ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 16 )د.مصطفى كبها

-

ثورة 1936 -1939  والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 16 )د.مصطفى كبها
بعد خيبة الأمل العميقة التي خيّمت على الرأي العام الفلسطيني، إثر نشر الجنة الملكية البريطانية برئاسة اللورد بيل لتوصياتها القاضية بتقسيم فلسطين وبعد الرد العنيف الذي قامت به السلطات البريطانية في أعقاب اغتيال لويس أندروز ، الحاكم العسكري البريطاني العام لمنطقة الجليل، والذي تجلى في إخراج كافة معظم الهيئات التمثيلية والسياسية الفلسطينية خارج القانون واعتقال عدد من قادة الصف الأول في الحركة الوطنية الفلسطينية، كان من الواضح تجلي الغضب الشعبي الفلسطيني من خلال التوجه ثانية نحو طريق الكفاح العنيف في سبيل تجسيد الطموحات الوطنية والسياسية.

وقد أقيمت في هذه الفترة العشرات من الفصائل الرئيسية التي كان يتبعها المئات من الفصائل الصغيرة. وقد امتد نشاط هذه الفصائل ليشمل كافة أرجاء البلاد من الجليل الأعلى وصفد شمالاً، وحتى غزة وبئر السبع في الجنوب، في حين كانت البؤر الأساسية في منطقة الجليل الأسفل ( صفورية ) والأعلى (صفد ) ومنطقة مثلث الرعب ( نابلس، جنين، طولكرم) التي شكلت العصب الأساسي للثورة وفيها تواجدت القيادة العامة ( عبد الرحيم الحاج محمد ) ومحكمة الثورة العليا ومحكمة الإستئناف.

وعلى الأغلب ، أقيمت مراكز القادة الكبار في قرى عالية ومشرفة تربض في منطقة جبلية وعرية يصعب الوصول إليها.

قسمت قيادة الثورة البلاد إلى مناطق تولى القيادة فيها قائد كبير برتبة "قائد منطقة " وقد كان هذا القائد مسؤولاً أمام القيادة العليا عن كافة الفصائل الواقعة في منطقة نفوذه، عن علاقتها مع الأهالي، عن إنضباطها والتزامها بالروح الثورية وعن الأمن العام وفض الخلافات بين الأهلين. أما تقسيم المناطق فكان كالتالي:

1. منطقة الجليل الأعلى والتي امتدت من صفد شرقاً وحتى عكا غرباً وضمت أيضاً منطقتي الشاغور والبطوف. كان قائد المنطقة في معظم مراحل الثورة القائد خليل العيسى المعروف أكثر بلقب "أبو إبراهيم الكبير "، وقد عمل في منطقته ( بعضهم تحت قيادته المباشرة وبعضهم عمل بشكل شبه مستقل ) كل من فوزي رشيد (ترشيحا )، يحيى هواّش (البروة ) ، عبد الله الأصبح (الجاعونة ) وعبد الله الشاعر (صفد ) .

2. منطقة الجليل الأسفل الشرقي وطبريا: كان القائد الأبرز في هذه المنطقة توفيق الإبراهيم المشهور أكثر بلقب "أبو إبراهيم الصغير " وهو من قرية أندور (عين دور ) في مرج ابن عامر. وقد عمل في منطقته كل من الشيخ نايف الزعبي (سولم) ، يوسف الحايك (أندور) وبعض مشايخ عرب الغزاوية في منطقة بيسان.

