06/02/2016 - 13:44

الهروب من الجنة: لاجئون في أوروبا يفكرون بالعودة

حالة الندم التي تصيب كثيراً من اللاجئين، هي أقل عند السوريين، وتكاد تكون معدومة لدى الفلسطينين السوريين، فيما ترتفع بحدة عند العراقيين..

الهروب من الجنة: لاجئون في أوروبا يفكرون بالعودة

حسم أبو علي (45 عاما)، قراره، سيعود إلى دمشق ويترك السويد التي وصلها لاجئاً بعد رحلة بحرية كادت تكلفه حياته. مضى حتى الآن إربعة أشهر في معسكر (كامب) مخصص للمهاجرين في شمال السويد، ولم يعد يستطيع الانتظار أكثر. هو نادم كما يقول لعرب 48 إذ لم يجد في أوروبا ما كان يتوقعه، بل يصف حاله اليوم، بالسيئ والمهين

أبو علي ليس وحيداً، إذ يتنامى الشعور بالندم أو بالصدمة بشكل أعم، لدى كثير من السوريين والفلسطينين السوريين والعراقيين الذي وصلوا إلى أوروبا مؤخراً، بعد أن يكتشفوا أن رحلتهم البحرية لم توصلهم إلى الهناء والراحة التي كانوا يظنون أنها متوفرة فور أن يطأوا أرض القارة العجوز.

يقول أبو علي، إن قوانين اللجوء في السويد التي كان قصدها بعد أن سمع عن سرعة لمّ الشمل فيها، صدمته، إذ لا يزال ينتظر كي ينال الإقامة المؤقتة التي ستخوله تعلم اللغة السويدية لعام كامل، وبعدها عليه أن ينتظر لعامين كاملين قبل أن يتمكن من إرسال الدعوات لأولاده الأربعة مع زوجته التي لا تزال في دمشق.

يقول أبو علي 'قررت العودة إلى سوريا، ليقع لي أي مكروه من الممكن يقع على أولادي، هنا لا أستطيع حتى أن أرسل المال لهم الآن، كنت أظن أنني سألتقي بهم سريعاً، وليس بعد سنوات من الآن'.

لا يخفي أبو علي أيضاّ رفضه أن يعيش أولاده في مجتمع يصفه 'بالمختلف' عمّا عرفه طيلة حياته، فهو يعتقد أن ما يراه كل يوم في السويد لا يناسب ما يود أن ينشئ أولاده عليه.

سيتوجه أبو علي بعد أن حدثنا إلى دائرة الهجرة في المقاطعة السويدية التي يقيم فيها، ليخبرهم أنه ينوي العودة إلى سوريا، ويأمل أن تقبل الدائرة تسديد تكاليف الرحلة باتجاه بيروت التي سيدخل منها إلى دمشق.

كثيرون وسينتظرون

قبل عام تقريباً، لم تكن إجراءات لمّ الشمل في السويد تستغرق كل هذا الوقت، يقول الصحفي سامر أبو حشيش لعرب 48. ويضيف أن أعداد المهاجرين الجدد ساهمت في إطالة الوقت على جميع المهاجرين في جميع إجراءاتهم القانونية، الأمر الذي قالت عنه مصلحة الهجرة السويدية Migrationsverket إن طول فترات انتظار اللاجئين الذين قدموا طلبات الحصول على حق اللجوء في السويد، قد تصل إلى حوالي عام ونصف العام، قبل أن تبدأ المصلحة التحقيق في دراسة معالجة الطلبات.

يضيف أبو حشيش 'المشاكل التي يواجهها طالبو لمّ الشمل كثيرة، والفلسطينيون، بشكل خاص، حاملو الوثيقة السورية، بسبب عدم استقبال الأردن وتركيا لهم. الأغلبية تذهب إلى لبنان التي تعقد دخولهم بدورها، وبالتالي فكثير من المواعيد في السفارات لزوجة المهاجر وأبنائها قد لا تتحقق وتؤجل'.

كانت طلبات لمّ الشمل تستغرق ما يقارب 8 أشهر في دراسة الطلب والموافقة عليه، أما اليوم فقد رفع سقف الانتظار تدريجياً من 8 أشهر إلى 12 شهرا، حتى وصل حاليا إلى 21 شهراُ مما اضطر بعض المهاجرين إلى الرجوع إلى تركيا أو ليبيا للقاء عائلاتهم، والإبحار معهم للمرة الثانية في قوارب الهجرة غير الشرعية.

