توجت إسرائيل حملة التحريض والملاحقة ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مؤخرًا، بإقرار لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست مشروع قانون يحظر نشاطات الأونروا في إسرائيل وفي الأراضي الخاضعة لسيطرتها. ينص القانون على إلغاء الاتفاق المبرم مع "الأونروا" عام 1967، المتعلق بنشاطات الوكالة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
خصصت مجلة "المقدسية"، الصادرة عن جامعة القدس، ملفًا حول هذا الموضوع، تضمن عدة مقالات، من بينها مقال للباحث أحمد هماش بعنوان "أسس إستراتيجية لحماية الأونروا ومواجهة المشروع الإسرائيلي لتصفيتها". يشير هماش في مقاله إلى أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تعرضت منذ تأسيسها عام 1949 لمحاولات تصفية أو تغيير ولايتها ودورها أو تقليص خدماتها.
وأضاف أن هذه المحاولات جاءت في إطار حملة إسرائيلية مستمرة ومتزايدة منذ انطلاق عملية سلام أوسلو، حيث بدأت الحملة بتقليص خدمات "الأونروا" من حيث الكم والنوع، مرورًا بتقديم مقترحات وتفاهمات بين شخصيات فلسطينية وإسرائيلية، وصولًا إلى التأثير السياسي للدول عبر استراتيجيات التفاهمات الثنائية بين الدول المانحة و"الأونروا". تزايدت هذه الجهود مع طرح مقترحات كوشنير التي دعت إلى تجفيف موارد الأونروا وإنهاء دورها، ونقل مسؤولياتها إلى الدول المضيفة ومؤسسات دولية ومحلية.
وأشار المقال إلى أن هذه الحملة بلغت ذروتها بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في نهاية عام 2023، التي أدت إلى قيام بعض الدول الحليفة لإسرائيل بتعليق دعمها للأونروا، بجانب تقييد إسرائيل لعملياتها الخدمية، والسعي إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية.
ويشير الباحث إلى أن هذه الحملة تأتي في إطار إستراتيجية إسرائيلية مستمرة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حق العودة من أجندة المؤسسات الدولية، والتهرب من المسؤولية السياسية والقانونية عن نكبة عام 1948 ومعاناة أكثر من 9.3 مليون لاجئ ومهجر فلسطيني.
وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحث في مركز "بديل" الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، أحمد هماش، لإلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع.
"عرب 48": لطالما استهدفت إسرائيل "الأونروا" في مراحل مختلفة، لكن يبدو أن هذه الحملة أشد وأكثر تصميمًا على التخلص من "الأونروا". هل يمكنك توضيح السبب؟
هماش: كما ذكرت، ملاحقة إسرائيل للأونروا ومحاولة تصفيتها ليست جديدة، بل رافقتها منذ تأسيسها عام 1949. خلال العقود السبعة الماضية، طورت إسرائيل آليات واستراتيجيات في حملتها ضد "الأونروا"، حيث سعت إلى شيطنتها، معتبرة إياها مؤسسة معادية للسامية وتدعم "أنشطة إرهابية" فلسطينية بلغة إسرائيل.
تأثرت "الأونروا" بهذه الحملة بشكل جوهري، ما أدى إلى تراجع خدماتها، وصولًا إلى مشروعي القرارين اللذين تقدمت بهما لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بشأن حظر عمل "الأونروا" في إسرائيل وإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة عام 1967. هذه القرارات هي نتاج سلسلة من التشريعات والإجراءات الممنهجة التي تهدف إلى تفكيك "الأونروا" كجزء من استراتيجية إسرائيل لإلغاء حق العودة من أجندة المؤسسات الدولية.
منذ عملية طوفان الأقصى، جددت إسرائيل حملتها ضد "الأونروا"، مدعية أن 12 موظفًا من الوكالة شاركوا في العملية. على هذا الأساس، قامت دول كبرى بتمويل الأونروا بتعليق دعمها، ما دفع الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق انتهى بعدم صحة هذه المزاعم.
