05/04/2020 - 06:32

حوار | لماذا يتخوف العرب من الإصابة بعدوى الكورونا أكثر من اليهود؟

د. محمد خطيب: * التمييز المتراكم في التعاطي مع المرض يجعل العرب أكثر عرضة لأخطاره * أزمة الكورونا كشفت غياب بنية خدمات صحية في المجتمع العربي * نمتلك من المبادرة والكوادر بحيث نستطيع تجاوز المحنة بأقل الخسائر

حوار | لماذا يتخوف العرب من الإصابة بعدوى الكورونا أكثر من اليهود؟

من محطة الفحص في طمرة (أ ف ب)

*د. محمد خطيب:
> التمييز المتراكم في التعاطي مع المرض يجعل العرب أكثر عرضة لأخطاره
> أزمة الكورونا كشفت غياب بنية خدمات صحية في المجتمع العربي
> نمتلك من المبادرة والكوادر بحيث نستطيع تجاوز المحنة بأقل الخسائر


أظهر استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن 53% من العرب مقابل 30% من اليهود فقط، يتخوفون من الإصابة بفيروس كورونا، بينما يرى 63% من اليهود مقابل 43% من العرب فقط، أن الخطوات التي تتخذها الحكومة تتجاوب مع خطورة الوباء.

ويعود التخوف الزائد لدى العرب، برأينا، إلى انخفاض الثقة بالبنية الصحية القائمة في المجتمع العربي وتدني الخدمات الطبية التي يحظى بها مقابل المجتمع اليهودي، والتي تجعله عرضة للاستهداف أكثر من غيره في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية.

وقد انكشفت هشاشة البنى التحتية للمجتمع العربي التي خلفها التمييز المتراكم ضده في أكثر من أزمة، مثل حرب لبنان الأخيرة عام 2006 والحرب على العراق وسقوط صواريخ على إسرائيل عام 1991، حيث كان العرب أكثر انكشافا لخطر الموت وذلك وبسبب التمييز في التعامل معهم خلال الأزمات ذاتها، كما يحدث اليوم أيضا.

ومرة أخرى تبرز الحاجة لأهمية تنظيم المجتمع الفلسطيني ووجود مؤسسات وطنية عاملة في مختلف المجالات الحياتية، حيث أخذت لجنة الصحة القطرية التي انبثقت قبل ثلاث سنوات عن لجنة المتابعة، زمام المبادرة وأقامت غرفة طوارئ في جمعية الجليل تتولى وتدير بالتنسيق مع السلطات المحلية العربية كل ما يتعلق بموضوع وباء الكورونا.

حول هذه الموضوعات كان هذا الحوار مع رئيس لجنة الصحة القطرية د. محمد خطيب:

"عرب 48": مثل غيرها من الأزمات، أزمة كورونا كشفت عن الخلل العجز والنقص الذي يعاني منه المجتمع العربي والتمييز في التعامل معه خلال الأزمة، علما بأن الحديث هذه المرة يدور عن "كارثة طبيعية" وليست حربا مع عدو هو صديق لنا كما كانت تتذرع الحكومة الإسرائيلية في السابق؟

د. محمد خطيب

خطيب: من الواضح أن التمييز المتراكم خلال سنوات أدى إلى عدم وجود بنى تحتية في المجتمع العربي، قادرة على مواجهة الأزمات والتعامل معها وبالتالي الخروج منها بأقل خسارة، والحديث ليس فقط عن الجهاز الصحي، وإن كان هو أكثر ما يهمنا في هذه الأزمة.

ونحن إضافة إلى التمييز الذي نعانيه لأننا نسكن في الأطراف - الجليل والنقب، فكما تعلم أن المدن والقرى العربية تفتقر إلى المستشفيات والمراكز الطبية الكبيرة وخدمات الإنقاذ والإسعاف الأولي، الممثلة بـ" نجمة داوود الحمراء"، كما أنها بالمجمل تبعد عن المستشفيات الواقعة في المدن الإسرائيلية، مسافة تصل إلى 40 دقيقة في كثير من الحالات.

وإذا استثنينا مستشفيات الناصرة القائمة قبل عام 1948 وعانت الكثير من الحصار والإهمال من قبل السلطات ونجت بسبب ارتباطاتها الخارجية الكنسية، فإن التجمعات العربية الأخرى في الجليل والنقب والمثلث تابعة بالكامل للمشافي والمراكز الطبية في المدن اليهودية، ولخدمات الإنقاذ والإسعاف المتمركزة فيها.

وعلى سبيل المثال فان "نجمة داوود الحمراء" هي المخولة فقط بالتعامل مع مرضى فيروس كورونا بما يتعلق بفحص المواطنين ونقل المصابين وغيرها، وهي كما ذكرت لا يوجد لها فروع في الأغلبية الساحقة من المدن والقرى العربية، التي تعمل فيها بالمقابل شركات إسعاف خاصة، مثل "جابر بن حيان" و"الحياة" وغيرها من الجمعيات والشركات الخاصة، التي يقدر عدد طواقمها بـ2500 عامل، يمكنهم إذا ما حصلوا على التدريب الملائم المساهمة في خدمات الفحص والإشراف ونقل المصابين، إلا أنهم لا يأخذون دورهم في هذه المعركة لأن الموضوع محتكر من قبل "نجمة داوود الحمراء".

"عرب 48": نحن نعلم أن كل موضوع الطوارئ في إسرائيل يأخذ طابعا عسكريا لأنها مجهزة لحالات الحرب ولذلك يقع العرب خارج هذا النطاق؟

خطيب: صحيح، الموضوع موكل للجبهة الداخلية ولذلك فإن العرب خارج الصورة، ونحن نشاهد المنافسة الجارية بين الأذرع العسكرية والأمنية، الجيش والموساد و"الشاباك" ووحدات النخبة العسكرية، على الرغم من أن الأزمة هي كارثة طبيعية لا علاقة لها بالأمن.

