الناصرة: أحياء سكنية جديدة بين فكي التضييق والتمييز

بلغ سكان مدينة الناصرة نحو 85 ألف نسمة، يعيشون على 14،200 دونم، مقابل مدينة نتسيرت عيليت التي يقطنها 50 ألف نسمة على مساحة 70،000 دونم، أي ما يقارب خمسة أضعاف مساحة أرض النّاصرة، لعدد سكان أقل.

الناصرة: أحياء سكنية جديدة بين فكي التضييق والتمييز

أحياء سكنية جديدة في الناصرة (تصوير "عرب 48")

شهدت مدينةُ الناصرة خلال القرون الماضية تغيّرات كبيرة في مجال بناء المساكن وعمارتها، اختلفت طريقة العمران من حين إلى آخر، ما شكّل اختلافًا في شكل العمران بين منطقةٍ وأخرى في نفس المدينة، بحجارتها وأساليب بناءها وطريقة نموها أحيانًا، فمباني البلدةِ القديمة في قلبّ الناصرة تختلفُ عن المباني الحديثة والأحياء المتطورة التي باتت ترسو على ضفاف المدينة، وهذا يشكل قضية بحث إلى أين تتجه الناصرة عمرانيًا في الوقت الحاليّ في ظل التضييق عليها جغرافيًا؟

 

بلغ عدد سكان مدينة الناصرة نحو 85 ألف نسمة، يعيشون على 14،200 دونم، مقابل مدينة نتسيرت عيليت التي يقطنها 50 ألف نسمة على مساحة 70،000 دونم، أي ما يقارب خمسة أضعاف مساحة أرض النّاصرة، لعدد سكان أقل.

تعاني الناصرة من عدم التوسع العمرانيّ أفقيا مقارنةً مع التوسع السكانيّ عاموديا الحاصل خلال عشرات السنين الماضية في المدينة، واضطرار الأهالي إلى السكن في غرف ومنازل متكدسة.

الطريق إلى حجارة المنزل

وقال مقاول البناء، كايد أبو عياش، لـ'عرب 48'، إن 'الناصرة كما باقي المدن والقرى العربيّة الأخرى، كان العمران والتجمع السكانيّ بها عادةً حول عيون الماء، فأين تواجد الماء تواجد السكان لضمان وصول الناس إلى الماء لأهميّته في الحياة، عدا عن أنّ الأراضي بطبيعة الحال كانت شاسعة وكل فرد يقوم ببناء منزل خاص له وحوله ساحة أو جديقة، ومع تقدم الزمن يقوم الأب ببناء منزله للأعلى ليسكن أبناؤه فوقه'.

كايد أبو عياش

وتابعَ أنّ 'هذه الطريقة سابقة الذكر استمرت إلى حين لم يعد في الناصرة أراضٍ في السنوات الأخيرة لاستيعاب البناء المتكاثر، وقد اضطرّت مدينة الناصرة للبناء إلى الأعلى لاستغلال الأرض بشكل أكبر، وقد تطورت طريقة البناء وأصبحت المباني الحديثة تقوم اليوم وفقًا لمواصفات وتخطيط مسبق وحساب لكمية الحديد والقوى، ونتابع العمل مع مستشار فني للكهرباء ومواسير المياه والمصارف الصحيّة، وذلك تحسبًا وتجنبًا من هزة أرضية'، معبّراً أنه 'أصبحنا نضحي بشكل أكبر قبل عمليّة البناء، وليس كما السابق دون تخطيط دقيق'.

وما كان يميّز البناء القديم، وفقًا لعيّاش أنّ 'معظم المنازل تأخذ شكل 'عقود'، وهي أشكال سطوح مدورة أو قبّة، وهي أشكال فنيّة تحتاج إلى مراحل بناء صعبة جدًا تم بناؤها قديمًا دون المعدات المتطورة التي نشهدها اليوم من الرافعات ومعدات الحفريات، وهي عمل يدويّ وفنيّ إن أردنا فعله اليوم سيكلفنا الكثير'.

التحديات

ويعتبر عدم توفر قسائم أرض للسكن في الناصرة العائق الأكبر أمام السكان، فمن جهة ترتفع أسعار الأراضي، وبالتالي يتجه البناء في تلك الأراضي إلى الأعلى لاستيعاب أكبر عدد ممكن من السكان.

وعن سؤالنا إن كان المسكن يعتبرُ تحديًا يقف أمام الأزواج الشابة؟ أجاب عيّاش أنّ 'توفير المسكن يحتاج أساسًا إلى الأرض والنقود والمعدات، والأزواج الشابة تتزوج في مقتبل عمرها وربيع عشرينها، بمعظمهم وضعهم الماديّ ليس بأفضل حال بل عليهم ديون ماديّة متراكمة، ويحتاجون لسنوات عدّة لترتيب أمورهم كي يستطيعوا شراء شقة، فبعض الشقق في الناصرة يتراوح سعرها ما بين 250 إلى 300 ألف شاقل، وهي تشكل 25% من إجماليّ المبلغ، ويتبعه قرض إسكانيّ يتم سداده لمدة 20 عاما لدفع المبلغ كاملاً، وهذا يقف عائق أمام الأزواج الشابة'، مستطردًا أنّ 'الشقق السكنيّة باتت هي الأخرى صعبة على بعض الأزواج الشابة'.

الأحياء الجديدة في مدينة الناصرة، والتي هي بعيدة نوعًا ما عن مركز المدينة، تأخذُ طابعًا مختلفًا عن المدينة الأمّ، وبهذا قال عياش إنّ 'الأحياء الحديثة تختلف كليًا عن الأحياء القديمة التي بدأ بناؤها قبل آلاف السنوات، فهي تمتاز بضيق الشارع، بعكس المباني الحديثة التي تمتاز بالاتساع ووجود الجنائن حول المنزل'.

ورأى أنّه 'في المستقبل سيكون هناك نقص أكبر للأراضي في مدينة الناصرة'، مشيرًا إلى أنّ 'السوق القديم برغم ضيق أزقته إلا أنّه بناء قديم وفيه فنّ وطابعه مميّز، وفي سياق المحافظة والترميم يمكن إعادة ترميم السوق، فمثلاً مدينة تل أبيب القديمة تمرّ بعملية ترميم تعود بها إلى عهدها القديم مع تقويتها عن طريق وضع أساسات جديدة لها ويتم البناء فوقها كذلك مجددًا لاستيعاب السكان'، مناشدًا بلدية الناصرة بأن 'تقوم بإجراء ترميمات في سوق الناصرة'.

اقرأ/ي أيضًا| أيام زمان... البحث عن الذهب في سوق الناصرة!

وتعتبر الأزمة السكنية في الناصرة كسائر البلدات العربية في الداخل بمثابة طوق يخنق الأزواج الشابة، ففي حين تمنح الحكومة الإسرائيلية مساحات واسعة من الأراضي التي صادرتها من المواطنين العرب للبلدات اليهودية، تواصل سياسة التمييز والعنصرية وتحرم البلدات العربية من التوسع والتطور وبناء منازل مناسبة للأزواج الشابة.

التعليقات