أبو عرب يروي ذكرياته على نبع القسطل في صفورية

وقف أحد أبناء صفورية المهجرين، أمين محمد علي (أبو عرب) على حافة نبع القسطل يروي ذكرياته مع نبع ماء صفوريّة، حيث كان يلعبُ صغيرًا هنا، ولد عام 1935، هُجّر في عام النكبة إلى لبنان، ليعودَ إلى فلسطين، بعد مسيرةٍ شاقةٍ.

أبو عرب يروي ذكرياته على نبع القسطل في صفورية

أبو عرب ومعشوقته صفورية (تصوير عرب 48/ روى حلاق)

في مدخلِ قريةِ صفورية المهجرة، وقف أحد أبناء صفورية المهجرين، أمين محمد علي (أبو عرب) على حافة نبع القسطل يروي ذكرياته مع نبع ماء صفوريّة، حيث كان يلعبُ صغيرًا هنا، هو المولود عام 1935، هُجّر في عام النكبة منها إلى لبنان، ليعودَ إلى فلسطين، بعد مسيرةٍ شاقةٍ من الصيام الذي لا إفطار له حتى يومنا هذا.

صيام لا إفطار بعده

حين نزحَ أبو عرب عن صفوريّة كان يبلغ 12 عامًا، يتعلّم في الصف الخامس، كان في صفورية مدرستان، الأولى المدرسة الأميريّة للبنين، والثانية الأميريّة للبنات، وقبل ذاك اليوم كان يتردد كل صباح على مدرستهِ متمنيًا في طريقِ ذهابهِ أن تتدمر المدرسة كي يرتاحَ من شقائها!، دون أن يعي كغيره من الأطفال أهمية المدرسة والتعليم في حياته. والغريب أن المدرسة كانت أول الأماكن التي دمّرتها القوات الإسرائيليّة، فوقف أبو عرب باكيًا حزينًا على ما حصلَ لها.

وقال أبو عرب بحسرة واضحة في صوته، لموقع 'عرب 48'، إن 'صفوريّة هُوجمت في شهرِ رمضان، كان أهالي صفوريّة ينتظرون على موائد الإفطار صوت الأذان من المسجد ليأكلوا بعد نهارٍ متعب وصيام شاق، وفي اللحظة التي أذّن بها المؤذن بدأت الطائرات بقصف صفوريّة، هلع النّاس وتركوا الموائد ممتلئة كما هي، استمرّ القصف وخرج النّاس وهم مذعورون إلى أطراف القرية، في الصباح كانت القرية محتلّة، ولم يستطع أي أحد العودة لمنزله، وبهذا واصلت العصابات الصهيونية احتلال قرى الجليل المجاورة، نزحنا إلى بنت جبيل في لبنان، ومن ثم إلى بيروت والقرعون في البقاع اللبنانيّ، سرنا على مدار أيام كاملة دون طعام أو شراب أو غطاء، خرجنا كما بملابسنا، دون أن نأخذ بعض الأغراض الضرورية'.

وحول التهجير إلى لبنان، قال إننا 'أقمنا في لبنان 8 أشهر ثمّ عدنا أدراجنا، أقمنا 6 أشهر في الرينة وبعدها حصلنا على هويّات وقطنا بحيّ الصفافرة في الناصرة، سُميّ هذا الحيّ نسبةً لأهل صفوريّة الذين نزحوا إلى الناصرة، وقد توزع أهالي صفورية حول العالم بعد النكبة، فقد كان عددهم 7 آلاف نسمة، أمّا الآن فيقدرون بنحو 100 ألف نسمة في الوطن والشتات'.

ما كان من مكان

صفورية التي تبعدُ عن مدينة النّاصرة 6 كيلو متر شمالاً، تمتلك العديد من الآبار والينابيع أبرزها 'القسطل' المتواجد في مدخلها ما جعل أغلبيّة سكانِ صفوريّة فلاحين ومزارعين في ذلك الوقت.

