وثائق عن قرية قنير المهجرة../د.محمد عقل

قنير قرية مهجرة ومدمرة في بلاد الروحا في القسم الجنوبي من قضاء حيفا، كانت تقع على تلة يبلغ ارتفاعها 100 متر عن سطح البحر، وعلى مسافة 11 كيلومترا إلى الغرب من مدينة أم الفحم، وعلى مسافة حوالي 5 كم إلى الشمال من شارع وادي عارة

وثائق عن قرية قنير المهجرة../د.محمد عقل
(بيت خليل محمد قندس وهو البيت الوحيد الذي ظل قائما)
الموقع والسكان: قنير قرية مهجرة ومدمرة في بلاد الروحا في القسم الجنوبي من قضاء حيفا، كانت تقع على تلة يبلغ ارتفاعها 100 متر عن سطح البحر، وعلى مسافة 11 كيلومترا إلى الغرب من مدينة أم الفحم، وعلى مسافة حوالي 5 كم إلى الشمال من شارع وادي عارة.
 
بلغت مساحة أراضيها في عهد الانتداب 11,331 دونماً، يحدها من الشمال أم الشوف، ومن الجنوب الشرقي كفرقرع، ومن الغرب المراح والسنديانة. في عام 1931 بلغ عدد سكانها 483 نسمة وفي عام 1945 وصل عددهم إلى 750 نسمة، أما في عام 1948 فقد بلغ 830 نسمة. اعتمد هؤلاء السكان على الزراعة وتربية الأغنام والأبقار وعلى العمل في المستعمرات اليهودية المجاورة، وكانت لهم مطحنة للحبوب.
 
من عائلات القرية: حمد، السايس، الأحمد، زهيري، قدارة، قندس، شلبي، الشاويش، برهم، خليل، الجمال، القمر، الناطور، المصاروة، الخطيب، عنبتاوي، أبو عاقلة، الفاري، أبو واصل، إعليمي. والقنار هو البصيلات ونحن نرجح أن تسمية القرية بهذا الاسم ترجع إلى بصيلات نبتة أبو صُوَي التي تشبه الخيصلان حيث كان الناس يشوونها ويأكلون بصيلاتها وهي نبتة تكثر في منطقة الروحة. تحيط بالقرية مجموعة من الخرب وهي: خربة أم الكديش، خربة النبي بليان، خربة قنير، ويمر فيها وادي قنيرووادي المراح، وفيها مقام للشيخ صالح وهو من الأولياء الصالحين.
 
التربية والتعليم: في عام 1937 كانت في قنير مدرسة ابتدائية أهلية من الصف الأول حتى الصف الرابع بناها الأهالي على نفقتهم الخاصة، ودفعوا للمعلمين أجرتهم، وكان مديرها الأستاذ محمود أحمد داود الخطيب وهو من سكان قرية عرعرة وابن الشيخ أحمد الخطيب أمام عرعرة الأسبق. وكان الأخير قد ورث هذا المنصب عن والده الشيخ داود الخطيب المصري المكنى أبا فايد والمعروف بأبي دميسي. نشأ الأستاذ محمود في أسرة محبة العلم، وقد تعلم في طولكرم، وعرف عنه حسن الخلق والمواظبة وحب النظام والمثابرة، وقد نجح في إقناع إدارة المعارف في حكومة الانتداب بمنح مدرسة قنير الأهلية إعانة مالية، وفي ما يلي نص الرسالة التي استلمها بهذا الخصوص (الوثيقة الأولى):
 
[حكومة فلسطين
إدارة المعارف رقم: 772
القدس في 19/2/1937
حضرة الفاضل السيد محمود أحمد داود الخطيب المحترم
مدير المدرسة الأهلية
قرية قنير – قضاء حيفا
بواسطة حضرة مفتش معارف الجليل - حيفا
سيدي
1.                 أتشرف بإخباركم أن إدارة المعارف قد خَصَّت المدرسة/المدارس التي في إدارتكم بمبلغ 10 جنيهات و800 مل من الجنيهات الفلسطينية من المبلغ المفروض في ميزانيتها لإعانة المدارس غير التابعة للحكومة للسنة المدرسية 1936-1937 وذلك على حسب البيان المرسل مع هذا الكتاب.
2.                 يدفع هذا المبلغ بقسطين أولهما قبل نهاية آذار 1937 إن أمكن والثاني(إذا ووفق على ميزانية 1937-1938) قبل نهاية الفصل المدرسي الصيفي 1937 وذلك بعد إخباري بقبولكم الشروط المبينة بالورقة المرسلة مع هذا الكتاب. والرجاء أن تعيدوا إلى هذه الإدارة نسخة منها مع نسخة من جدول أسماء مدارسكم التي خصت بالإعانة بعد توقيع نسختين من الشروط ونسختين من الجدول على أن تبقوا نسخة عندكم للرجوع إليها عند الحاجة. أرجو إخباري عن قراركم القطعي إذا كنتم ترغبون في الإعانة أو عنها في أقرب وقت، وإذا لم يصلني جوابكم قبل اليوم الخامس من شهر مارت1937 تعدون رافضين للإعانة.
3.                 إن المساعدة المالية لمدرستكم (أو لمدارسكم) على ما جاء في الفقرة السابقة هي غير قطعية فإدارة المعارف لا تتعهد بهذه المساعدة ولا بغيرها مهما كان قدرها عن السنة المدرسية 1936-1937. وإن قبولكم بالشروط المرسلة مع كتابي هذا هو غير قطعي أيضاً. فقبولكم هذا لا يخولكم حق تناول هذه المساعدة المالية ولا يقيدكم بشيء إذا لم تدفع لكم في النهاية].
 
