الناصرة: عادات اجتماعية أصيلة تجمع الأهالي في رمضان

في سوق النّاصرة القديم، تجلسُ فاتنة اسكندر عند إحدى جاراتها لتساعدها على التحضير لشهرِ رمضان الكريم، تقطنُ في البيت الذي قطنته ميّ زيادة سابقًا، تساعد جاراتها للاستعداد لشهرِ رمضان،

الناصرة: عادات اجتماعية أصيلة تجمع الأهالي في رمضان

الناصرة... أهلا رمضان

في سوق النّاصرة القديم، تجلسُ فاتنة اسكندر عند إحدى جاراتها لتساعدها على التحضير لشهرِ رمضان الكريم، تقطنُ في البيت الذي قطنته ميّ زيادة سابقًا، تساعد جاراتها للاستعداد لشهرِ رمضان، وبهذا يأتي شهرُ رمضان الفضيل كلّ عام، حاملاً معهُ فكرة وجودِ متنفس نفسي ودينيّ واجتماعيّ، وإعادة لصياغة شكل حياة الإنسان.

أجواء سوق الناصرة

تقول اسكندر لـ'عرب 48' عن مشاركتها في الشهر الفضيل، إنّ 'الأجواء المحيطة بسوق النّاصرة القديم هي أجواء من المحبة والألفة والتآخي بين الجميع،  ترعرعت بهذه البيئة المحببة التي لا تستطيع الاستغناء عنها يومًا'.
وتتابع: 'لا أشعر أنّ شهر رمضان هو للمسلمين فقط، بل للجميع، لي ولهم، فأنا رغم أنني لا أصوم إلّا أنني أشعر ببهجة الأجواء في هذا الشهر، أرى أجواء رمضان في داخل الإنسان الذي أعرفه أنا، وفي وجوه الناس'.

'يرافق شهر رمضان السهر والاكتظاظ في المطاعم والأماكن العامة، ولكن أرى أنّ الأجواء اختلفت عن سابق عهدها، ماتت بعض العادات الاجتماعيّة الجميلة التي كانت تقرّب الناس من بعضها، ورغم هذا يبقى لرمضان بهجة خاصة أشعر بها، خاصةً عند كبار السنّ الذين ما زالوا محافظين على العادات التراثيّة'، هذا ما قالته اسكندر مشيرةً إلى 'أهميّة استمرار العادات الاجتماعية الجميلة عند الجيل الصاعد'.

وعن العلاقات الاجتماعيّة بين الجيران، أفادت أن 'العلاقة جميلة، ففي رمضان نفطر سويًا أحيانًا ونشاركهم المائدة رغم أننا لا نصوم، وأحب المشاركة وهم كذلك يشاركوننا المائدة، ولكن قبل المائدة هناك الحب المتبادل والاحترام، وهو ما يجعلنا نتفق. لا أنظر إلى الاختلاف بل إلى ما هو مشترك بيننا، والحفاظ على النسيج الاجتماعي الطيب يجعل أبناءنا جميعًا في أمان، أتمنى من كل قلبي أن تنظر النّاس إلى بعضها البعض بعينٍ إيجابيّة لاستخلاص الجميل من داخل كل إنسان، فالاختلاف هو أساس طبيعة البشر وعلينا أن نتقبل ونحب الآخر كي نعيش بسعادة'.

وجلست نجاح رشيد مقابل اسكندر، وتحدثت لـ'عرب 48' عن أنّها تحب الشهر الفضيل بمناسباته الاجتماعيّة المليئة بالحبّ والسهر وطيب المعشر، 'سابقًا الحياة كانت أجمل من الناحية الاجتماعيّة في رمضان، اليوم الكلّ منشغل بنفسه فقط، ولكن هناك بعض الصعوبات الاقتصاديّة التي ترافق شهر رمضان في ظل الأوضاع الاقتصاديّة الصعبة، فهناك بعض العائلات تستصعب تدبير أمورها'.

النصراوي الأصلي

وفي حديث لـ'عرب 48' مع الباحث والموثق في التاريخ الفلسطيني، أحمد مروات، قال إنّ 'التقاليد والعادات التي رافقت شهر رمضان قبل عام 48، أي قبل الحداثة وتغيّر العادات، تتلخص في أهمية وجود العائلة مجتمعة في رمضان على المائدة الواحدة، وكل عائلة امتلكت آنذاك نظام مختلف عن الآخر'.

ومن الروايات الشفوية التي صادفت مروّات أنّه 'إذا كان الأب موجودًا وله أبناء متزوجون كلٌّ في منزله، فهم يجتمعون في رمضان سوية في بيت الأب فقط، ليقوموا بتحضير المائدة بمرافقة الجميع وبعدها الأكل'.

وشرح مروّات أن 'إحدى العادات في رمضان كانت تردد أهالي القرى المحيطة بالنّاصرة، من الفلاحين، إلى السوق حاملين معهم الجبنة والزيت والزيتون واللبنة والحبوب والفواكه والخضار لبيعها في السوق، ومن ثمّ المغادرة عن طريق ركوب الدواب والخيل والحمير'، وشارك بمثالٍ عن العادات القديمة قائلاً إن 'العادة كانت إذا تأخر شخص عن الوصول إلى بيته وقد أدركه المغرب فإنّه يختار أيّ بيت يشاء ليدخل ويشارك أهل البيت الإفطار، وكانت العائلات بالمقابل تجهّز الخابية باللبنة والخبز فإذا أتى ضيف يستضيفونه ويُفطر عندهم'.

