الضفة والأغوار: تغول استيطاني وتهجير قسري

تواصل إسرائيل تنفيذ مخطط استيطاني متسارع في الأغوار الوسطى والجنوبية، يهدف إلى تهجير التجمعات البدوية الفلسطينية والاستيلاء على أراضيها، تحت غطاء مشاريع زراعية وسياحية. ويأتي ذلك ضمن "خطة الحسم" لفرض السيادة على مناطق (ج).

الضفة والأغوار: تغول استيطاني وتهجير قسري

المغير نموذجا: مصادرة أراضٍ بحجة "الأمن" وتحويلها لبؤر زراعية استيطانية (عرب 48)

في عمق الضفة الغربية، وتحديدا في مناطق الأغوار الوسطى والجنوبية، يتجسد مخطط إسرائيلي متسارع لفرض واقع استعماري جديد، عنوانه التهجير القسري والتوسع الاستيطاني.

وتواصل عصابات المستوطنين، المدعومة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تنفيذ سياسة ممنهجة لطرد التجمعات البدوية الفلسطينية، والاستيلاء على أراضيها الزراعية والرعوية، تحت مظلة مشاريع زراعية وسياحية تهدف إلى تثبيت السيطرة الإسرائيلية على المناطق المصنفة (ج) التي تخضع إداريًا وأمنيًا لإسرائيل.

تجريف 660 دونم من أراضي المغير واقتلاع 3000 شجرة زيتون، تمهيدا لإقامة ثلاث بؤر استيطانية جديدة

وتأتي هذه الممارسات ضمن خطة الحسم التي تسعى الحكومة الإسرائيلية من خلالها إلى فرض السيادة على أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وتحويل القرى الفلسطينية إلى جزر معزولة وسط طوق من البؤر الاستيطانية والطرق الالتفافية، في عملية ضم زاحف تنفذ بصمت ميداني وغطاء قانوني زائف.

ولتسليط الضوء على مخطط التهجير وعنف عصابات المستوطنين، نظم مركز إعلام بالتعاون مع مبادرة "حرية" وناشطي مجموعة "ينظرون إلى الاحتلال بعينيه" جولة صحافية ميدانية إلى الأغوار الجنوبية، شارك فيها "عرب 48" إلى جانب عدد من الصحافيين برفقة الناشط الإسرائيلي ضد الاحتلال، دورون ماينرت، في محاولة لتوثيق آثار التهجير والعنف الاستيطاني في المنطقة.

جولة ميدانية في وجه التهجير

من بين التلال الممتدة شرق رام الله وصولا إلى مشارف الأغوار الجنوبية، تبدو الأرض كأنها تشهد سباقا محموما بين الزمن والاستيطان.

دورون ماينرت: الاستيطان يتحرك كمن يسابق الساعة نحو الضم الكامل

بهذه الكلمات وصف الناشط دورون ماينرت، من جمعية "ينظرون إلى الاحتلال بعينيه"، المشهد في الأسابيع الأخيرة، حيث تصاعدت وتيرة النشاط الاستيطاني بدعم مباشر من جيش الاحتلال والإدارة المدنية الإسرائيلية، في المنطقة الممتدة من بلدة المغير حتى تخوم أريحا.

يقول ماينرت لـ"عرب 48" إن الجمعيات الاستيطانية "تتحرك كما لو أن الساعة تدق لصالحها"، فبعد إصدار الحاكم العسكري أمرا بمصادرة نحو 300 دونم من أراضي المغير لأسباب "أمنية"، استغلت المنظمات الاستيطانية هذا القرار كذريعة لتوسيع السيطرة، فاستولت على نحو 300 دونم إضافية، واقتلعت 3000 شجرة زيتون خلال أسابيع قليلة فقط، تمهيدا لإقامة ثلاث بؤر استيطانية جديدة.

ويضيف أن "حادثة انقلاب مركبة مستوطنين قرب المغير" كانت الشرارة التي استخدمها المستوطنون لتبرير موجة جديدة من المصادرات، إذ ادعوا تعرضهم لإطلاق نار ورشق بالحجارة، وهو ما سرّع تحويل الأرض المصادرة إلى نقطة انطلاق جديدة للاستيطان.

