09/04/2022 - 21:24

حوار مع د. أمارة | إسرائيل تسعى لـ"تسوية" ما تبقى من أراضي القدس

يتهدد مخطط ما يسمى بتسوية أراضي القدس الشرقية الذي اتخذ صفة قرار حكومي يوم 13 أيار/مايو 2018 ويحمل رقم 3790 تحت غطاء "تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية"، ما تبقى من أراضي القدس

حوار مع د. أمارة | إسرائيل تسعى لـ

هدم منزل عائلة الصالحية في الشيخ جراح والاستيلاء على أرضها (Gettyimages)

يتهدد مخطط ما يسمى بتسوية أراضي القدس الشرقية الذي اتخذ صفة قرار حكومي يوم 13 أيار/مايو 2018 ويحمل رقم 3790 تحت غطاء "تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية وتطوير الاقتصاد في القدس الشرقية"، ما تبقى من أراضي القدس، حيث ستقوم إسرائيل من خلال لجنة تشرف عليها وزارة القضاء وتنهي أعمالها مع نهاية عام 2025، بتسوية كل أراضي القدس الشرقية المحتلة.

وكان من المفترض أن تنجز إسرائيل تسوية 50% من أراضي القدس الشرقية خلال الربع الأخير من العام 2021، لكن العملية تبدو معقدة، وتتوقع إسرائيل ألا تمر بهدوء في كل أحياء القدس الشرقية، وعليه فضلت "لجنة التسوية" المسؤولة عن العملية أن تبدأ بتسوية أحواض تجربة في مناطق متفرقة، كما أن انتشار وباء كورونا في السنة الاخيرة أدى إلى إبطاء العملية التي تسير بالرغم من ذلك بثبات.

وجاء في تقدير موقف لمركز "مدار"، أن إسرائيل تدعي في ظاهر القرار، أن تسوية أراضي القدس الشرقية من شأنه أن يزيد دخل بلدية القدس بمئات ملايين الشواكل، وأن يزيد دخل المقدسيين الذين سيتمكنون من الاستفادة من التسوية، وتخصيص نحو 550 ألف دونم لصالح مناطق صناعية ستستوعب قوى عاملة فلسطينية.

لكن في جوهر القرار، يمكن أن تُستخدم التسوية، وبشكل فعال وغير قابل للعودة عنه، للمضي قدما في المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي سيصادر أراضي شاسعة من القدس الشرقية ويسجلها رسميا أملاك دولة، أو أملاكا يهودية.

وكانت إسرائيل قد صادرت خلال نصف قرن من احتلال المدينة وضمها إلى السيادة الإسرائيلية، مناطق شاسعة من القدس الشرقية لصالح كتل استيطانية كبرى، وحاصرت التمدد الطبيعي للمقدسيين، وخلقت حقائق جديدة داخل الفضاء المكاني، وهذا يعني أن تسوية أراضي القدس الشرقية بناء على وقائع اليوم، وليس بناء على ما كان عليه الأمر عشية الاحتلال عام 1967 سوف يثبت التغييرات الاستعمارية في القدس الشرقية ويمضي قدما في سرقة المزيد من الأراضي بشكل فجائي وتحت مسوغات قانونية.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحث والمحاضر الجامعي والمحامي المتخصص بالمرافعة الدولية في قضايا الأرض، د. أحمد أمارة، حول هذه القضية وتداعياتها على أراضي المقدسيين ومستقبل مدينتهم.

"عرب 48": لا تخفى علينا نوايا إسرائيل واستغلالها لكل الأدوات القانونية والإدارية والتخطيطية لخدمة مخططاتها الاستعمارية، ولكن دعنا نفهم ما هي تسوية الأراضي وماهية هذا الاجراء؟

أمارة: التسوية بشكل مجرد هي عمليا تسجيل حقوق الأراضي، بمعنى تثبيت حقوق الناس المالكين في أرضهم حسب حوض وقسيمة وخرائط مساحة محددة بالسنتيمتر.