ولكن النقص وغياب البنى التحتية في مجالات الصحة والخدمات وغيرها لا علاقة له بالموضوع، بل هو نتيجة التمييز المتراكم الذي تتكشف نتائجه في حالات الطوارئ بشكل خاص، هذا إلى جانب التمييز في التعاطي المباشر خلال الأزمة مع المجتمع العربي، فقد بادرنا نحن في بداية الأزمة بترجمة تعليمات وزارة إلى اللغة العربية بشكل تطوعي ونشرها للناس، بعد أن تقاعست الوزارة عن القيام بذلك، وعندما بدأوا بترجمتها بعد مطالباتنا كانت الترجمة رديئة، وهذا يدلل على مدى الاستهتار بحياة الجمهور العربي، ثم لماذا لا تشغل "نجمة داوود الحمراء" التي تتوكل أساسا بفحص ونقل مصابي الكورونا خطا باللغة العربية لخدمة المواطنين العرب.

ولماذا يجب على رئيس مجلس محلي كوكب أبو الهيجا أن يأخذ على عاتقه تحويل القاعة الرياضية إلى مستشفى ميداني ويجهزها بالأسرة والمعدات الطبية الأولية، وهي مبادرة نوعية وطيبة، ولكنها يجب أن تكون مسؤولية وزارة الصحة.

"عرب 48": إجراء فحوصات كورونا في التجمعات العربية بدأت فقط في الأيام الأخيرة وبعد مطالبات وضغوطات من الهيئات العربية وأعضاء الكنيست العرب، وهذا مؤشر للاهتمام الذي توليه الدولة بحياة جماهيرنا وصحتهم؟

خطيب: من جهة التمييز حالة مفروغ منها ولكن من جهة ثانية فإن المبادرة السريعة والتجند من قبل الأطر المهنية والسياسية، أجبر وزارة الصحة على تغيير سياساتها في مجال ترجمة التعليمات وإقامة مراكز فحوصات في المدن والقرى العربية، وكما فهمت فإن هناك تفاهمات ستنجز قريبا في مجال تأهيل طواقم الإسعاف من الشركات العربية للتعامل مع مصابي الكورونا ونقلهم.

وكما في كل أزمة وقضية لا نأخذ حقنا إلا بالنضال والفعل المهني والسياسي، ومجتمعنا يمتلك من الكوادر والطاقات ما يجعله قادر على تجاوز هذه الأزمة بأقل خسائر إن شاء الله.

"عرب 48": الوضع في النقب وفي القرى غير المعترف بها بالذات أصعب بكثير وعلمنا بأن "عدالة" قدمت التماسا بهذا الخصوص؟

خطيب: وضع النقب في القرى غير المعترف بها سيء للغاية، فبالإضافة إلى انعدام الخدمات الطبية المحلية، هناك مشكلة في الوصول إلى هذه الخدمات في المراكز القريبة والبعيدة، بسبب البنية التحتية التي تجعل من وصول سيارات الإسعاف للمصابين مسألة معقدة أيضا، ناهيك عن عدم تسني القيام بإجراءات العزل في الظروف السكنية الراهنة.

كل هذه الظروف تسهل من إمكانية انتشار المرض وتتطلب معالجة فورية واهتمام أكبر من الجهات المسؤولة لمنع ذلك وليس مداواة الإهمال بالإهمال، كما يقولون.

"عرب 48": لطالما قارنوا جزافا بيننا وبين الحريديين من ناحية عدم الالتزام بالتعليمات، ونحن نرى الكارثة التي تحدث هناك نتيجة ذلك، هل تتوقع نتائج شبيهة عندنا؟

خطيب: لأن المقارنة غير صحيحة، فإن النتائج لن تكون متماثلة، ولكن بدون شك أن المعطيات الراهنة لا تعكس النسبة الحقيقية للمصابين، فنحن لسنا بني براك ولكننا لسنا شمال تل أبيب أيضا، وهناك خصائص ومميزات لمجتمعنا منها ما هو إيجابي في سياق الكورونا ومنها ما هو سلبي. ويجب أن ننتظر نتائج الفحوصات ونتأمل خيرا.

"عرب 48": ماهي القضايا التي تضعوها على أجندتكم في هذه المرحلة؟

خطيب: هناك قضيتين أساسيتين تتمثلان أولا بتكثيف الفحوصات في مختلف أنحاء المجتمع العربي من الجليل إلى النقب من خلال صناديق المرضي ونقاط "افحص وانطلق"، والثانية تتمثل بدعم مستشفيات الناصرة العربية وتمكينها للتعامل مع الوباء، وتمكين المراكز الطبية العربية، على غرار مركز "النور" في أم الفحم وغيره، من تقديم خدمات أولية في هذا المجال إلى جانب تأهيل طواقم الإسعاف العربية للتعامل مع المصابين.

كما ندعو أهلنا إلى الالتزام بتعليمات الجهات الصحية والطبية لنتمكن من تجاوز هذه الأزمة على خير وبأقل الخسائر.


*د. محمد خطيب: محاضر في مجال الصحة الجماهيرية وتعزيز الصحة في الكلية الأكاديمية- صفد وباحث في جمعية الجليل، مركز الأبحاث الاجتماعية- ركاز، ناشط في مجال تطوير صحة المجتمع العربين تغيير السياسات الصحية وجسر الفجوات في الصحة.

التعليقات