بؤرة استيطانية جديدة على أراضي المغير

تغول استيطاني وتهجير قسري تحت حماية الجيش

على الأرض، تتكرر المشاهد القاسية، قطعان أبقار ومواش تابعة للمستوطنين تطلق في الأراضي الفلسطينية تحت حماية الجيش، الذي يعلن المناطق المستهدفة "مناطق إطلاق نار" أو "مغلقة عسكريا"، لتسهيل وضع اليد عليها.

هذه السياسة، كما يقول ماينرت، "تحرم المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، وتعطل موسم الزيتون وتمنعهم من جني ثمارهم، حتى تتحوّل الأرض المهجورة إلى مستوطنة جديدة".

وفي حال حاولت أي عائلة فلسطينية دخول أرضها، تتأهب عصابات المستوطنين في دقائق. يستنفرون من مختلف البؤر القريبة، مدججّين بالسلاح الذي زودّهم به وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ضمن ما يعرف بـ"فرق الحراسة"، التي تحوّلت عمليا إلى جيش للمستوطنين مهمته قمع الفلسطينيين وتوسيع رقعة السيطرة الاستيطانية.

مشروع استيطاني متسارع يبتلع الأرض الفلسطينية تحت شعارات "الأمن" و"الزراعة" و"السياحة"

بهذه الأساليب، تمكن المستوطنون من وضع اليد على آلاف الدونمات، خصصت للاستيطان الزراعي والرعوي، إلى جانب الاستيلاء على نحو 1000 دونم من الأراضي الخاصة في القرى الجنوبية لنابلس، دوما، قصرة، بيتا، وهي أراض كانت تزرع بالحبوب والبقوليات، قبل أن تتحوّل إلى مرعى لمواشي المستوطنين.

بالتوازي، شهدت المنطقة المصنفة (ج)، الممتدة على طول الطريق المؤدي إلى الأغوار، موجة تهجير قسري جديدة، فقد تم تفريغ 8 تجمعات بدوية من سكانها الذين لجأوا إلى مشارف أريحا بعد أن فقدوا أراضيهم ومواشيهم، في مشهد يصفه ماينرت بأنه "نكبة زاحفة تتدحرج بصمت نحو الشرق".

يؤكد ماينرت أن "ما يجري هو مشروع ترحيل صامت. المستوطنون يسلبون الفلسطينيين أرزاقهم، والجيش يغلق القرى بالبوابات الحديدية، فيما يمنع البدو من العودة إلى تجمعاتهم تحت تهديد السلاح. ما نراه ليس فوضى، بل خطة محكمة تنفذ بأدوات مدنية وعسكرية في آن واحد".

جندي إسرائيلي يرتدي الزي العسكري لكنه يقود دبابة تحمل لوحة ترخيص مدنية، اعترض طريق الجولة الصحفية

الفلسطيني يحفر بقدميه في الأرض كي لا تمحى ذاكرته

في مشهد رمزي يعكس هذا الواقع، توقفت جولة الصحافيين التي كان يرافقها ماينرت قرب إحدى البؤر الاستيطانية الجديدة على أراضي المغير، حين ظهر جندي إسرائيلي يرتدي الزي العسكري، لكنه يقود دبابة تحمل لوحة ترخيص مدنية، وطلب مغادرة المكان بزعم أنها "منطقة عسكرية مغلقة"، موجها عبارات عنصرية: "كل العرب أعداء، ويجب التخلص منهم".

هذا الموقف، كما علّق ماينرت، "يعكس التحول العميق في المجتمع الإسرائيلي، حيث تتماهى المؤسسة العسكرية مع خطاب الكراهية الذي يتبناه المستوطنون".

على جانبي الطريق المؤدي إلى الأغوار، تنتشر عشرات البؤر الجديدة التي شُيّدت بعد السابع من تشرين الأول أكتوبر 2023، حتى نبع عين سامية، أحد مصادر المياه الفلسطينية التاريخية على طريق كفر مالك، تحوّل إلى منتجع استيطاني سياحي لليهود فقط، ترفرف فوقه أعلام إسرائيل و"الهيكل"، وتحيط به قوة خاصة من جيش الاحتلال.

