26/06/2021 - 20:22

أبو كف: هكذا تعمّق "الفجوة الرقميّة" الفجوات الاقتصادية والاجتماعية

في عصر المعلومات أصبحت ضرورة المعلومات الحيوية أكثر وضوحا ويمكن الإجابة عنها بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذا ما كانت متوفرة ويمكن للأفراد استغلالها.

أبو كف: هكذا تعمّق

من أم الحيران (أرشيف أ ف ب)

في البحث الذي نالت عليه درجة الدكتوراه من قسم الإعلام في جامعة بئر السبع، وفحصت من خلاله "الفجوة الرقمية" القائمة في استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجتمع البدوي الفلسطيني في النقب عمومًا، وفي القرى غير المعترف بها بشكل خاص، أشارت الباحثة غالية أبو كف، ابنة قرية أم بطين غير المعترف بها، إلى معاناة الشعوب الأصلانية في أنحاء مختلفة في العالم من "الإقصاء الرقمي" وفجوات اجتماعية اقتصادية أخرى بتأثير الحالة الكولونيالية التي دفعتهم إلى الهامش، وإلى معاناة مجموعات إثنية وأقليات في دول أخرى من انعدام المساواة في توزيع الموارد الرقمية، أيضًا، منوهة إلى أنّ أبحاث "الفجوة الرقمية" تربط بين عوامل اجتماعية ديمغرافية مثل الثقافة والدخل واللغة والسكن في الضواحي، وبين التفاوت القائم في الموارد الرقمية والتفاوت في الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات واستعمالها.

وأكّد البحث أنّ العقود الأخيرة شهدت تطورات تكنولوجية كبيرة، أدّت إلى تغييرات في كيفية إنتاج المعلومات ونشرها. لا تتمتع كل المجتمعات بتوفرها بنفس القدر، حيث يشكل المجتمع البدوي الفلسطيني في النقب أحد هذه المجموعات التي لا تتمتّع بهذا التطور بسبب غياب بنى تحتية مناسبة وبسبب وجود فجوات اقتصادية اجتماعية أخرى. ويعرف تدني الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والفرص التي يوفر استعمالها بمسمى "الفجوة الرقمية"، لأن المشاركة الكاملة في حياة المجتمع باتت ترتبط أكثر فأكثر بقدرات ومؤهلات رقمية، في حين باتت تلك القدرات والقدرة على الوصول إلى المعلومات ضرورية لخلق مساواة في الفرص ومشاركة مدنية ديمقراطية، في حين تعاني المجموعات التي لا تحظى بوصول متساوٍ لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الراهنة حالة إقصاء من العمليات الاجتماعية ومن القدرة في التأثير على محيط حياتها وبلورتها إلى جانب تتقلص مساحة النضال من أجل حقوقها.

ويفحص البحث استعمالات تكنولوجيا المعلومات في تطوير القدرات بين أوساط القرى غير المعترف بها في النقب بغرض تطوير احتياجات المعلومات وتطوير ظروف حياة سكانها وتحصيل حقوقهم، وهو يجمع، كما تقول الباحثة، بين ثلاثة مجالات، هي "الفجوة الرقمية" وطريقة "القدرات" ودراسة المجتمع البدوي الفلسطيني، ويطبق نظرية "القدرات" على "الفجوة الرقمية" في مجتمع خاص، لم يُبحث الفجوة الرقمية فيه من قبل، وهو البحث الأوّل الذي يقوم بفحص تداعيات "الفجوة الرقمية" على جودة حياة السكان البدو عموما وعلى سكان القرى غير المعترف بها في النقب بشكل خاص، وهي إحدى المجموعات الأكثر إقصاءً في إسرائيل، كما يفحص ويكشف عن احتياجات المعلومات الخاصة به.

وحول البحث و"الفجوة الرقمية" التي يخلقها امتناع إسرائيل عن الاعتراف بالقرى العربية في النقب، في مجال الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأثر ذلك على تطور المجتمع في هذه القرى وفي النقب عموما كان هذا الحوار مع د. غالية أبو كف.

