في صبيحة الأول من أيار/ مايو، توجّهت عشرات العائلات الفلسطينية نحو شمال مدينة الناصرة، حيث التلال الخضراء تحتضن بقايا بلدة اسمها ما زال ينبض على الرغم من محاولات الطمس، صفّورية.
هذه ليست مجرّد زيارة موسمية، بل طقس من الحنين المتجدد، وحب لا تذروه السنين، عاد أبناء وأحفاد المهجّرين، لا يحملون سوى ذاكرتهم وعنادهم وحبهم لأرض الأجداد.
نبعة القسطل.. البداية التي لا تنضب
كما في كل زيارة، كانت البداية من عين صفّورية الوفية والتي أبت الانقطاع "نبعة القسطل" والتي تحيط بها حجارة بيضاء عتيقة تشهد على قرون من الحياة والأحداث، وما زالت تخبر المارة عن أصل المكان، تجمع الناس حولها كما دائما.
مرّت.. رغم العراقيل
حتى هذا الطقس لم يسلم من المضايقات، حينها، حاولت الشرطة الإسرائيلية عرقلة الزيارة، بحجة أنها "مظاهرة غير مرخصة"، وكيف عرّفوها بأنها مظاهرة وليست زيارة، لأن عدد المشاركين كان كبيرا! عدد التائقين لأرض صفّورية ولونها الأخضر ومياه قسطلها كان كبيرا! وعندما سأل الشرطي "من المسؤول هنا؟" أجاب الجميع بصوت واحد مرتفع "جميعنا مسؤولون" جملة كانت كفيلة لتبيّن حجم المسؤولية التي يأخذها كل فرد على عاتقه لإنجاح هذه الزيارة.
وإذا ما تحدثنا عن زيارات القرى المهجرة في ذكرى النكبة من كل عام، فهي ليست مجرد زيارات شكلية، هي زيارات يقول الناس من خلالها بالفم الملآن، "هذه أرضنا، هذه قرانا ولنا حق بالعودة إليها، لي حق أنا من أسكن في مدينة الناصرة أن أعود لبلدتي صفّورية وأسكن فيها، هناك حق لكل اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء بالعالم أن يعودوا لقراهم ومدنهم"، زيارة أريد لها أن تمثّل سابقة في المنع لباقي الزيارات وباقي السنوات، لكن الصوت الواحد أبى إلا أن تمر.
أرض لا تُنسى.. وأهل لا يغيبون
مع مرور الساعات، استمرت الزيارة التي بدأت من عين القسطل، مرورا بالأراضي الخضراء بمحاذاة وادي صفّورية، الذي ينبع من عين القسطل وتجري المياه فيه كأنها ترافق أحفاد أصحاب الأرض، ومن ثم باتجاه الأراضي الزراعية غربي القرية، التي ما زال بعض أهل صفورية يحتفظون بها ويفلحونها، على الرغم من كل المضايقات ومحاولات المصادرة.
على أطراف هذه الحقول، نصب الفلاحون بسطات صغيرة يبيعون فيها من خضرواتهم الطازجة زاهية اللون، مشهد بسيط لـ"انتصارات عظيمة"، المشاركون في الزيارة توقفوا، اشتروا، وتبادلوا أطراف الحديث، في مشهد جمع بين الانتماء وتعزيز صمود الفلاحين، الذين لم يتركوا الأرض يوما.
البلدة الحاضرة يوميًا في القلوب والخطى
الزيارة السنوية الكبيرة ليست وحدها التي تبعث الروح العربية الفلسطينية في صفّورية، أبناء البلدة، لا سيّما الذين يسكنون في الناصرة والمنطقة، يزورون أراضيهم بشكل شبه يومي، ترتوي عيونهم من حب بلدتهم، ويتجولون بين خضرتها وآثارها ويشربون من مياه القسطل.
صفّورية.. القلب الأخضر للجليل
قبل النكبة، لم تكن صفّورية مجرد بلدة، بل مركزًا حضريًا مهمًا في الجليل، عدد سكانها تجاوز الأربعة آلاف نسمة، فيها مسجد وكنيسة، مدارس وأسواق وعشرات الينابيع، كانت مزدهرة بالزراعة، ومركزا ثقافيا واجتماعيا للمنطقة، حتى بعد تدمير معظم بيوتها في عام النكبة 1948، بقيت صفّورية في وجدان الفلسطينيين رمزا للتجذر والانتماء.
اقرأ/ي أيضًا | زيارات جماعية لعشرات القرى المهجّرة تأكيدا على حق العودة
التعليقات