نبع عين سامية، أحد مصادر المياه الفلسطينية على طريق كفر مالك، تحول إلى منتجع استيطاني سياحي لليهود فقط

"هنا"، يقول ماينرت، "نرى كيف تتحوّل المياه الفلسطينية إلى سلعة استيطانية، تُسقى بها المزارع اليهودية وتُمنع عنها القرى الفلسطينية".

وعند سفوح الجبال في الأغوار الجنوبية، لا يزال تجمع رأس العين البدوي، الذي يضم مئات المهجرين من النقب وجنوب الخليل، يقاوم وحده في وجه العنف المتصاعد من المستوطنين والاحتلال.

وعلى الرغم من الهجمات المتكررة، وحصار المواشي وتجفيف مصادر المياه، يُصّرُ سكان رأس العين على البقاء، في معركة يومية من الكر والفر ضد "جيش المستوطنين" المدعوم من جيش الاحتلال.

يختم ماينرت حديثه بالقول إن "ما نشهده ليس مجرد اعتداءات عشوائية، بل تنفيذ عملي لخطة ضم تدريجي للضفة الغربية، لكن رغم كل هذا، ما زال الفلسطيني هنا، يحفر بقدميه في الأرض كي لا تمحى ذاكرته".

علياء مليحات تسرد تفاصيل تهجيرها من المعرجات تحت جنح الظلام

علياء مليحات: تهجير تحت جنح الظلام وصمود في الخيام

الأكاديمية علياء مليحات، الحاصلة على درجة الماجستير في الأمن والسلم الأهلي من جامعة الاستقلال في أريحا، تحوّلت من باحثة في قضايا الأمن الإنساني إلى شاهدة على انهياره في قلب مجتمعها.

في ليلة مظلمة، وتحت تهديد السلاح، هجرّتها عصابات المستوطنين من تجمع المعرجات البدوي برفقة عائلتها وعشرات العائلات الأخرى، بينما كانت قوات من جيش الاحتلال تؤمن للمستوطنين الحماية وتغلق المنطقة بالكامل.

تصف علياء لـ"عرب 48"، تلك الليلة قائلة: "لم يكن أمامنا سوى الهرب بأرواحنا. صرخات الأطفال امتزجت بأصوات الرصاص والمركبات العسكرية. تركنا خلفنا بيوتنا وماشيتنا وكل شيء".

استيطان زراعي وسياحي يخنق الوجود الفلسطيني في الأغوار

لم يكن التهجير حدثا مفاجئا، بل نتيجة شهور طويلة من العنف المنهجي مارسه المستوطنون ضد السكان، فقد أحرقوا منازل من الصفيح، وأضرموا النار في مسجد القرية، وحوّلوا المدرسة الوحيدة إلى هدف دائم لاعتداءاتهم.

"نصبوا خيمة مقابل المدرسة، وظلوا هناك أسابيع يهاجموننا بالحجارة والتهديد. عاش المعلمون والطلاب تحت الرعب، وكأنهم في ساحة حرب"، تقول علياء.

بعد التهجير، لجأت العائلات إلى أطراف مدينة أريحا، قبل أن تستقر مؤقتا في منطقة العوسج، وهي أرض وقفية تقع ضمن المنطقة المصنفة (أ) وتتبع إداريا للسلطة الفلسطينية، غير أن اللجوء لم يكن خلاصا، بل بداية لمعاناة جديدة.

"نعيش بلا مأوى حقيقي، لا ماء صالح للشرب ولا كهرباء. نشتري المياه بصعوبة، والمدارس بعيدة والطريق إليها محفوف بالأخطار. حتى وسائل النقل شبه معدومة"، تروي الأكاديمية الشابة.

وعلى الرغم من كل ذلك، ترفض علياء الاستسلام: "قد نكون خسرنا الأرض التي وُلدنا عليها، لكننا لم نفقد إرادتنا. ما زلنا نخوض معركة الصمود، لأنها معركة الوجود نفسه".

محمد سليمان مليحات.. شاهد على سبعة عقود من التهجير

في شهادتها، تختصر علياء قصة المعرجات والعوسج، منازل أُحرقت، ومساجد دُمرّت، ومدارس حُوصرت، وعائلات شُردّت، لكنها ترى أن ما لا يمكن للمستوطنين اقتلاعه هو الإصرار الفلسطيني على البقاء، مهما اشتدت محاولات الإبادة والتهجير.