وبالرغم من أننا لا نملك الشروط التي وضعتها إدارة المعارف للحصول على الإعانة إلا أنه يمكن تخمينها بالموافقة على إشراف حكومة الانتداب التام على المدرسة ومن ثم تحويلها إلى مدرسة حكومية.
 
أما الوثيقة الثانية فهي عبارة عن يوميات (جداول) صف أول للسنة الدراسية 1937-1938 في مدرسة قنير الأهلية، وتحتوي هذه اليوميات على قائمة بأسماء التلاميذ ومعلومات هامة عنهم منها أن جميع التلاميذ دخلوا المدرسة والصف في 15/8/1935 حيث كانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والسابعة وأنهم قضوا في المدرسة ثلاث سنوات ما يدل على أن المدرسة تأسست عام 1935 وأن صف أول يعني الصف الذي دخل المدرسة أولاً، وهو في الحقيقة مواز للصف الثالث في أيامنا. وقد واظب التلاميذ العشرون على الحضور إلى التعليم وفي ما يلي قائمة بأسمائهم:
 
أسعد موسى السايس. صبري عارف حسن. محمد نمر الصالح. شاكر عبد المالك. شريف محمد ياسين. سعيد موسى سعيد. حسني حسن سليم. فارس سعيد شلبي. أسعد محمد محمود. خليل كامل محمد. أحمد حسين سليمان. سعيد توفيق أسعد. محمد يوسف سليمان. إبراهيم أبو شاهين. أسعد حسن سليم. إبراهيم محمد حمد. أحمد الشيخ ذيب. عادل عبد الله حمد. يوسف عيسى الشيخ ذيب. أحمد مصطفى.
 
بين السلم والحرب:كانت قنير تقع بالقرب من مستعمرات يهودية حصينة مثل غبعات عاده (المراح) وكفار غليكسون. في الأربعينيات من القرن الماضي سادت بين القرية وهذه المستعمرات علاقات حسنة مبنية على مصالح مشتركة إذ باع أهالي القرية بعض منتوجاتهم لليهود وعمل قسم منهم في هذه المستعمرات. بعد صدور قرار التقسيم في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 بدأت الهاغاناه تُسيّر دوريات بالقرب من قنير وواصلت جمع المعلومات عن تحركات السكان بواسطة عملائها.
 
 ابتداء من شهر كانون الأول 1947 وصلت للهاغاناه معلومات مفصلة عن نظام الحراسة في القرية، وعن وصول متطوعين وسلاح. في شهر كانون الثاني عام 1948 حصلت مخابرات الهاغاناه المعروفة باسم "شاي" على خطة للشباب تقضي بتفجير بئر الماء في غبعات عادة، وعلى فحوى الجدل الدائر بين أهالي القرية حول مهاجمة كفار غليكسون. خلال الجدل صرح المعارضون ومعهم المختار أنهم يعتاشون من العمل لدى اليهود. يبدو لنا أن مقتل عبد القادر الحاج عبد الرحمن صعابنة القرعاوي على يد حارس من كفار غليكسون في 10/12/1947 قد ألهب الجمهور في كفر قرع وقنير وجعلهم يفكرون أكثر من مرة بالهجوم على كفار غليكسون، ولكن المخاتير وكبار السن منعوا ذلك لأن العملية محفوفة بالمخاطر.
 
