صيادو غزة... رزق شحيح تجره الأميال التسعة

للصيد في قطاع غزة طعم مغمّس بالمعاناة، فما إن تُطل بارقة أمل حتى تتبدد مع رياح الحصار الذي تفرضه إسرائيل على شواطئ هذه الرقعة، التي تعتبر واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم،

صيادو غزة... رزق شحيح تجره الأميال التسعة

للصيد في قطاع غزة طعم مغمّس بالمعاناة، فما إن تُطل بارقة أمل حتى تتبدد مع رياح الحصار الذي تفرضه إسرائيل على شواطئ هذه الرقعة، التي تعتبر واحدة من أكثر الأماكن اكتظاظا بالسكان في العالم،

معاناة تجلت مع 'خيبة أمل' جرتها الأميال التسعة التي أقرها الاحتلال مؤخرا، بعد أن تولد أمل لدى الصيادين بأن اليوم ليس هو الأمس، فانطلقوا يبحثون عن رزقهم في العمق الجديد لكنهم عادوا برزق شحيح.

الصياد محمود أبو حصيرة، لم تحمل له أكثر من عشرين رحلة صيد، أبحرها في مسافة الأميال التسعة سوى 'خيبة أمل'، كما يقول.

أبو حصيرة (40 عاما)، واحد من مئات الصيادين الذين يشعرون بـ'الحسرة وخيبة الأمل'، فشباكه وآخرين لم تصطاد سوى كميات قليلة من الأسماك.

ويضيف 'للأسف مساحة التسعة أميال خيبت آمالنا، ولم نكن نتوقع أن تكون الكميات بهذا الحجم القليل، المساحة المسموح بها ضيقة وغير كافية، كما أنها محصورة فقط في مناطق معينة من بحر قطاع غزة'.

وسمحت إسرائيل في الثالث من نيسان/ أبريل الجاري، بتوسعة مسافة الصيد في شواطئ قطاع غزة، لتصل 9 أميال بحرية بدلا من 6 أميال.

ويقول الصيادون في غزة إن المسافة التي تم تحديدها تنطلق من وادي غزة (وسط)، حتى الحدود الجنوبية لمحافظة رفح (جنوب)، فيما تمنع إبحار الصيادين في المنطقة الشمالية لأسباب تقول إنها أمنية'.

وفي كل ليلة يبحر فيها أبو حصيرة، على متن قاربه برفقة 6 صيادين آخرين، يتمكن من اصطياد كميات محدودة من الأسماك كبيرة الحجم، لا تزيد عن 20-30 كليو غرام.

ويتابع 'نخرج في كل ليلة بسبع أو تسع سمكات كبيرة، المنطقة فارغة من السمك، ولو تم السماح لنا بالدخول إلى مسافات أكبر سيكون بمقدورنا الحصول على رزق وفير'.

وبحسب أبو حصيرة، فإن كل رحلة صيد تكلف الصيادين الكثير من المال والجهد، الذي يقابله رزق محدود وحركة بيع قليلة.

وفي المكان المخصص لبيع الأسماك في قطاع غزة، والمسمى بـ'الحسبة' بدا المكان شبه خال من الأسماك، وهو ما عزاه الصياد داوود شيخة، لندرة وجود الأسماك في المنطقة المسموح للصيادين العمل فيها.

ويقول شيخة (38 عاما)، إن 'الصيادين كانوا يأملون بإعادة الأيام الجميلة، عندما كان الصيد وفيرا'.

ويضيف 'المساحة الجديدة لم تحقق آمالنا، كنا نأمل أن نصطاد كميات كبيرة تعوض خسارتنا، لكن للأسف في كل صباح يتكرر نفس المشهد، القوارب تعود بالقليل من الأسماك'.

ووفق شيخة، يتراوح دخل الصياد في الوقت الحالي يوميا ما بين 20-50 دولارا، فيما كان قبل سنوات يتجاوز حاجز الـ 100 دولار نتيجة لوفرة الصيد.

ويستطرد الصياد قائلا 'لا تقتصر معاناتنا على ندرة الأسماك، فقوات البحرية للاحتلال الإسرائيلي، تواصل استهدافنا عبر إطلاق النار بشكل شبه يومي تجاه قواربنا، ما يدفعنا للخروج من البحر، كما يدفع الأسماك للهروب'.