3. منطقة الكرمل والروحة ووادي عارة والمرج: كانت من أكثر مناطق الثورة نشاطاً، تولى القيادة فيها في البداية الشيخ عطية عوض وهو قسّامي من بلد الشيخ (قضاء حيفا ) وذلك حتى استشهاده في معركة اليامون في ربيع 1938، حيث خلفه الشيخ يوسف سعيد جرادات المعروف أكثر بلقب " يوسف أبو درة " وهو كذلك قسّامي من قرية السيلة الحارثية (قضاء جنين ) وقد قاد الثورة في هذه المنطقة حتى نهايتها. وقد عمل فيها من قادة الفصائل كل من : يوسف الحمدان محاجنة من أم الفحم (قضاء جنين في ذلك الوقت )،علي الفارس محاميد من أم الفحم، صبري الحمد عصفور من قرية السنديانة (قضاء حيفا )، سليمان الصعبي من قرية عين غزال (قضاء حيفا )، أحمد عبد المعطي من قرية إجزم (قضاء حيفا ) ونعيم المصري من قرية الطنطورة ( قضاء حيفا ). عمل في هذه المنطقة قرابة العشرين فصيلاً وهو رقم لم تبلغة منطقة من مناطق الثورة الأخرى. وقد اعتاد يوسف أبو درة، قائد المنطقة، أن يسير في فصيل كبير العدد وصل في بعض الأحيان إلى مائتي ثائر.

4. منطقة جنين والمروج الشرقية وبيسان: كان قائد هذه المنطقة هو الشيخ القسّامي فرحان السعدي من قرية المزار (قضاء جنين ) وقد قادها إلى أن قبض الإنجليز عليه وأعدموه في السابع والعشرين من تشرين الثاني 1937 وهو صائم وقد تعدى الثمانين. وقد أثار هذا الحادث مشاعر الناس وقد وصف الشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى ) هذه المشاعر في قصيدة دالية عنوانها "لهب القصيد كان مطلعها:

أنشر على لهب القصيد شكوى العبيد إلى العبيد
شكوى يرددها الزمان غداً إلى أبد الأبيد

وجاء فيها كذلك:

خجل الشباب من المشيب بل السنون من العقود
قوموا أنظروا فرحان يمشي إلى جبل الشهادة صائماً مشي الأسود

عند استشهاد الشيخ السعدي ضمت بعض مناطق قيادته (شمالي غرب جنين ) للشيخ يوسف أبو درة أما البعض الآخر فقد ضم للقائد محمد الصالح الحمد (أبو خالد ). عمل في هذه المنطقة كل من قادة الفصائل محمد أبو جعب (قباطية ) والشيخ ناجي أبو زيد ( حيفاوي أقام بعض الوقت في قرية سولم ) وأحمد الديراوي من قرية دير أبو ضعيف ( شرق جنين ).

5. منطقة نابلس وغور طوباس: ضمت هذه المنطقة قرى مغاريب نابلس وشمالها وكذلك منطقة سهل طوباس حتى بيسان بما في ذلك مسؤولية تأمين العبّارات على مياه الشريعة (نهر الأردن) والتي يستعملها الثوار للمرور وتهريب المعدات والذخيرة. قاد هذه المنطقة القائد القسّامي محمد الصالح الحمد (أبو خالد ) من سيلة الظهر ، وذلك حتى استشهاده في معركة دير غسانة في الثامن عشر من أيلول 1938. وقد قاد الثورة من بعده أخوه عبد الرحمن الصالح الحمد (أبو عمر ) ، علماً بأن أبا خالد اعتبر نفسه قائد فصيل يتبع بشكل مباشر القائد العام عبد الرحيم الحاج محمد وقد استشهد وهو يحاول رأب الصدع بين القادة الكبار وذلك لما عرف عنه من حسن الأخلاق والاستقامة الشيء الذي جعله مقبولاً على كافة الأطراف. عمل في منطقته كل من جميل خنفر من قرية الرامة (قضاء جنين )، محمد الجلقموسي من قرية جلقموس (جنين ) ومصطفى الأسطة من مدينة نابلس.