الهدف الأساسي من تجديد الحملة هو إلغاء قضية اللاجئين الفلسطينيين من الأجندة الدولية، خاصة أن "الأونروا" هي الشاهد الدولي على نكبة عام 1948 ومسؤولية المجتمع الدولي عن تهجير 67% من الشعب الفلسطيني، كما أنها تحمل إسرائيل المسؤولية القانونية والسياسية عن نكبة 48.
"عرب 48": "الأونروا" كمنظمة دولية فريدة، تُعنى فقط بلاجئي الشعب الفلسطيني. كيف تفسر بقاءها حتى الآن؟
هماش: نظام الحماية الخاص باللاجئين الفلسطينيين الذي أنشأته الأمم المتحدة إثر قرار 181 هو نظام فريد يعنى فقط باللاجئين الفلسطينيين. يتألف هذا النظام من منظمتين: "لجنة التوفيق الدولية"، المسؤولة عن توفير الحماية القانونية والفيزيائية للاجئين، وتطبيق قرار 194 الخاص بحق العودة. أما المنظمة الثانية فهي "الأونروا"، التي تأسست لتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين حتى يتمكنوا من ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم.
لا شك أن استمرار وجود الأونروا بعد 76 عامًا على نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين هو نتيجة لفشل المجتمع الدولي في إيجاد حل يضمن عودتهم إلى ديارهم. هذا البقاء مرتبط أيضًا بتعطيل عمل اللجنة الثانية التي تأسست بالتوازي مع "الأونروا"، والتي كان من أهدافها إيجاد حل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
جدير بالذكر أن تعطيل عمل هذه اللجنة يعود إلى غياب الإرادة السياسية الدولية، خاصة من جانب الدول التي كانت مسؤولة عن إدارتها، وهي الولايات المتحدة، فرنسا وتركيا. لم تكن هناك رغبة أو مصلحة سياسية في استمرار عمل هذه اللجنة، ما أدى إلى تصفيتها وتحويلها إلى وكالة اسمية بلا تأثير أو عمل فعلي على الأرض، بينما استمرت "الأونروا" في عملها بسبب فشل المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين، مع العلم أن ولاية "الأونروا" يتم تجديدها كل ثلاث سنوات، حيث كانت تُعتبر حالة مؤقتة.
"عرب 48": حاولت إسرائيل التخلص من "الأونروا" في محطات عديدة، منها الانتفاضة الثانية، حيث وُصمت بالإرهاب، ولكن يبدو أن اتفاق أوسلو كان نقطة تحول في هذا السياق؟
هماش: بالفعل، خلال الستينيات والسبعينيات، اتهمت إسرائيل "الأونروا" في الأردن ولبنان بتسهيل استخدام مقراتها للثوار الفلسطينيين. خلال الانتفاضة الثانية، كررت إسرائيل استخدام نفس الأسلوب باتهام "الأونروا" بتسهيل العمليات العسكرية داخل منشآتها، بالإضافة إلى اتهامها بتدريس معاداة السامية ومعاداة اليهود.
إسرائيل تدير حملتها ضد "الأونروا" بالتنسيق مع مجموعة من حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. قامت واشنطن، بالتوازي مع تجفيف ميزانية "الأونروا"، بإعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، محاولين حصره في أولئك الذين تم تهجيرهم عام 1948، دون الاعتراف بأبنائهم وأحفادهم.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت اتفاقية الإطار شروطًا سياسية على "الأونروا" لتلقي التمويل، تتضمن استثناء كل شخص ينتمي إلى تنظيم سياسي فلسطيني أو يشارك في نشاط سياسي أو عسكري من خدمات الوكالة.
أما بالنسبة لأوسلو، فقد شكلت نقطة تحول كبيرة. منذ بداية التسعينيات، تصاعدت الحملة الإسرائيلية ضد "الأونروا" وتزامنت مع أزمة تمويل مزمنة. ومن الأخطاء الجسيمة في اتفاق أوسلو كان تأجيل مناقشة قضية اللاجئين إلى المرحلة النهائية من المحادثات، مما أعطى إسرائيل الفرصة لتحويل قضية اللاجئين إلى مسؤولية الدول العربية والسلطة الفلسطينية، ومعاملتها كقضية داخلية.