غالية أبو كف
غالية أبو كف

"عرب ٤٨": يجب أن نشير، بدايةً، إلى أنّك بالإضافة إلى كونك من قرية غير معترف بها، فأنت أم لخمسة أطفال، وهذا لم يعيقك عن إكمال مشوارك الأكاديمي والحصول على شهادة الدكتوراه. وإلى موضوع البحث، فلنبدأ أولًا بتعريف "الفجوة الرقمية" وترجمتها على الواقع في النقب..

أبو كفّ: "الفجوة الرقمية" هي موضع بحث منذ عقود، منذ ظهور التكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي وضع يميز المجتمعات المستضعفة ويتمثل في تدنّي الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتدنّي القدرة على استعمالها وتدنّي التوجه الرقمي، وتتمثل تداعياتها في انعدام المساواة في الفرص والتفاوت بالقوة وعدم المشاركة الاجتماعية.

البحث تعمّق في فحص الفجوة الرقمية في المجتمع البدوي، الذي لم يبحث في هذا السياق من قبل، وتأثيرها عليه من ناحية قطعه وعزله عن سائر المجتمع ومن ناحية ترجمة حقوقه الأساسية وقدرته على تحصيل احتياجاته الحيوية كمجموعة أقلية. تلك الاحتياجات يمكن أن تتمثّل بقدرة المواطنين البدو في الحصول على معلومات أساسية ضرورية لتنفيذ العمليات اليومية وقدرتهم على الحصول على التعليم والرزق.

ويساعد البحث في فهم هذه المعاني بواسطة طريقة "القدرات" وتداعياتها على جودة حياة المجتمع المعني وعندما نفهم معنى "الفجوة الرقمية"، نفهم كيف يمكن أن يؤدي إغلاقها إلى تحسين جودة حياة الناس.

"عرب ٤٨": هل أجريتم البحث على القرى غير المعترف بها؟

أبو كف: نعم، أخذنا ثلاث مجموعات من ثلاث قرى غير معترف بها تفتقر إلى البنية التحتية وشبكة الكهرباء والإنترنت وزودناهم بحواسيب ووفرنا لهم وسائل الاتصال بالإنترنت، وقمنا بفحص وفهم التوقعات في المرحلة الأولى ومن ثم كيفية التعامل مع الحواسيب في نطاق "الفجوة الرقمية" المحسوبة كميا.

وكان الهدف هو فحص القدرات التي يطورونها لمساعدة أنفسهم في تلبية احتياجاتهم، إذا ما وُفّرت لهم وسائل التكنولوجيا والاتصالات، وبدا لنا من الواضح أن من لا يستطيع الوصول إلى وسائط الاتصالات سيعاني من "تخلّف"، وأنّ الفجوة الرقمية ليس أنها تؤثر، بل تعكس ظلالها على الفجوات الاجتماعية الأخرى.

وفي هذا السياق، نحن نتحدث عن مجموعة سكانية مقطوعة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بفعل انعدام البنية التحتية التي توفر لها ذلك. ورأينا تأثير هذا الانقطاع وفحصنا عوامل أخرى تساهم في إبعاد هذه التكنولوجيا مثل اللغة، إذ أنّ لغة وسائل الاتصال هي العبرية وحتى لغة الكمبيوتر هي عبرية.

"عرب ٤٨": وماذا كانت التوقعات والاستنتاجات من الوصول أو عدم الوصول لهذه التكنولوجيا؟

أبو كف: الشيء الأول والأساسي بالنسبة لهم في قرية غير معترف بها هو أن يتمكّنوا من إسماع صوتهم وإيصال معاناتهم إلى الآخرين، كما أنّ هناك الكثير من القدرات التي يحرم منها سكان القرى غير المعترف بها بسبب حرمانهم من هذه التكنولوجيا. فأنت كطالب جامعة لا تستطيع ممارسة عملية التعليم عن بعد، ولا دخول المكتبة الرقمية، ومع أن البحث أجري قبل جائحة كورونا، فإنّ الجائحة عزّزت هذه النتيجة.