محمد سليمان.. شاهد على سبعة عقود من التهجير: من النقب إلى العوسج

يجسد السبعيني محمد سليمان مليحات في حكايته رحلة التهجير الفلسطينية الممتدة منذ نكبة 1948 ولغاية اليوم. هو أب لسبعة أبناء، نزحت عائلته من النقب بعد النكبة، واستقرت في جنوب الخليل، قبل أن تواصل مسيرتها القسرية عام 1985 نحو منطقة المعرجات، بموجب اتفاق مع جيش الاحتلال الذي خصص لتلك العائلات أرض بديلة عن أراضيها الأصلية في الخليل.

لكن حتى هذا "الاستقرار" كان مؤقتا، إذ لم يلبث أن تبدد في تموز/ يوليو 2025، حين هجرّته عصابات المستوطنين تحت حماية الجيش.

"نكبة زاحفة نحو الشرق".. ثمانية تجمعات بدوية تفرغ من سكانها

يقول محمد بصوت متعب يحمل صلابة الأرض: "نقلنا من مكان إلى آخر، وكأننا لاجئون داخل وطننا. لا نطلب سوى أن نعيش بكرامة على أرضنا".

كان مصدر رزقه رعاية الأغنام والمواشي، وهي مهنة ورثها عن آبائه، لكن الاحتلال صادر قطيعه الذي ضمّ نحو 150 رأسًا من الأغنام، ليحرم عائلته من موردها الأساسي.

بعد التهجير، لجأ محمد إلى سفوح جبال أريحا واستقر في قرية العوسج، حيث بنى بيتًا من الصفيح بمساحة متواضعة لا تتجاوز عشرات الأمتار، يؤويه وأبناءه في ظل غياب أبسط مقومات الحياة.

وعلى الرغم من تقدمه في السن، ما زال السبعيني الفلسطيني يزرع الأرض ويعيد تربية المواشي في محاولة للحفاظ على جذوره، مؤمنا بأن الصمود والتعليم هما سلاح البقاء. "الاحتلال يريد أن يجهل أولادنا، لا أن يهجّرنا فقط. لذلك نصر على تعليمهم مهما كانت الظروف"، يقول بثقة.

تهجير صامت بالأغوار، في ظل سياسة إسرائيلية تهدف لتفريغ المنطقة المصنفة (ج) وربطها بالمستوطنات

وقد أثمرت عزيمته، فواحد من أبنائه أصبح طبيبا، وابنته نالت تخصصا في الأمن المجتمعي، وأخرى تدرس الإعلام الرقمي في الجامعة الأميركية برام الله بعد أن حصلت على منحة تفوّق بتقدير 95% في الثانوية العامة، وكانت من العشرة الأوائل في محافظة أريحا.

لكن حياة العائلة في العوسج ليست آمنة، فالمستوطنون، كما يروي محمد لـ"عرب 48"، يشنّون هجمات ليلية متكررة، يسرقون المواشي، ويطلقون النار، ويحرقون المحاصيل والمنازل، بينما يوفّر لهم جيش الاحتلال الإسرائيلي الحماية.

"نخوض حرب بقاء حقيقية. لا ننام الليل، نتناوب على الحراسة، نخاف على أولادنا وعلى ما تبقّى لنا من أرض"، يقول بحزن ممزوج بالإصرار.

ويؤكد محمد أن ما يحدث ليس اعتداءات فردية، بل مخطط منظم تقوده "الإدارة المدنية، وتنفذه عصابات المستوطنين كذراع ميدانية للاستيلاء على الأرض عبر البؤر الزراعية والسياحية، مضيفا أنه "منذ النكبة ونحن نعيش التهجير داخل الوطن، لكننا لم ولن نغادر. هذه الأرض لنا، وسنبقى فيها ما حيينا".

"نحرس الأرض بأجسادنا": شهادة نايف غوانمة من قلب الأغوار

قصة محمد مليحات ليست مجرد حكاية شخصية، بل ملحمة ممتدة لجيلٍ كاملٍ عاش التهجير جيلاً بعد جيل، وما زال يواجه المشروع الاستيطاني المتغوّل بالماعز، والمحراث، والكتاب، وهي أدواتُ الحياة التي تحوّلت إلى رموزٍ للمقاومة في معركة البقاء على أرض فلسطين.

