواصي"، في ظل مفاوضات جارية قد تفضي إلى وقف لإطلاق النار وتبادل للأسرى.

وتندرج خطة "مدن الخيام" التي يدفع بها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في رفح ضمن تصور شامل لإعادة تنظيم التواجد السكاني في قطاع غزة، من خلال نقل السكان قسرًا من شمال ووسط القطاع إلى مناطق مكشوفة، بذريعة "الفصل بين المدنيين وحماس".

وتهدف الخطة، بحسب ما طُرح خلال جلسة الكابينيت، إلى إقامة تجمعات ضخمة من الخيام في منطقة رفح لتجميع النازحين، على أن "تُغرق" هذه المنطقة بالمساعدات لتشجيع الأهالي على التوجه إليها، في حين تواصل إسرائيل منع عودتهم إلى المناطق التي هجّرتهم منها.

التعليقات