د. أحمد أمارة

وتسوية الأراضي في فلسطين بدأها البريطانيون وقبلهم الأتراك بشكل أولي، فالطابو الذي نعرفه هو إجراء عثماني، ففي فترة التنظيمات والإصلاحات الإدارية والقانونية العثمانية، جاء قانون الطابو في منتصف القرن التاسع عشر في الفترة التي بدأت الإمبراطورية العثمانية تحاول أن تتصرف كدولة حديثة، فيها مركزية وتسعى إلى تجميع، قدر الإمكان، إحصاءات ومعطيات عن السكان والمكان الموجودين عليه، فقانون الطابو صدر عام 1860 وقانون الأراضي العثماني صدر عام 1858 وهذا القانون لعب دورا كبيرا في النقب والجليل والضفة والقدس بالأساس من أجل مصادرة الأراضي.

بعدها جاءت بريطانيا وقامت بتسويات شملت خرائط ومساحة وأحواض وقسائم، ووظفت ذلك في خدمة أهدافها بالسيطرة ونقل الأراضي لصالح الاستيطان الصهيوني، وتبعتها إسرائيل على نفس النهج.

أما الإجراء البيروقراطي المرتبط بالتسوية فهو معروف، من خلال إصدار إعلان وتقديم لوائح دعاوي ولوائح حقوق وجدول ادعاءات وكل من يدعي حق تسجل باسمه دعوى وتنشر على أن يتم فحصها من قبل مأمور التسوية.

"عرب 48": والأرض التي لا يدعى حق عليها من قبل أحد تبقى للدولة؟

أمارة: الدولة تجري فحص حقوقها خلال عملية التسوية في حال قدم ادعاء من قبلها أم لم يقدم، حتى عندما يتم تقديم دعوى من قبل أي مواطن يتم فحص فيما إذا كانت بهذه الأرض حق للدولة. الخطورة بما تسعى إسرائيل لفرزه لصالحها هي أراضي عامة أو أراضي دولة، أملاك غائبين وأملاك تابعة لليهود قبل الـ48، والمخاطر قائمة لأنها في عملية التسوية هي الخصم والحكم.

وكما هو معروف فإن الأراضي التي يدعى أنها كانت تتبع لليهود قبل الـ48 تدار من قبل ما يسمى بـ "القيم العام"، وأملاك الغائبين تدار من قبل "القيم على أملاك الغائبين" وهما ممثلان في لجنة التسوية التي تضم أيضا ممثلين عن بلدية الاحتلال وهذه اللجنة تجتمع بشكل فعلي وتمارس عملها، وهناك شركة تعمل بالذات على المساحة والخرائط، وقد بدأوا فعلا في عينات تجربة (بايلوت)، في بيت حنينا وجبل المكبر والشيخ جراح وبيت صفافا والعملية تجري بإشراف وزارة القضاء الاسرائيلية.

"عرب 48": أشرت إلى أن التسوية تلك هي استمرار للتسوية التي بدأها الانتداب البريطاني قبل الـ48 والتي كان لها أهدافا استعمارية في السيطرة على الأرض؟

أمارة: هي أكثر من مصادرة، فقد كان الهدف من التسوية البريطانية التي بدأت عام 1928 فرز أراض والسيطرة عليها كأراضي دولة لتأهيلها للاستيطان اليهودي، لأن البند السادس من صك الانتداب البريطاني على فلسطين ينص على توطين وتخصيص أراضي دولة لصالح الاستيطان اليهودي.

الهدف الثاني هو الاستجابة لمطالبة القيادات الصهيونية بتسجيل الأراضي لتسهيل عملية شراء الأراضي وصيانة حقوق المشتري، وفي هذا السياق نلاحظ أن البريطانيين وإن كانوا قد سجلوا 20% فقط من أراضي فلسطين حتى عام 1948، فإن التسجيل كان أساسا في مناطق تقع فيها مستوطنات يهودية، وأساسا في الجليل والساحل، أي في المناطق التي أرادوا أن يثبتوا فيها المستوطنات اليهودية، ولا نجد هذا التسجيل في الضفة والمركز.