نايف غوانمة من عرب الجهالين: نحرس أرضنا بأجسادنا في وجه التهجير والاستيطان

بين جبال العوجا ورأس شلال، يقف نايف غوانمة من عرب الجهالين شاهدا على صمود بدوي أسطوري في وجه التهجير والمحو. روايته تلخص حكاية البقاء في تجمع رأس العين، آخر التجمعات البدوية الصامدة في المنطقة، بعدما هجرّت عصابات المستوطنين 8 تجمعات أخرى منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

العوسج خيام الصمود على أطراف أريحا

يستعيد نايف بدايات التهجير قائلا لـ"عرب 48" إن "عائلتي هُجّرت من النقب إلى جنوب الضفة بعد النكبة، واستقر بنا الحال في رأس العين، لكننا نعيش منذ ذلك اليوم على وقع الخوف من الترحيل من جديد".

يقطن اليوم نحو 700 بدوي فلسطيني في مناطق رأس العين والعوجا ورأس شلال، يعيشون حياة بسيطة تقوم على زراعة البقوليات والحبوب وتربية المواشي.

حرب عام 1967 كانت آخر محطات التهجير الكبرى بالنسبة لهم، لكن عام 1999 شكّل بداية مرحلة جديدة من صراع البقاء، حين شرع الاحتلال في هدم بيوت الصفيح وحظائر المواشي بحجة البناء غير المرخص. لم يرحل السكان، بل أعادوا البناء حجراً فوق حجر، متحدّين قرارات الهدم والعقوبات.

يقول نايف بأسى ممزوج بالفخر: "كل مرة يهدمون نعيد البناء. الأرض لا تترك. نحن نعرفها شبرا شبرا، ولن نغادرها مهما ضاق الخناق".

خيام على حافة الصحراء: عائلات تهجرت ثلاث مرات وما زالت صامدة

لكن الخناق، اليوم، أشد من أي وقت مضى، فالمشاريع الاستيطانية الزراعية والسياحية تمددت في محيط رأس العين، وتحوّلت إلى أدوات لخنق التجمعات البدوية وقطع طرق الرعي والمياه عنها.

كما تتعرض العائلات لهجمات متكررة من المستوطنين الذين يتلفون المحاصيل، ويسرقون المواشي، ويمنعون الرعاة من الوصول إلى أراضيهم، فيما يقف جيش الاحتلال متفرجا أو شريكا في المنع بحجة "الأوامر العسكرية".

"يأتون ليلا، يحرقون الحقول، يسرقون الأغنام، ونحن نخرج نحرس الأرض بأجسادنا"، يروي نايف.

على الرغم من الخسائر، تُصّرُ العائلات على البقاء، مستندة إلى أوراق ملكية رسمية تثبت أن أراضيهم مسجلة في دائرة الطابو باسم عائلات من العوجا. لكنهم يعيشون في قلق دائم من أن يطردوا بالقوة تحت غطاء المستوطنين المسلحين الذين يواصلون الاستيلاء على الأراضي وتوسيع البؤر الاستيطانية.

تدمير آليات الري وسرقة منابع المياه يفاقم أزمة المياه المحلية ويحول الفلسطيني إلى تابع لآليات استيطانية توفر المياه للمستوطنات.

يختم نايف حديثه بنبرة تحد وكرامة: "منذ النكبة ونحن نُهجّرُ من مكان إلى آخر، لكننا تعلمنا أن البقاء مقاومة. نحن هنا نحمي آخر ما تبقى من حياة البدو في الأغوار، ولن نتركها مهما كان الثمن".

هكذا تُلخص شهادة نايف غوانمة قصة رأس العين، معركة يومية ضد الاقتلاع، يخوضها البدو بوسائل بسيطة، بالمعول والمحراث والقطيع، في وجه مشروع استيطاني يُطوّقهم من كل الجهات، فيما تبقى الأرض عنوانا للبقاء والكرامة.

صحافيون يوثقون التهجير في الأغوار الجنوبية
رأس العين… آخر القلاع البدوية في وجه الإبادة الهادئة
الجيش والمستوطنون يتحركون كجسد واحد لطرد الفلسطينيين
مصادرة أراض بحجة "الأمن" وتحويلها لبؤر زراعية استيطانية

التعليقات