وفي تقرير أصدره مركز الميزان لحقوق الإنسان، في وقت سابق من هذا الشهر، قال فيه إن 'قوات البحرية الإسرائيلية تواصل انتهاكاتها المنظمة والجسيمة بحق الصيادين الفلسطينيين في عرض البحر، ما يعبر عن نيتها إيقاع الضرر بهم وبمعداتهم، والتأثير على مصدر رزقهم بشكل منظم'.

وأفاد المركز أن طواقمه رصدت اعتقال الاحتلال لـ19 صيادا، وإصابة 5 آخرين، جراء إطلاق البحرية الإسرائيلية نيران أسلحتها تجاه قوارب الصيادين، منذ بداية العام الجاري.

ويأمل الصياد نائل بكر في أن يسمح الاحتلال للصيادين بالدخول إلى مسافة تتعدى الـ12 ميلا، كي تصطاد شباكهم أنواعا جديدة ومختلفة من الأسماك.

ويقول بكر، الأب لتسعة من الأبناء والبالغ من العمر 55 عاما، إن ما يجنيه من ثمن مقابل بيع الأسماك لا يعوض ما يدفعه مقابل وقود المراكب، وشراء وتجهيز الشباك ومعدات الصيد الأخرى.

ويمضي بقوله 'هناك عدد كبير من الصيادين والمساحة ضيقة، كما أن المنطقة رملية لا تتجمع فيها الأسماك، لقد أصابتنا خيبة الأمل خاصة أننا لم ندخل تلك المنطقة منذ عشر سنوات'.

وللتعليق على المعاناة التي يمر بها صيادو غزة، قال نقيب الصيادين في القطاع، نزار عياش، إن 'ما يريده هؤلاء هو أن تبحر قواربهم نحو أكثر من 12 ميلا'.

وأضاف عياش ، 'الرفع الحقيقي للحصار البحري الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي يتمثل في زيادة مساحة الصيد لما هو أبعد بكثير، الكميات التي يعود بها الصيادون كل صباح من رحلتهم التي تستغرق أكثر من 16 ساعة، قليلة ولا تكاد تذكر'.

 ولفت إلى أن الصيادين يأملون في زيادة مساحة الصيد، وبيع أكبر كميات من السمك، وفتح الباب أمام مجال التصدير إلى الضفة، لإنعاش حالتهم الاقتصادية، وتوفير القوت لأسرهم.

وبحسب عياش، تعرضت مهنة صيد الأسماك في قطاع غزة إلى انهيار كبير خلال السنوات التي أعقبت حصار غزة 2006، ليتراجع متوسط حجم الصيد السنوي إلى 800 طن سنويا، بعد أن كان لا يقل عن 5 آلاف طن سنويا قبل فرض إسرائيل حصارها، مشيرا إلى أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة 2014، تسببت بخسائر في قطاع الصيد تجاوزت الـ5 ملايين دولار.

وتفرض إسرائيل حصارا بحريا على قطاع غزة الذي يقطنه قرابة المليوني شخص، منذ عشرة أعوام، وتقلص بين الفترة والأخرى المساحة المسموح للصيادين العمل فيها.

وتنص اتفاقية أوسلو 'معاهدة السلام الموقعة عام 1993'، وما تبعها من بروتوكولات اقتصادية، على حق صيادي الأسماك في القطاع بالإبحار لمسافة 20 ميلاً، بهدف صيد الأسماك، إلا أن ذلك لم يُنفذ منذ عقد ونصف العقد.

ووفق نقابة الصيادين في غزة، فإن نحو 4 آلاف صياد يعيلون أكثر من 50 ألف فرد، يعملون بشكل شبه يومي على أكثر من ألف قارب صيد مختلفة الأحجام والأنواع.

اقرأ/ي أيضًا | غزة: حصاد القمح والشعير رغم بنادق الاحتلال

وسمح الاحتلال عقب الحرب الأخيرة، بالصيد لمسافة ستة أميال بحرية بدلا من ثلاثة، إلا أن نقابة الصيادين تقول إن قوات البحرية الإسرائيلية تعرقل أعمال الصيد على شواطئ غزة، وتطلق بشكل شبه يومي نيران أسلحتها تجاه قواربهم.

التعليقات