حوار مع د. مهند مصطفى | إسرائيل بين دعاة الحرب وصفقة الأسرى... لمن الغلبة؟

يرى الباحث د. مهند مصطفى أن إسرائيل تسعى إلى تغيير اتفاق وقف إطلاق النار في غزة شكلا ومضمونا، وبدا ذلك واضحا في انتهاكاتها لاستحقاقات المرحلة الأولى وعلى رأسها عدم الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

حوار مع د. مهند مصطفى | إسرائيل بين دعاة الحرب وصفقة الأسرى... لمن الغلبة؟

(Getty Images)

تواصل إسرائيل تصعيدها للتضييق على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، إذ تشدد الحصار وتمنع إدخال المساعدات الإنسانية بشكل تام إلى القطاع، وسط إشارات متزايدة لاحتمال استئناف الحرب على غزة، تزامنا مع استمرار العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

في ظل هذه التطورات، تبرز تساؤلات جوهرية حول أهداف إسرائيل الحقيقية من هذه السياسات والممارسات، ومدى ارتباطها بالواقع الداخلي الإسرائيلي، خصوصًا في ظل أزمة تجنيد الجنود، والانقسامات السياسية، وضغط عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة، والتي تطالب بحل ملف الأسرى بعيدًا عن التصعيد العسكري.

وتكتسب تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، أيال زمير، أهمية خاصة، إذ وصف عام 2025 بأنه "عام حرب"، ما يثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل الفعلية وخياراتها المستقبلية. كما أن مواقف إدارة الرئيس الأميركي رونالد ترامب وفريقه، إلى جانب المواقف الأوروبية المتباينة، تلعب دورًا في مستقبل الحرب على غزة.

للحديث عن هذه القضايا والمحاور، حاور "عرب 48" الخبير والباحث في الشؤون الإسرائيلية، ومدير برنامج طلبة الدراسات العليا في مركز مدى الكرمل، د. مهند مصطفى:

مصطفى: إسرائيل تريد الانعتاق من الصيغة الأصلية لاتفاق وقف إطلاق النار

"عرب 48": ما هي الأهداف الرئيسية التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال قطع المساعدات والكهرباء وإغلاق المعابر في قطاع غزة؟

مصطفى: تتجه السياسة الإسرائيلية نحو الانعتاق من الصيغة الأصلية لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي فُرض على إسرائيل من طرف إدارة ترامب كجزء من طلبه التوصل للاتفاق قبل تنصيبه. أشك أن ترامب يفهم حيثيات الاتفاق، ما كان يهمه هو المكانة وليس الأسرى والرهائن الإسرائيليين، وبكل تأكيد ليس سلامة وأمان واستقرار سكان قطاع غزة. لذلك تسعى إسرائيل إلى تغيير الاتفاق شكلا ومضمونا، وبدا ذلك واضحا في انتهاكاتها لاستحقاقات المرحلة الأولى وعلى رأسها عدم الانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا).

تحاول إسرائيل الذهاب إلى خيارين، إما تمديد المرحلة الأولى لفترة زمنية محددة مقابل إطلاق سراح المزيد من الأسرى والرهائن الإسرائيليين واستمرار وقف النار، أو الذهاب إلى مسار جديد لا يختلف بجوهره عن تمديد المرحلة الأولى، مثل مقترح ويتكوف الذي يعتمد على هدنة لمدة 50 يوما يتم فيها إطلاق سراح نصف الأسرى والرهائن الإسرائيليين في اليوم الأول.

تعلم إسرائيل أن حماس سترفض ذلك، لذلك تمارس أدوات ضغط عليها مثل منع دخول المساعدات الإنسانية، لا سيّما في شهر رمضان المبارك، وهو يعتبر جريمة حرب بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وتحاول الضغط على حماس من هذا الباب من أجل القبول إما بتمديد المرحلة الثانية أو القبول بمقترح ويتكوف الذي رفضته حماس في محادثات القاهرة الأخيرة.

"عرب 48": سمعنا تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد، أيال زمير، أن سنة 2025 سنة حرب، واستمرار تمسكه بأن الضغط العسكري يؤدي إلى الإفراج على المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس خلافا لموقف عائلات الجنود التي تطالب باستمرار المرحلة الأولى والانتقال للمرحلة الثانية، هل الانقسامات داخل الجمهور الإسرائيلي بشأن خطة العودة إلى الحرب وترك التفاوض حول تبادل الأسرى، يمكنها أن تشكل عاملا حاسما في تنفيذ أو عدم تنفيذ مخطط العودة إلى الحرب، وهل العودة إلى الحرب خيارا قائما فعلا؟

مصطفى: إسرائيل جادة في خيار الحرب العدوانية على قطاع غزة، وهي تحضّر لها، ولكنها تعتبره الخيار الأخير. كانت تريد الحكومة لو يكون هذا الخيار هو الأول لديها، وعيّنت رئيس الأركان الجديد وهو متحرر من عبء إخفاق السابع من أكتوبر ومتلهف للحرب، ولكن عوائق كثيرة تقف أمام هذا الخيار في هذه المرحلة، وأهمها احتجاج الشارع على ملف الأسرى والرهائن، وتناقض خيار الحرب مع إمكانية استعادتهم، لدرجة أن هناك معارضة لاستئناف الحرب من أجل استعادتهم. في السابق كان الاحتجاج يطالب باستعادة الأسرى، ولكن ليس على حساب وقف الحرب، واليوم يطالب بهم على حساب الحرب.