وكما هو معروف فإن الحديث كان يدور وسط القيادات الصهيونية عن ثلاث طرق للسيطرة على الأرض، الأولى هي الاستيلاء عليها بالقوة مثلما فعلت جميع القوى الاستعمارية والثانية بواسطة قوانين وقرارات سلطوية بالمصادرة وهذا غير ممكن بغياب سيادة والثالثة هي شراء الأرض وتسجيلها، ولذلك كان التسجيل مهما جدا بالنسبة لهم.

وأول ما فعله البريطانيون لدى استعمارهم فلسطين هو إغلاق مكاتب الطابو والأمر الثاني هو تشكيل "لجنة ابرامسون" التي صدر عنها مرسومين، مرسوم أرض المحلول عام 1920 ومرسوم أرض الموات 1921 وقد نجح الانتداب البريطاني في الفترة الواقعة بين 1928 و1948 في تسجيل 5.2 مليون دونم من مجموع 26 مليون دونم وإذا لاحظنا خارطة التسجيل نرى أن هناك وجه شبه كبير بينها وبين خارطة التقسيم.

"عرب 48": إذن تسوية الأراضي كانت في خدمة الصهيونية حتى قبل أن تقوم بها إسرائيل؛ فكيف سيكون حالها تحت سيادة دولتها وفي القدس بشكل خاص؟

ـمارة: الحركة الصهيونية كان لها دورا مهما في صياغة قوانين الأراضي البريطانية، مسودات القوانين كان يتم إرسالها للوكالة اليهودية لتضع ملاحظاتها عليها، وكان مهما أن تتم تسوية الأراضي وتسجيلها في مناطق الاحتكاك التي يتم فيها شراء الأراضي، لتثبيت حقوق المستوطنات اليهودية فيها.

أما بالنسبة للتسوية الحالية المطروحة في القدس فإن التجارب السابقة في الجليل تفيد بأن إسرائيل غيرت الكثير من القوانين والأنظمة البريطانية والعثمانية، خاصة بما يتعلق باللجان المحلية والشهادات الشفوية التي تؤكد أن فلان معه الأرض وفكرة حيازة الأرض تعني أنه يملكها.

التجربة بعد الـ48 كانت على العكس تماما، فرغم أن ما تم شراؤه حتى عام 1948 هو أكثر بقليل من مليوني دونم فقط، أي أقل من 5% من الأراضي، فإن الدولة تسيطر اليوم على 95% من الأرض، وهي سيطرة تمت بواسطة سلسلة قوانين وإجراءات مثل قانون أملاك الغائبين وقوانين استملاك الأراضي وقانون المصادرة لأغراض المصلحة العامة.

وأول ما بدأت التسوية بعد الـ48 بدأت غربي القدس في قرى وأحياء عين كارم ودير ياسين والطالبية، وكان الهدف إسباغ الشرعية على السيطرة على أراضي هذه المناطق، علما أن القدس كانت تصنف بأنها تحت إدارة دولية وفق قرار التقسيم.

لكن في الخمسينيات والستينيات بدأت عملية التسوية في الجليل وكانت مرتبطة بفرض السيادة وتسهيل عملية الاستيطان اليهودية في ظل تخوف من خطر استقلال هذه المنطقة عن إسرائيل أو ضمها لدولة عربية وطبعا مشروع تهويد الجليل كان مرتبطا بذلك.