أفاد أبو عرب أنّ 'نبع القسطل يعود إلى العهد الرومانيّ والماء تتواجد فيه باستمرار، ومن المعروف أنّ صفورية تمتلك العديد من الينابيع فحيث حفروا عدة أمتار وجدوا ماء، فكانوا يضعون 'الجابية'، ويرشون الماء لريّ النبات، وقد زرع أهالي صفورية الخضار والزيتون بشكل خاص، فكان هناك 50 ألف شجرة زيتون، وكذلك مكبسين حديثين يعملان على 'الموتور' و 8 معاصر تقليديّة تعمل على الدواب، وكانت هناك كمية كبيرة من المواشي و4 آلاف دونم من البساتين في 4 مناطق متفرقة، وهي راس العين، الخلادية، المشيرفة والجلخ. كانت صفورية توزع محاصيلها إلى الناصرة وحيفا، وخاصةً الرمان والملوخيّة التي اشتهرت بها صفوريّة. ويبقى المكانُ رغم تدميرهِ شاهدًا على تاريخ صفورية'.

وأشار إلى أنه 'في المقبرة 'العموميّة' لا زالت أضرحة المئات من الناس باقية، هي إحدى المقابر التي كانت مشهورة في صفورية ومساحتها 25 دونما، وواحدة من 5 مقابر، هم مقبرة الأشراف، مقبرة السعديّة، مقبرة الكركيّ للأطفال من 0-12 عاما، ومقبرة الزُطيّة التي تعتبر من أقدم المقابر، وكانت تحتوي على العاملين في البساتين'.

ورأى أبو عرب أنّ 'المقابر هي خيط يربطنا بصفورية يجب المحافظة عليه وتقويته، ففي عام 1978 تم الاعتداء على المقبرة العموميّة ودُمر منها 5 دونم، حتى المقابر لم تسلم من الأذى، وقد جمع أهالي صفورية بعضهم البعض وتوجهوا لوزارة الأديان وتمكنوا بعد 10 سنوات من تنظيف وتسييج المقبرة وما تبقى منها، وهو 20 دونما، وقد داوم أهالي صفورية على الاعتناء بالمقبرة كجزء من تاريخهم، وزيارتها في خميس الأموات لإحيائها'.

الأديرة

ديران للرهبان في صفورية، الأوّل دير القديسة حنّة، والثاني يتبع للتيرسانطة، استذكرهما أبو عرب، 'يبلغ من الزمن دير القديسة حنّة 900 عام، بهِ وُلدت السيّدة مريم العذراء، وبناءً عليه تمّ إنشاء هذا الدير الذي يحتوي باستمرار على الرهبان ورجال الدين المسيحيين الذين يعملون لصيانة الدير، وهو محطّ أنظار السياح والزائرين الأجانب. أما الدير الآخر فبدأ بثلاث غرف صغيرة، سنة 1924، وكان يقدم خدمات هامّة لأهالي صفورية، منها تعليم النساء والفتيات الخياطة والتطريز والحياكة، إضافةً إلى وجود عيادة لعلاج الأطفال، وكانت علاقة أهالي صفورية بالأديرة وطيدة جدًا، فيقدمون للرهبان والراهبات الخضار والحبوب وزيت الزيتون، وكان يخصص مجلس محلي صفورية 50 ليرة فلسطينيّة مساعدة لدير القديسة حنّة'.

اقرأ/ي أيضًا | في ليلة الخروج من حيفا... سالَت دماءُ الجنين وأمّهِ

الأغلبية الساحقة من المنازل والآثار هُدمت ودُمرت بهمجية الآلات العسكريّة الإسرائيلية، زرعت إسرائيل مكانها أشجار الصنوبر كي تخفي التاريخ وما اقترفت من فظائع بحقّ البشر، ورغم مرور عذه العقود على النكبة أكد أبو عرب على حتميّة العودة إلى أرض صفورية، حق لن يضيع ما دام خلفه فلسطيني، 'أرى العودة بأمّ عيني، نحن نريد السلام والعيش في صفورية، إن لم تتسع صفورية لنا لن يتسع لنا العالم بأسره، العودة حتميّة وإن لم تكن في عهدي فهي على عهد ابني أو حفيدي، لا مستقبل للصهيونيّة في هذه المنطقة، وإن لم تقتنع بالعيش مع شعوب المنطقة سيستمر الحرب والدمار في التنامي، نحن ننتظر السلام العادل والشامل الذي يقضي باعتراف الصهيونيّة بما ارتكبته من مجازر بحق شعبنا الفلسطيني وتعويضه عن المعاناة وتطبيق قرار 194 الذي ينصّ بعودة اللاجئين والمهجرين إلى أرضهم ووطنهم'. 

التعليقات