في تقرير للجيش الإسرائيلي ورد أنه في 27/1/1948 وقعت فصيلة من مشاة الهاغاناه في كمين أعدّه لها مسلحون بجوار قنير، ولكن الفصيلة نجت وعادت إلى قاعدتها بسلام. في أعقاب ذلك قدم إلى القرية مبعوثون عن اللجنة العربية في حيفا وعقدوا اجتماعاً عاماً شارك فيه علي الفارس، وهو من قادة ثورة 1936 من أم الفحم، وحسن زواته، الذي كان يزور المنطقة. هؤلاء أخذوا يضغطون على السكان للقيام بهجوم على كيبوتس كفار غليكسون، ولكنهم جوبهوا بمعارضة الكثيرين على رأسهم المختار الذين صرحوا بأن أهالي قنير يعتاشون من أعمالهم لدى اليهود، ولذلك يطالبون اللجنة العربية بأن تدفع لكل عامل أجرته إذا ما تقرر الهجوم على المستعمرات اليهودية المجاورة.
 
 في تقرير آخر للجيش الإسرائيلي ورد أنه في الليلة الواقعة بين 29 شباط والفاتح من آذار عام 1948 هاجم رجال منظمة ليحي قنير ونسفوا بيت يوسف عبد المالك الواقع عند طرف القرية، وقد جرح جراء ذلك أربعة من الأهالي. وذكرت صحيفة "فلسطين" أن القرية هوجمت في 5 آذار/مارس، وأن هذا الهجوم هو الثالث خلال أسبوع؛ وجاء في تقرير الصحيفة أن مجموعة من الحرس المحلي في القرية صدّت الهجوم، ولم تذكر شيئاً عن وقوع إصابات.
 
 في 8 آذار دارت معركة بين وحدة سورية ورجال من البالماخ بالقرب من مستعمرة غبعات عاده (المراح) أسفرت عن استشهاد مجاهد واحد. في أعقاب تلك الهجمات توجه مختار القرية عبد الرحمن محمودإلى اللجنة العربية العليا طالباً إرسال مجاهدين للمساعدة في حراسة القرية، ولكن طلبه لم يلب، وجاء في تقرير للجيش الإسرائيلي مؤرخ في 14/3/1948 أن كثيراً من سكان قنير يعانون من البطالة والعوز نتيجة غلق باب العمل أمامهم في المستوطنات اليهودية. يبدو أن المختار توجه إلى قيادة جيش الإنقاذ طالباً المساعدة ففي 21 آذار وصلت إلى القرية فصيلة سورية طلب قائدها من المختار أن يختار ما بين 15-20 شاباً من أبناء القرية لتدريبهم على القتال وليكونوا أدلاء أثناء نصب الكمائن، كما حظر على القرويين العمل في المستعمرات اليهودية. أما القائد علي الفارس فكان يكثر من زيارته للقرية مع رجاله ولكنه لم يخصص لها حامية سوى الحرس الأهلي المحلي.
 
في تقرير للجيش الإسرائيلي مؤرخ في 2/4/1948 ورد أن العرب في قنير وكفر قرع وصبارين بدأوا بحفر استحكامات حول قراهم وعند مفترقات الطرق القريبة من بلداتهم. وجاء في تقرير آخر مؤرخ في 12/4/1948 أن الوحدات السورية التابعة للجيش العربي المرابطة في قنير أجلت هجومها على مستعمرة غبعات عاده (المراح) بعد معارضة أهالي قنير الشديدة حيث أدّعوا بأن أراضيهم تقع بجوار المستعمرات اليهودية وأن موسم الحصاد قد اقترب. وقد أخرجوا شيوخ القرية ونساءها ليرجوا القائد العربي بتأجيل العملية.
 
 في 10/4/1948 وصل إلى قنير عدد من القادة العرب الذين أعلنوا أن الهجوم واقع لا محالة، وقد طلب الأهالي مهلة لإخراج النساء والأطفال من القرية لأنهم واثقون بأن اليهود سيهاجمون قنير. وفي تقرير ثالث مؤرخ في 18/4/1948 ورد أن وحدات جيش الإنقاذ انسحبت من قنير باتجاه كفرقرع. وفي تقرير رابع مؤرخ في 22/4/1948 ورد أن ما بقي بين قنير وأم الشوف وحدة صغيرة من المقاتلين من أجل المراقبة لا غير.
 