"عرب 48": كثيرا ما تردد في هذا السياق تصريح بن غوريون في تلك الفترة، الذي قال فيه بعد جولة في الجليل إنه يشعر كما لو كان في دولة عربية؟

أمارة: تسوية الأراضي في الجليل ارتبطت في سياق تهويد هذه المنطقة وهو ما يحدث في القدس اليوم أيضا، ولكن ما يهمنا من هذه التجربة هو كيفية تطبيق إسرائيل لتسوية الأراضي حينها، فقد نفت كل الشهادات الشفوية التي جرى الاعتماد عليها في التسويات البريطانية ونفت التسجيلات الضريبية وبالتالي صادرت مساحات كبيرة من الأرض ظلما.

وتشير المعطيات التي بين أيدينا أنه على أثر هذه التسوية وما نتج عنها من مصادرة، فقد وصلت إلى المحاكم الإسرائيلية 8 آلاف دعوى استئناف من قبل أصحاب الأراضي الفلسطينيين، علما أنه جرى رفض 85% منها.

وفي النقب، جرى الإعلان عن التسوية عام 1974 في المنطقة التي جرى تركيز العشائر البدوية فيها، وبعد الإعلان تم رفع 3220 مذكرة دعوى ملكية في إطار التسوية، إلا أن إسرائيل اختارت تجميد هذه الدعاوى والتفاوض مع أصحابها، ولكن حتى عام 2004 لم يتم تسوية سوى 15% من هذه الدعاوى.

وبعد عام 2004 بدأت إسرائيل بتقديم دعاوى مضادة ضد العائلات العربية في النقب وحتى اليوم هناك 500-600 ملف في المحاكم حُكم في 300-400 منها لصالح إسرائيل، ولم تعترف هذه المحاكم حتى اليوم بأي دعوى ملكية لعرب النقب. وقد بينا في كتابنا حول النقب "الأراضي المفرغة" كيف تقوم إسرائيل بإفراغ الأراضي من سكانها الأصليين بدعوى أنها أراض ميتة.

"عرب 48": تريد أن تقول إن التسويات التي قامت بها إسرائيل في مناطق فلسطينية مختلفة سابقا كانت هدفها المصادرة والسيطرة على الأرض وهذا ما سيحصل في شرقي القدس؟

أمارة: المفارقة أن إسرائيل قامت فور احتلالها لشرقي القدس بوقف تسوية الأراضي التي كانت قد بدأتها الأردن وجرى خلالها تسجيل 30% من أراضي شرق القدس.

وخلال الـ50 سنة الماضية من احتلالها صادرت إسرائيل 24 ألف دونم، والتي تشكل 38% من أراضي شرقي القدس استنادا إلى القانون البريطاني من عام 1943، الذي يجيز المصادرة لغرض المصلحة العامة.

من هنا نرى أن الإعلان عن التسوية يعني مساومة الأهالي على ما تبقى لهم، ونعرف أن دوائر السيطرة على الأرض الفلسطينية المتمثلة بـ"القيم العام" و"القيم على أملاك الغائبين" وغيرها جاهزة للاستحواذ على المزيد من الأراضي الفلسطينية بذرائع وقوانين إسرائيلية مختلفة وأن ما تسمى بالـ"الكيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل – "كاكال") لوحدها أعلنت أنها ستفتح 17 ألف ملف أراضي من أرشيفاتها بينها 2050 ملف يحوي 2050 قطعة أرض في شرقي القدس.


د. أحمد أمارة: محاضر بجامعة نيويورك في تل أبيب وباحث في العيادة القانونية التابعة لجامعة القدس، وهو محام متخصص في المرافعة الدولية، يتمحور بحثه في التقاطع بين القانون والتاريخ والجغرافية مع التركيز على قانون الأراضي العثماني في جنوب فلسطين والقدس.. نشر مؤخرا كتاب "الأراضي المفرغة- جغرافيا قانونية لحقوق البدو في النقب"، بالتعاون مع ألكساندر كيدار وأورن يفتحئيل، ويعمل حاليا على بحث حول السيطرة على الأراضي وتهويدها من خلال الأدوات القانونية المختلفة بالتركيز على سلوان والشيخ جراح.

التعليقات