الصدمة، ليست كذلك

ليس بعيداً عن أبو علي في مقاطعة Simrishamn ، يقول زياد (19 عاما) إن قراره بالسفر إلى أوروبا، لم يكن في مكانه. وهو شاب فلسطيني سوري، كان متحمساً قبل عدة أشهر للوصول إلى أوروبا والدراسة فيها، اليوم يقضي الوقت في مركز إيواء 'كامب'، وينتظر الحصول على الإقامة المؤقتة.

عرب 48 كان قد التقى بزياد في اسطنبول قبل الرحلة البحرية، حين كان متحمساً للعيش والدراسة في أوروبا، واليوم يتحدث لنا من السويد، يقول إن كل حركة عليه أن يقوم بها، تترافق مع ما يصفه بالإذلال، مواعيد الطعام والنوم والدخول إلى الحمام، ليست قراره الخاص، فيما يشهد يومياً على معارك بين مهاجرين سوريين وعراقيين وأفغان، ويتحدث عن كثير من المشاهد اليومية المهينة التي يقع فيها مع سواه من المهاجرين المنتظرين لقرار المحكمة نيل الإقامة.

لا يفكر زياد في العودة إلى سوريا، لكنه في ذات الوقت يقول جملة بات الكثير من اللاجئين في القارة العجوز يرددونها مؤخراً 'أوروبا ليست الجنة التي كنا نظن'.

لا يبدو الوضع في ألمانيا التي فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال المهاجرين بالأفضل، فوليد الذي وصل عمره لثمانية وعشرين عاماً، أتم عامين ونصف في برلين، وبات يحمل الإقامة الدائمة، فيما وجد عملاً واستأجر منزلاً، يبدو وضعه في بادئ الأمر أفضل من غيره، إلا أنه سرعان ما يكشف عن هموم تلاحقه، إذ يقول إنه يتمنى كل يوم العودة إلى دمشق، يفسر رغبته بالقول 'سيظن البعض أنني مدلل أو بطر أو مترف، لكني هنا فعلاً أعيش كآبة دائمة لا أعرف أسبابها، ربما هو مجرد اشتياق لما كنت أعيشه في سوريا، اتمنى كل يوم أن أعود، لكني طبعا لا أستطيع لأسباب عديدية'.

يعيش وليد في منزل مستقل في العاصمة برلين، ويعمل مصمماً فنياً في إحدى الصحف الصادرة في المانيا.

عائدون وصامدون

عبر صفحات الفيس بوك التي تغص بالإعلان عن رحلات الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى اليونان حتى يومنا هذا، ينشر بعض المتابعين استفسارات وأسئلة حول رحلات تهريب عكسية، من ألمانيا أو السويد باتجاه تركيا، هؤلاء يعبرون عن عدم رضاهم عما وجدوه في دول الاتحاد الأوروبي بعد أن وصلوا إليها.

الصحفي محمد راجحة، يقول إن عددا كبيرا من المهاجرين الواصلين إلى أوروبا منذ عام 2013، لم يتحققوا من المعلومات التي سمعوها عن البلاد التي قصدوها، فـ 'كثيرون منهم ظنوا بالفعل أن ألمانيا مثلاً ستقدم لهم المنازل والمال والسيارات، لم يكونوا يعلمون أن عليهم الانتظار في ما يشبه المعسكرات، وغالبية عظمى ظنت أن المال أو الراتب الشهري سيكفيها لحياة كريمة، أو لإرسال بعض منه إلى عائلاتهم التي تركوها في العراق أو سوريا أو لبنان'.

يقسم راجحة المهاجرين إلى عدة شرائح بحسب العمر والمستوى التعليمي والحالة الاجتماعية، فيقول إن الشباب ممن هم دون الخامسة والعشرين وغير المتزوجين أكثر قدرة على الانتظار لأن المسؤوليات الملقاة على عاتقه ليست كبيرة، فيما من هم أكبر من ذلك والمتزوجون لا يملكون الوقت أصلاً للانتظار. ويصف راجحة مخيمات اللاجئين المنتظرين لقرار الإقامة، بالسجن الصغير.

اقرأ أيضًا | اليرموك يترقب: بعد داعش الصراع مستمر بشكل جديد

راجحة يقول إن حالة الندم إن صح التعبير التي تصيب كثيراً من اللاجئين، هي أقل عند السوريين، وتكاد تكون معدومة لدى الفلسطينين السوريين، فيما ترتفع بحدة عند العراقيين، الذي يغلب على كثير منهم قرار العودة باتجاه بلادهم بعد أشهر من الوصول إلى أوروبا.

التعليقات