هذا ناهيك عن أنّ الاتصال بالإنترنت يعطيك شعورًا بأنك جزء من مجتمع وعالم واسع، في حين انقطاعك عنه يعمّق شعور الغربة والانقطاع عن العالم.

"عرب ٤٨": البحث تناول المجتمع البدوي الفلسطيني عموما وركّز بشكل خاص على القرى غير المعترف بها؟

أبو كف: المجتمع البدوي هو مجموعة مميزة داخل الأقلية الفلسطينية تسكن في النقب منذ أجيال طويلة ويبلغ عددها 250 ألف نسمة، يشكلون ثلث سكان تلك المنطقة، وقد عانت منذ قيام الدولة (إسرائيل) وحتى اليوم من إقصاء وتمييز متواصلين في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي أدّى إلى فجوة رقمية بمستوى وعمق غير معروفين، وبشكل خاص بين سكان القرى غير المعترف بها. وفي هذا السياق يسلط البحث الضوء على عمق هذه الفجوة وفهم معانيها ويضع الإصبع على العراقيل التي تحول دون تحقيق هذا المجتمع لقدراته.

طلاب إحدى المدارس في النقب (مركز "عدالة")
طلاب إحدى المدارس في النقب (مركز "عدالة")

كما أن البحث يرتكز إلى طريقة "القدرات" التي طورها العالم سان، وتستند إلى تطوّر الفرد كأساس لقياس تطور المجتمع، انطلاقا من التغيير الحاصل في خصائص وسائل الاتصال التي تحولت إلى أكثر شخصية وأكثر خصوصية. ولكن إلى جانب تحوّل وسائل الاتصال إلى أكثر شخصية وخصوصية ومتنقلة وفعالة وتتميز بالكثرة وتنوع الوسائط، فإنها، في نفس الوقت، صارت ضرورية لعبور الحياة العصرية، إذ يخلق غيابها فجوات اجتماعية وطبقية كبيرة.

"عرب ٤٨": في هذا السياق، أنت تدّعين أنّ المجتمع البدوي في النقب عمومًا يعاني من هذه الفجوات، وبشكل خاص سكان القرى غير المعترف بها؟

أبو كف: صحيح، في عصر المعلومات أصبحت ضرورة المعلومات الحيوية أكثر وضوحا ويمكن الإجابة عنها بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذا ما كانت متوفرة ويمكن للأفراد استغلالها. وفي هذا السياق، يعاني المجتمع البدوي في كل المقاييس الاجتماعية ومن الملائم فحص كيفية الإجابة عن حاجات المعلومات المتعلقة به بواسطة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبما أنّ القرى غير المعترف بها هي الفئة الأكثر إقصاءً، فإنّ سؤال البحث كان، ما هي استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي جرت لبناء قدرات بين أوساط سكان القرى غير المعترف بها من أجل تطوير إجابات لحاجات المعلومات الخاصة بهم؟ وهو ما أجبنا عليه في البحث.

"عرب ٤٨": أنت من قرية أم بطين المعترف أم غير المعترف بها؟

أبو كف: نعم، رسميا جرى الاعتراف بأم بطين قبل 16 سنة بينما على الأرض لم يتغير شيء، فالقرية التي يبلغ عدد سكانها خمسة آلاف نسمة ما زالت تفتقر إلى الكهرباء وغيرها من البنى التحتية الأساسية، وهي أسوة بعشرات القرى الأخرى غير المعترف بها في النقب، تشهد إهمالا ومعاناة يومية يتسبّبان بفجوات اجتماعية واقتصادية ورقمية.


د. غالية أبو كف: عاملة اجتماعية تعمل مديرة مجال التطوير الاقتصادي في "ينابيع"، شغلت في السابق مديرة لمركز "ريان" لتطوير التشغيل في "المجتمع البدوي" في الجنوب، حصلت على اللقبين الأول والثاني في العمل الاجتماعي والتربية من جامعة بئر السبع وحصلت مؤخرا على شهادة الدكتوراه من قسم الإعلام في نفس الجامعة، وهي من قرية أم بطين غير المعترف بها وأم لخمسة أطفال.

التعليقات