وأفاد مروّات أنّ 'المجتمع النصراوي مقسّم إلى أحياء، حارة العرقيّة، حارة الروم، الحارة الشرقية وحارة الأقباط، وكانت العائلات الكبيرة المسيحيّة تصوم في رمضان، إضافةً إلى أنّه كان من المستحيل أن يُشهر المسيحيون الطعام في شهر رمضان، وذلك احترامًا للصائمين، وفي المقابل إذا أفطر شخص من المسملين ولم يصم قام الشرطيّ الإنجليزي باحتجازه في دار البلديّة 'القشلة' لمدة يوم إلى أن يضرب المدفع، وهو نوع من أنواع التأديب'.

'لم يكن هناك تلفاز أو أجهزة إلكترونيّة لتقوم بتسلية الناس، ومن هنا كان الناس يجتمعون في المنزل يستمعون للراديو، أو التردد إلى المقاهي في الناصرة للاستماع إلى الحكواتي، كانت 3 مقاهي مشهورة في الناصرة وهي (مقهى) قهوة الحتحوت، وقهوة أبو متعب الزعبي، وقهوة أبو سالم، فبعد الإفطار كان أهالي الناصرة يجتمعون في القهوة يستمعون لقصص الزير سالم وعنترة بن شداد ونابليون وظاهر العمر'، هذا ما قاله مروّات.

واستطرد أنّه 'بسبب تلاصق البيوت والتقارب الاجتماعي بين السكان، كانت العائلات عندما تصنع غذاءً لها وطعامًا تقوم بتوزيع الطعام على الجيران، وذلك من باب 'كسرة نفس' فالطعام تفوح رائحته على الجيران ويقومون بـ'كسر نفسهم' ومشاركتهم بجزء من الطعام كي لا يشتهوه، فترد العائلة الأخرى بإرسال ما توفر لها من طعام إلى جيرانها لرد الجميل، هذا عدا عن مشاركة كعك العيد في الأعياد المختلفة'.

الاقتصاد قاد إلى...

وعن العادات المرافقة لشهر رمضان، أشار صاحب مخبز في السوق القديم، إحسان بدوي، إلى أن عائلته التي احترفت مهنة 'الخبّاز' أتت الى النّاصرة منذ عام 1920، والده امتلك أول المخابز في النّاصرة، وهو احترف المهنة عن أبيه، كان المخبز قديمًا في شهر رمضان يمتلئ بالنّاس الآتين بصوانٍ للخبيز، صوانٍ مختلفة من اللحمة والبطاطا، وكلّهم يعجنون ويخبز الفرن لجميع النّاس على الحطب.

وعن شهر رمضان قال بدوي، لـ'عرب 48' إن 'الأجواء اختلفت نسبةً لسوق النّاصرة، وذلك واضح من خلال العمل فالبيع قد قلّ، هناك هبوط في البيع بنسبة 70%، وكذلك العادات قد تغيّرت فكانت الناس قديمًا تذهب إلى السوق الذي يعتبر القلب النابض للمدينة وتشتري البضائع من هناك تحضيرًا لقدوم رمضان، أما اليوم فانقضت هذه الأيّام، وبسبب سوء الأوضاع في سوق النّاصرة اضطررنا لاستئجار محلٍ آخر على الشارع الرئيسيّ كي نعتاش منه'.

أمّا علي حسن أبو أحمد، صانع القطايف، فهو يعمل في السوق منذ 35 عامًا، يصف نفسه بأنّه من 'ختياريّة السوق'، قام بترميم محلّه السياحيّ المزخرف بكلّ ما هو قديم، يرى أنّ 'وضع سوق الناصرة في رمضان قد تغيّر، فكانت الناس من القرى المحيطة بالناصرة يترددون إلى الناصرة سابقًا، أما اليوم فلم يعودوا. الوضع الاقتصادي في البلاد صعب جدًا، هناك حركة تجاريّة، ولكن ليست كالسابق'.

وأردف أن 'القطايف متعة رمضانية، يأتي الناس مع أطفالهم لشراء العجينة كي تخلق أجواء جميلة في داخل الأسرة، الحلويات البسيطة كانت منتشرة من قبل في مجتمعنا، وكانت النساء تصنع بكميات بسيطة الحلويات لإسعاد أفراد الأسرة'.

وعن البيع والشراء استعدادًا لرمضان، صرّح صاحب بقالة للحبوب والمكسرات، حمودة حسن، لـ'عرب 48' أنّ 'التحضيرات لرمضان تسير بتوفير الاحتياجات المختلفة كالتمر والقطين والمشمش المجفف وقمر الدين. نحن نجهز أنفسنا لأنّنا نعلم أن الناس في رمضان تطلب المجففات والحبوب بشكل أكبر عن باقي أيام السنة، ولكن من سنة لسنة هناك هبوط في نسبة المبيعات، وربما يعود السبب للشركات التجارية الكبرى'.

التعليقات