6. منطقة وادي الشعير والشعراوية: تمتد هذه المنطقة من بيت إيبا ودير شرف شرقاّ وحتى عرب النفيعات غرباً ومن ميسر شمالاً وحتى قرية فرعون جنوباً. قاد هذه المنطقة القائد عبد الرحيم الحاج محمد (القائد العام منذ ربيع 1938 وحتى استشهاده في السادس والعشرين من آذار 1939 ). عمل في هذه المنطقة من قادة الفصائل كل من: عبد الأسعد من عتيل (قضاء طولكرم) عبد الرحمن زيدان، عبد الله الحادر والعبد الصادق من دير الغصون ، سعيد البيتاوي من بيت إيبا (قضاء نابلس ) ، عبد الحميد المرداوي (بيت امرين ) وابراهيم العموري من طولكرم .

7. منطقة بني صعب والكفريات: ضمت هذه المنطقة القرى الواقعة من الطيبة شمالاً وحتى رأس العين جنوباً بما في ذلك قرى قلنسوة والطيرة وكفر قاسم وكفر صور وكفر زيباد والمنطقة الساحلية الواقعة من أم خالد شمالاً وحتى إجليل جنوباً. قاد هذه المنطقة القائد عارف عبد الرازق من الطيبة وعمل فيها من قادة الفصائل فارس العزوني من عزون ( أقام أحيانا في خربة عزون المعروفة ب"تبصّر " ) ، علي بدير من كفر قاسم ومصطفى أبو حجلة من دير استيا.

8. منطقة قراوة بني زيد: ضمت هذه المنطقة القرى الواقعة من رنتيس ورأس العين غرباً وحتى سلفيت شرقاً وقد ضمت فيما ضمت قرى دير غسانة والنبي صالح ودير بلوط وعابود وسلواد ومزارع النوباني وأم صفا وغيرها. كان قائدها عبد الله الأعمر من مزارع النوباني.

9. منطقة القدس ومحيطها: ضمت هذه القرى الواقعة في إطار مدينة القدس الموسعة من العيزرية في الشرق وحتى منطقة الخضر غرباً، مروراً بدير ياسين وعين كارم والمالحة والولجة وكذلك المنطقة الواقعة شمالي القدس من بير زيت شرقاً وحتى عمواس غرباً. قاد هذه المنطقة القائد عبد القادر الحسيني وعمل فيها من قادة الفصائل محمد أبو شعبان من لفتا والشيخ ياسين البكري من القدس وآخرون.

10 . منطقة يافا والرملة: وهي المنطقة الممتدة من رأس العين والمزيرعة وقولا في الشمال الشرقي وحتى قرى جنوب شرق يافا بيت دجن ويازور وسلمة، مروراً بمدينتي اللد والرملة وما حولهما. قاد هذه المنطقة الشيخ حسن سلامة من قرية قولا (قضاء الرملة ) وعمل فيها من قادة الفصائل سيف الدين أبوكشك من عرب أبو كشك ( قرب الشيخ مؤنس ) ، أحمد مصلح الناطور من قلنسوة (قضاء طولكرم آنذاك ) وآخرون.

11. منطقة الخليل وبئر السبع : كانت هذه المنطقة من أكثر المناطق اتساعاً وقد ضمت القرى الواقعة حول مدن الخليل وغزة وبئر السبع. قادها في البداية عيسى البطاط من قرية الظاهرية وبعد استشهاده في 1938 خلفه في القيادة عبد الحليم الجولاني من الخليل والمشهور بلقب "الشلف ".

تبعت كل هذه الفصائل رسمياًاللجنة المركزية للجهاد التي جعلت من دمشق مقراً رسمياً لها. وقد ضمت في عضويتها كل من محمد عزت دروزة، معين الماضي وأكرم زعيتر وانضم اليهم في بعض الأحيان إسحق درويش، جمال الحسيني، داود الحسيني وخليل العيسى الذي كان يدير فصائل الثورة في الجليل الأعلى ويشرف، في الوقت ذاته، في دمشق على شراء السلاح وتهريبه من خلال الحدود الشمالية.



وللحديث بقية .......

التعليقات