أما العائق الآخر أن الإدارة الأميركية تريد استنفاد جميع المسارات السياسية للتوصل لوقف إطلاق النار مع تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية، وهذا الفرق بين إسرائيل والإدارة الأميركية، ليس على الأهداف بل المسارات لتحقيقها، فضلا عن مشاكل جنود الاحتياط في ظل امتناع الحكومة عن تشريع قانون لتجنيد الحريديين، فليس مؤكدا انضباط الجميع لهذه الحرب لهذا السبب، فضلا عن عُلو مسألة الأسرى وأيضا غياب الإجماع على الحرب، فإسرائيل لا تحارب بدون إجماع في الغالب، لذلك من الأسهل لها القول لاحقا إنها استنفدت الخيارات الدبلوماسية ولم يبق لها إلا الحرب على أمل تفهم موقفها من قطاعات مختلفة من المجتمع الإسرائيلي.

"عرب 48": إلى أي مدى يرتبط هذا النهج بسياسات نتنياهو وسعيه للبقاء في الحكم؟

مصطفى: الحفاظ على الحكومة هو واحد من اعتبارات الحرب، ولكنه ليس الوحيد. هناك مسألة شخصية لنتنياهو تتعدى الحفاظ على حكمه فقط، بل في محاولة لإزالة عبء الإخفاق في السابع من أكتوبر.

مهما نجح نتنياهو في الجبهات الأخرى كما يزعم، ستبقى جبهة غزة هي الأساس في تاريخه السياسي، هي النقطة السوداء التي ستلاحقه تاريخيا حتى بعد مماته، لذلك يحاول نتنياهو أن يزيل هذا العبء من خلال الأدوات العسكرية، وتحقيق أهداف الحرب من خلال الحرب، فكما أن طوفان الأقصى العسكري هزمه يريد هزيمة الطوفان عسكريا، هكذا يفكر نتنياهو، أما الحديث عن المحاكمات فهو هراء. مشكلة نتنياهو مع المحاكمات ليس العقاب، والذي لن يكون، بل بوجودها، فهو يراها نكران جميل، نكران لكل ما فعله لإسرائيل، وعندما يرى ترامب كيف يلغي محاكماته يزداد غضبه من هذه المحكمة.

"عرب 48": كيف تؤثر مواقف إدارة ترامب وفريقه على قرارات إسرائيل بشأن مستقبل الحرب في غزة؟

مصطفى: إدارة ترامب تؤثر على سياسات نتنياهو. ترامب هو من دفع إسرائيل للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الثاني/ يناير الماضي، والذي عجز بايدن عن ذلك لأشهر طويلة، لأن ترامب الذي أُسمّيه المستعمر العقاري المتخلف، يريد أن ينهي الحرب لتحقيق مصالح أميركية في المنطقة بينها استمرار مسار التطبيع، وجذب الاستثمار الخليجي لأميركا، ولكن لن يكون ذلك بالتخلي عن أهداف إسرائيل، لأنه سيسعى إلى منع الحرب وتحقيق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة مع أهداف إسرائيل في معادلة واحدة، وهذه ليست سهلة.

لذلك، انتبه لم يتحدث عن ضم الضفة الغربية كما وعد باجتماعه مع نتنياهو، وقال إنه سيفحص الموضوع بعد أربعة أسابيع والتي مرّت ولم يتفوه شيئا بهذا الخصوص، لذلك ترامب يريد الهدوء والاستقرار في المنطقة، ويبدأ ذلك في إنهاء الحرب في غزة، ولكن ليس بكل ثمن، ولن يكون ذلك بكل ثمن، فأيضا هناك حاشية صهيونية تحيط به، و"توشوش" له، وتحاول العمل على صياغة تصور تُرضي فيه طموحات ترامب ومصالح إسرائيل في نفس الوقت، التي هي في بعضها متناقضة، فالتطبيع مع السعودية لن يكون مع ضم الضفة الغربية، ولذلك تأثير إدارة ترامب كبير على إسرائيل.

"عرب 48": هناك تصريحات أميركية متناقضة حول اللقاء المباشر مع حماس، من جهة كانت تصريحات لسنا وكلاء لإسرائيل واللقاء مع حماس كان مفيدًا، ومن جهة أخرى تصريحات بأنه لقاء أحادي، وكأنهم يحاولون استرضاء حكومة نتنياهو؟

مصطفى: اللقاء مع حماس والمباحثات المباشرة معها أزعج إسرائيل، وإسرائيل تحاول إفشال تجديد هذا المسار من المباحثات، وأتصور أن المعارضة الإسرائيلية نابعة من سببين، الأول مجرد التباحث مباشرة من حماس هو يتناقض من سردية حماس كـ"داعش" و"نازية" في الخطاب الإسرائيلي، وواضح أن الإدارة الأميركية تدرك أن حماس ليست "داعش" ولا "نازيين"، وأنها لاعب سياسي براغماتي يمكن التوصل معه لتفاهمات، والأمر الثاني هو الحديث عن هدنة طويلة الأمد لخمس أو عشر سنوات.

هذا الأمر يتعارض مع المصالح الإسرائيلية، ومعناه بقاء حماس في غزة، حتى بعد عهديّ نتنياهو وترامب، وهو عمليا إعلان وقف الحرب، لذلك عملت إسرائيل على إفشاله من خلال تحريك الحاشية الصهيونية حول ترامب للتحريض على هذا المسار.

التعليقات