"ضاع العمر" والمصريون عالقون في الزحمة

وصل عدد السيارات في القاهرة وحدها نحو 2.3 مليون سيارة، حتى عام 2015، وفقا لتقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) من بينها 80 ألف مركبة تابعة لهيئات وشركات ومرافق النقل العام (حكومية).

"ضاع العمر" والمصريون عالقون في الزحمة

(أ.ف.ب)

ربما ليس هناك ما هو أبلغ من اسم الفيلم المصري الشهير 'وضاع العمر يا ولدي'، للتعبير عن حالة المواطن المصري المقيم في القاهرة، عندما يتحدث عن الوقت المهدور من حياته، في وسائل المواصلات المكتظة والشوارع المختنقة بالمركبات.

وتعد العاصمة المصرية (القاهرة) من الأوائل عالميا بالنسبة لمستوى الازدحام، فيما يسعى الناس فيها إلى غاياتهم وأعمالهم اليومية، في رحلة مجهولة الزمن، قد تكلّفهم نصف يومهم.

يستغرق الشاب أحمد سرور، نحو 6 ساعات منفصلة، يوميا، خلال استقلاله وسائل المواصلات المختلفة بالقاهرة؛ لقضاء أعماله، وهو حال كثير من قاطني العاصمة المصرية الذين أرهقهم زحام شوارعها وتكدس سياراتها.

'الأمر صعب للغاية'، يتحدث سرور (26 عاما)، وهو موظف مبيعات بأحد البنوك الخاصة بالقاهرة، عن معاناته في المواصلات، حيث يستقل ثلاثة أنواع مختلفة من المركبات خلال اليوم الواحد، خلال ما يواجهه في طريقه من عقبات تطيل من الوقت الذي يقضيه في التنقلات.

ويضيف سرور للأناضول 'أنزل من مسكني بحي المنيب (جنوب غربي القاهرة)، في السابعة صباحا (5 ت.غ)، وأستقل التوكتوك (مركبة صغيرة بثلاث عجلات، تحمل 3 أفراد كحد أقصى)، لمسافة قصيرة؛ لكون الأرصفة سيئة ومتعبة في المشي، حتى أصل لمحطة مترو المنيب (بداية الخط الثاني لمترو أنفاق القاهرة الكبرى)”.

ويوضح الشاب الثلاثيني 'أصل إلى عملي بحي المهندسين (غربي القاهرة)، بعد نحو ساعة، حيث إنني أستقل سيارة أخرى بعد نزولي من المترو (الذي يعد أسرع وسيلة داخلية في العاصمة المصرية)، هذا بخلاف جشع السائقين والتأخير في تحميل الركاب فضلا عن زبون السكة (راكب الطريق)”.

بحكم عمله في المبيعات، يستقل سرور، مواصلات عدة طوال اليوم، تستغرق من وقته نحو 6 ساعات، 'أفضلها المترو، رغم زحمته وعدم انتظام حركته أحيانا، ربع عمرنا بيضيع في المواصلات'، على حد قوله.

كلمات الموظف المصري، لخصت تفاصيل أخرى لمواطنين التقتهم 'الأناضول' على مدار الأيام الماضية، لرصد ظاهرة الازدحام المروري في القاهرة، حيث أكد قاطنو العاصمة المصرية أنهم يفضلون استخدام المترو واستقلال سيارات تسير على الطريق الدائري (يربط إقليم القاهرة الكبرى الذي يضم ثلاث محافظات)، في تنقلاتهم، لسرعتهما وقلة أسعار الأجرة، مقارنة بمواصلات وسط المدينة التي تعج بعشرات إشارات المرور التي تضيع الكثير من الوقت والجهد.

وتصل فترت الازدحام ذروتها في شوارع أخرى رئيسية، متفرعة من قلب العاصمة، في فترات الصباح أثناء خروج المواطنين لأعمالهم، وأثناء عودتهم في الفترة الممتدة من الضحى حتى التاسعة مساء بالتوقيت المحلي (7 تغ)، وأبرز تلك الشوارع 'صلاح سالم' و'العباسية' المتجهين إلى مدينة نصر والقاهرة الجديدة (شرقي القاهرة)، و26 يوليو الواصل بين وسط القاهرة حتى مدينة 6 أكتوبر (غربي القاهرة) فضلا عن طريق كورنيش النيل سواء المتجه شمالا إلى شبرا الخيمة أو جنوبا إلى حلوان أو المعادي، حسب الستيني 'أحمد السايس' الذي يعمل بأحد جراجات وسط القاهرة.

يقول عبد الرحمن ناجح (36 عاما)، موظف بإحدى شركات القطاع الخاص، إنه يتناول وجبة إفطاره داخل المواصلات، نظرا لتأخره عن عمله بوسط القاهرة، الذي يبعد عن مقر سكنه بحي فيصل (غربي القاهرة)، بحوالي 13 كيلومترا تأخذ في كثير من الأحيان ساعة ونصف الساعة تقريبا، بخلاف أيام الجمعة والسبت والعطلات الرسمية، التي تتميز فيها حركة السير بالسيولة المرورية ولا تستغرق فيهما المسافة 20 دقيقة فقط.