كان اليهود يحصلون على معلومات دقيقة عما يجري في داخل القرية ومحيطها من جواسيسهم. في 20/4/1948 تم اعتقال ثلاثة من سكان قنير على يد "الطبيب اللبناني" قائد قرية صبارين وقد اقتيد هؤلاء للتحقيق معهم إلى قيادة جيش الإنقاذ في قرية جبع من جبل نابلس. لقد اتهم هؤلاء بالتجسس لصالح باليهود وواحد منهم اتهم بتسليمهم جثة موشية لبنون الذي قُتِلَ في معركة مع العرب بجوار بير الدويدار عند المدخل الغربي من وادي عاره قريب عيون الأساور. في تلك الأيام شاعت بين الفلسطينيين إشاعة تقول إن للمتعاونين علامات وهي نقاط كحلية تحت الإبط أو على اللثة، ولذلك على كل من اتهم بالتعاون مع اليهود أن يمر بفحص كحلي. لقد زُجَّ بهولاء في السجن لكن سرعان ما أُطلق سراحهم بعد انسحاب جيش الإنقاذ.
 
النكبة والتهجير: في 22/4/1948 بدأ إخلاء قنير من الأطفال والنساء والشيوخ حيث نقلوا إلى قرى منطقة وادي عارة، وبقي الرجال للدفاع عن القرية وقد انضمت إليهم وحدة سورية. في تقرير لمخابرات الهاغاناه ورد أن قنير أُخليت في 24/4/1948 وأن معظم السكان يتواجدون في عرعرة، ولكن القرية لم تكن خالية إذ لما اقتربت دورية من القرية في 27/4/1948 أرسلت تقريراً يفيد بأن في القرية حوالي 50 رجلاً، إضافة إل نساء وأطافال، وخارج القرية أُناس يفلحون أراضيهم.
 
 وقد ألقت الدورية القبض على رجل عمره حوالي 70 سنة الذي أخبرهم بأنه لا يوجد "غرباء" في القرية، ما يدل على أن رجال الوحدة السورية قد غادروا القرية، ولذلك فإن ادعاء بني موريس في الطبعة العبرية من كتابه (1991) القائل إن الهاغاناه احتلت القرية في 25/4/1948 غير صحيح. في 3/5/1948 لم يبق في قنير سوى 4-5 حراس محليين. لقد تخلى جيش الإنقاذ عن قنير ونقل قواته إلى قطاع مجدو ومرج بني عامر.
 
في 8/5/1948 شنت الهاغاناه هجوماً كبيراً على قرية كفرقرع في عملية اسمتها "يوفال" وقد اضطرت تحت ضغط العرب إلى الانسحاب من القرية بعد أن احتلت نصفها، وقد فقدت عشرة قتلى وعشرات الجرحى.
 
شارك بعض أبناء قنير في معركة كفرقرع وقد استشهد أحدهم وهو من آل زهيري. في الساعة الخامسة من صباح 9/5/1948 احتل جنود لواء الكسندروني التلال المشرفة على قنير وأخذوا يطلقون النيران على القرية وقد رد العرب على النيران بالمثل، فأخذ اليهود يقصفون القرية بالراجمات والرشاشات حيث نجحوا في إخماد النيران. لقد اضطر المقاتلون العرب إلى الانسحاب، بينما دخل اليهود القرية وبدأوا بتفجير البيوت حيث هدم 30 بيتاً وتضرر 30 بيتاً بينها مبنى المدرسة، بئر الماء، مطحنة الحبوب، بيت المختار وبيوت وجهاء آخرين. لقد أخذ المهاجمون معهم غنائم وأسلاباً منها: كتب ودفاتر وكراسي من المدرسة. يقول بني موريس في طبعة 2004 من كتابه "نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" إن جنود لواء الكسندروني التابع للهاغاناه قتلوا في قنير أربعة من العرب ونسفوا 55 بيتاً.في وقت لاحق وضعوا ألغاماً في البيوت المتبقية لمنع العرب من التسلل إليها، وحالياً لم يبق من بيوت القرية سوى بيت خليل قندس الذي يستعمل مخزناً.في سنة 1949 أُنشئت مستعمرة رغافيم على أراضي القرية ويذكر بني موريس أن هذه المستعمرة نُقِلَت إلى قنير بعد أن كانت أُقيمت أولاً قرب قرية البطيمات في تموز 1948.
 
تواجد لاجئي قنير حالياً: يتواجد لاجئو القرية في الرصيفة وعمان ومخيمات اللاجئين في الأردن وسورية وفي مخيم جنين ومخيم نور شمس وطولكرم وقراها كعتيل وكفر رمان وبعض قرى وادي عاره ككفرقرع وعاره وبرطعة. يبدو أن الروابط بين هؤلاء المهجرين قوية إذ لديهم ديوان خاص بهم في حي الحسين بمدينة الرصيفة بمحافظة الزرقاء بالأردن حيث يستقبل أهالي القرية في أفراحهم وأتراحهم وأيام الأعياد يرأسه الحاج خليل مصطفى سليمان زهيري، كما أن لديهم مختاراً خاصاً بهم اسمه محمود محمد الحاج صالح.

التعليقات