"العسل الأسود".. وجبة الفقراء المصرية

أكوام من أعواد محصول القصب الشهير في صعيد مصر، تمر على مدار الساعة عبر ماكينة عصر، ليخرج من طرفها الأول القش والشوائب، ومن الطرف الآخر عصيرا، يوضع في أحواض كبيرة، ويخضع لدرجات غليان مرتفعة، يتحول بعدها إلى أنهار من العسل الأسود

"العسل الأسود".. وجبة الفقراء المصرية

'العسل الأسود'، تلك الصناعة الموسمية التي تشتهر بها بعض قرى محافظات المنيا وقنا والأقصر في صعيد مصر، وتستمر نحو أربعة أشهر، تبدأ مع حصاد محصول قصب السكر في تشرين الأول/نوفمبر، وتستمر حتى آذار/مارس من كل عام.

أكوام من أعواد محصول القصب الشهير في صعيد مصر، تمر على مدار الساعة عبر ماكينة عصر، ليخرج من طرفها الأول القش والشوائب، ومن الطرف الآخر عصيرا، يوضع في أحواض كبيرة، ويخضع لدرجات غليان مرتفعة، يتحول بعدها إلى أنهار من العسل الأسود، الذي يعد وجبة رئيسية للفقراء في مصر، خاصة في فصل الشتاء.

مشهد يومي، اعتاد أن يراه الرجل الأربعيني، حسن سيد حسن، صاحب أحد مصانع العسل الأسود في محافظة المنيا، والذي يضم نحو 15 عاملا، في صناعة مصرية يعود تاريخها إلى فترة حكم المماليك (من 1250 إلى 1517م)، وما تزال تحافظ إلى الآن على شكلها التقليدي.
وتمر صناعة العسل الأسود، التي تستغرق دورتها 9 ساعات يوميا، بـ 4 مراحل رئيسية هي الجمع والنقل والعصر والطبخ والتصفية والتعبئة، وفق صاحب المصنع حسن. 

وأفاد حسن أن الصناعة تبدأ بتجمع محصول القصب، ثم نقله إلى المصنع، لتأتي مرحلة العصر عبر ماكينة متطورة، موضحا أن  أعواد القصب  توضع داخلها، فيخرج من مخرجها الأول، القش والشوائب، التي يعاد استخدامها كوقود في المصنع، ومن المخرج الثاني للماكينة يخرج عصير ذو لون أبيض يميل قليلا إلى الأخضر. 

ولفت أن مرحلة الطبخ تأتي بعد ذلك، حيث يصب العصير في أحواض كبيرة معدة خصيصا لغليه على مرحلتين، حتى يصير لونه أسودا، ولذلك يسمى بالعسل الأسود.
ومضى قائلا: 'في هذه المرحلة (الغليان) يقوم بالتقليب بملاعق حديدية ضخمة، عدد من الطباخين من أصحاب الخبرات الطويلة، حيث يمتد عمرهم في هذه الصناعة لسنوات، ودون أي إضافات غير طبيعية، تستمر عملية طبخ العصير عدة ساعات'.

وأوضح أن المرحلة الرابعة والأخيرة، وهي مرحلة المخزن، يتم فيها تصفية العسل من الشوائب، ثم التعبئة في عبوات بلاستيكية أو صفائح، حسب الكمية المقررة من نصف كيلو، وحتى 5 كيلو. 

وقال حسن، 'حاليا يبلغ سعر قنطار العسل الأسود، الذي يقدر بنحو 45 كيلو، 170 جنيها مصريا، بنحو أقل من 4 جنيهات للكيلو الواحد (نصف دولار)، وسعره دائما متغير وفق العرض والطلب بالسوق المصري'.

ويصف حسن، صناعة العسل الأسود بـ'المربحة'، لكنه يطالب الحكومة بأن تدعم 'العصارات' (المصانع الصغيرة المتخصصة في صناعة العسل الأسود)، حتى يستمر تطوير الصناعة وتقدمها، والاتجاه إلى التصدير للخارج مباشرة، بدلا من اللجوء إلى وسطاء يمتلكون رؤوس أموال كبيرة ليست في يد أصحاب المصانع الصغيرة'.

اقرأ أيضًا| (صور) أبواب المسجد الأقصى قبل 150 عامًا

وتابع حسن، 'شركات ورجال أعمال يشترون منتجنا على مدار العام، ولو توقفت مصانع السكر عن شراء القصب بعض الوقت في السنة، يقوم المزارع ببيع محصول القصب إلى تجار العصارات لتقديمه كعصير إلى المواطنين خاصة في فصل الصيف'.

وبحسب إحصاءات رسمية، يبلغ إنتاج مصر من العسل الأسود نحو 100 طن يوميا، تغطي الاستهلاك المحلي، فيما يتم تصدير الفائض للخارج بعد مروره على مرحلة جديدة من التنقية والفلترة لا تتم في المصانع التقليدية بمحافظات الصعيد.

ويبلغ عدد مصانع العسل الأسود في محافظة المنيا 85 مصنعا، تستهلك نسبة كبيرة من محصول قصب السكر، والمزروع على مساحة 39 ألف و477 فدان.

التعليقات