عبد الرحمن، عامل صيانة أجهزة كهربائية، يبدي أسفه على كثير من وقته الذي يضيع داخل السيارات والمترو، يقول في حديثه للأناضول، إنه أصيب بنوبات ضغط وسكر مؤخرا، بسبب الضغط النفسي والعصبي الذي يلاحقه في مشوار كل صباح، نظير الجري وراء المواصلات.

يرى العامل المصري أن كافة الطرق في القاهرة مزدحمة، غير أن بعضها يشهد سيولة مرورية في بعض الأوقات مثل الطريق الدائري، بينما يتجنب السير في شوارع فيصل والهرم (حيان مزدحمان غربي القاهرة) والتحرير ورمسيس (وسط القاهرة)، نظرا لازدحامها بشكل كبير حتى في العطلات، بحسب قوله.

وتمثل زحمة السير، في العاصمة المصرية، أزمة متفاقمة، خلال العقود الماضية، تسير بمعدلات أسرع من ذي قبل، رغم جهود حكومية للسيطرة عليها.

ووصل عدد السيارات في القاهرة وحدها نحو 2.3 مليون سيارة، حتى عام 2015، وفقا لتقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) من بينها 80 ألف مركبة تابعة لهيئات وشركات ومرافق النقل العام (حكومية).

ورغم الازدحام المروي يتنامي الإقبال على شراء السيارات الخاصة، حيث وصل عددها في القاهرة وحدها، إلى 3.6 مليون سيارة في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفق تقرير أخير صادر عن الجهاز الحكومي ذاته.

وحسب دراسة أجريت العام 2014، بإشراف البنك الدولي، يشكل عدد سكان إقليم القاهرة الكبرى، نحو 19 مليون نسمة، أي قرابة خمس سكان مصر، رصدت الدراسة ذاتها ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف سيارة تسير في الساعة الواحدة.

وفي محاولتها، للخروج من أزمة الانفجار السكاني بالقاهرة، كشفت الحكومة المصرية في آذار/مارس 2015، عن إنشاء عاصمة إدارية جديدة، تقع على بعد 45 كيلو مترا من وسط القاهرة، بتكلفة متوقعة حوالي 300 مليار دولار.

العاصمة الجديدة يسعى النظام المصري، من خلالها، استنساخ تجارب دولية أخرى، بنقل المؤسسات الرسمية المحلية والدولية إليها حتى يخف العبء عن وسط العاصمة التي تعج بعشرات آلاف الأشخاص من المدن والمحافظات المجاورة أو حتى البعيدة لقضاء مصالحهم داخل المؤسسات الحكومية.

وفي أيلول/سبتمبر العام الماضي، أعلن محافظ القاهرة السابق، جلال سعيد (وزير النقل الحالي)، طرح 5 مشروعات كبرى، تتكلف نحو 100 مليون دولار تقريبا؛ لمواجهة اختناقات المرور في العاصمة.

وتتضمن المشاريع الخمسة، طرح مساهمة الشركات المتخصصة في تقديم خدمات النقل العام، وإنشاء سوق حضاري للسيارات المستعملة، ومدينة معارض السيارات الجديدة، شرقي العاصمة.

وتضمنت أيضا إنشاء جراجين متعددين الطوابق تحت الأرض، شرقي القاهرة، وتحديدا في منطقتي شيراتون المطار، بسعة 1000 سيارة، وآخر في منطقة روكسي، بسعة 1700 سيارة.

كما تسعى الحكومة، وفق بيان وفق خطة المحافظة في إنشاء جراج للشاحنات في منطقة طرة (جنوبي القاهرة)، بغرض منع السيارات الضخمة المقبلة من الصعيد (جنوب البلاد) من دخول العاصمة، بجانب إنشاء 10 جراجات ميكانيكية سريعة التركيب في المناطق التي تؤدي إلى إرباك المرور.

اللواء علاء الجدوي، مساعد وزير الداخلية ومدير الإدارة العامة لمرور القاهرة، أكد، في تصريحات صحفية له، أن 'عدد السيارات في شوارع العاصمة يصل إلى نحو 3 ملايين سيارة يوميا سواء من قاطني العاصمة أو من المحافظات”.

وأوضح 'الجدوي' أن شوارع القاهرة، صارت لا تحتمل كثيرا، ما دفع الدولة للتوسع في إنشاء مدن جديدة ومحاور وكباري لتخفيف الضغط المروري.

اقرأ/ي أيضًا| السعودية تحبط عملية تهريب 1180 'طائر زينة'

وبخلاف المحاولات الحكومية للسيطرة على أزمة مرور العاصمة، خرجت مؤخرا أفكارا غير تقليدية من جهات غير حكومية، لحلحة الأزمة والتقليل من تداعياتها، كان أبرزها فكرة إنشاء التاكسي النهري، وشركات التاكسي الخاصة التي تتعامل مع العميل عبر الإنترنت، لكنها لم تفعل بعد.

التعليقات