"عرب 48": في ظل هذه الهجمة على "الأونروا"، ما هي السبل المتاحة أمام الشعب الفلسطيني لحماية "الأونروا" كشاهد دولي على حق العودة؟
هماش: مسؤولية حماية "الأونروا" تقع بالدرجة الأولى على عاتق المجتمع الدولي، فهي مؤسسة دولية. لكن تواطؤ بعض الدول المؤثرة في النظام الدولي مع إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يشكل عائقًا أمام المجتمع الدولي لأداء واجباته، ما يفرض أعباءً إضافية على الفلسطينيين ومسؤولية أكبر للدفاع عن "الأونروا" وحمايتها.
أهم سبل المواجهة هي العمل على إصلاح الخلل البنيوي الذي يعاني منه هيكل "الأونروا"، والذي يجعلها ضعيفة أمام الهجمات الإسرائيلية. من أبرز هذه المشاكل هو محدودية ولايتها القانونية، حيث إنها ليست مكلفة بإيجاد حل دائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بل تكتفي بمعالجة نتائج القضية دون تقديم حلول جذرية.
إضافة إلى ذلك، تعاني "الأونروا" من محدودية ولايتها الجغرافية، فهي تعمل فقط في خمس مناطق: الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، والأردن، ما يعني استثناء اللاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج هذه المناطق من خدماتها.
كما أن نظام التمويل يعاني من خلل كبير، حيث تعتمد الوكالة على التمويل الطوعي بنسبة 96%، مقابل 4% فقط من الميزانية العامة للأمم المتحدة. هذا يجعل الوكالة عرضة للابتزاز السياسي من قبل الدول المانحة.
على منظمة التحرير الفلسطينية أن تقدم مشروع قرار للأمم المتحدة يتضمن معالجة جذرية لهذه المشاكل البنيوية. ينبغي أن يشمل المشروع توسيع الولاية القانونية والجغرافية والشخصية للأونروا، بحيث يشمل تعريف اللاجئ كل من تعرض للتهجير القسري، وليس فقط من هو بحاجة إلى إغاثة.
كما يجب توسيع الولاية القانونية لتشمل تقديم الحماية القانونية والفيزيائية للاجئين الفلسطينيين، والسعي لإيجاد حل عادل لقضيتهم بناءً على القرار 194.
النقطة الثانية تتعلق بإنشاء صندوق أممي خاص لتمويل "الأونروا"، لضمان استقلالية الوكالة وعدم تعرضها للابتزاز السياسي.
أما النقطة الثالثة، فهي ضرورة اعتماد معايير أممية فيما يتعلق بحيادية "الأونروا"، بعيدًا عن المعايير الإسرائيلية التي تهدف إلى خدمة مصالحها الخاصة، ولا تستند إلى مبادئ العمل الإنساني.
"عرب 48": وماذا عن دور المجتمع الأهلي الفلسطيني؟
هماش: هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المجتمع الفلسطيني، خصوصًا في ظل المحاولات الإسرائيلية الأخيرة لاستبدال "الأونروا" بمؤسسات دولية أخرى. تستند هذه المحاولات إلى ادعاءات متكررة، أبرزها أن "الأونروا" غير حيادية، وأن هناك مؤسسات أخرى أكثر مهنية وقدرة على تلبية احتياجات الفلسطينيين.
لكن هذه الادعاءات ليست جديدة، بل تعود لعقود مضت وتحظى بدعم الولايات المتحدة. الهدف من هذه الخطوة هو تفكيك قضية اللاجئين وتحويلها من قضية سياسية إلى قضية إغاثية بحتة. تسعى إسرائيل من خلال ذلك إلى تصوير اللاجئين الفلسطينيين، الذين يشكلون 67% من الشعب الفلسطيني، على أنهم مجرد لاجئين بحاجة إلى مساعدات إنسانية، دون أي قضية سياسية.
لذلك، فإن المجتمع الفلسطيني مطالب بعدم التعاون مع هذه المؤسسات التي تحاول استبدال "الأونروا"، لأنها تسهم في تنفيذ الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية التي تهدف إلى تفكيك "الأونروا" وتحويل قضية اللاجئين الفلسطينيين من قضية سياسية متعلقة بالحقوق والعودة إلى مجرد قضية إغاثية وإنسانية.
أحمد هماش: باحث في "بديل" – المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين.
التعليقات