استعرضت د. مها كركبي-صباح في محاضرة أجرتها، مؤخرا، معطيات لافتة متعلقة بالتعليم الأكاديمي لدى النساء في مناطق الـ48، ومدى اندماجهن بسوق العمل وفي المناصب الإدارية، وقامت بتحليل التطور والتغير الاجتماعي والتاريخي وانعكاسه على واقع النساء العربيات.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وبينّت المعطيات ارتفاعا ملحوظا في مستوى التعليم الأكاديمي لدى النساء العربيات في السنوات الأخيرة، حيث تشكل النساء 68.4% من مجمل حاملي اللقب الأول بين العرب، و75.4% من حاملي اللقب الثاني، بينما تنخفض النسبة في اللقب الثالث (الدكتوراة) لتبلغ 43.8%.
وفي المقابل، تبقى نسبة تشغيل النساء العربيات منخفضة نسبيًا، على الرغم من تسجيل ارتفاع تدريجي خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2023 بلغت نسبة تشغيل النساء العربيات من الفئة العمرية 25–64 نحو 44.1%، مقارنة بـ77.3% لدى الرجال العرب، و82.2% لدى النساء اليهوديات.
وأشارت المعطيات إلى تركيز النساء العربيات في سوق العمل على مجالات التعليم، والصحة والخدمات الاجتماعية، والتجارة، في حين لا تتجاوز نسبة العاملات في المناصب الإدارية 3% فقط، وأن 2% فقط من النساء موجودات في السلطات المحلية.
وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" د. مها كركبي-صبّاح، لتسليط الضوء أكثر حول ذلك وقراءة مسببات وانعكاسات المعطيات المذكورة.
"عرب 48": تحدثتِ في محاضرتك عن ارتفاع نسب التعليم الأكاديمي لدى النساء الفلسطينيات في البلاد، لأي مدى تعزز الشهادات الأكاديمية إمكانية الاندماج في سوق العمل؟

د. كركبي-صباح: تدل المعطيات على أن احتمالات دخول المرأة العربية الحاصلة على شهادة أكاديمية أكبر بكثير عن المرأة العربية غير الحاصلة على شهادة أكاديمية، وهذه المعادلة غير متماثلة بحال قارنا اندماج النساء العربيات في سوق العمل مع النساء اليهوديات، إذ لا يوجد فروق كبيرة باحتمالات الدخول لسوق العمل بحسب الشهادة لدى النساء اليهوديات، وهذا مؤشر لتنوع المهن والفرص الموجودة أمام النساء اليهوديات بمختلف درجات تحصيلهن العلمي وغير موجود أمام النساء العربيات.
على الجانب الآخر بتنا نشهد مؤخرا ارتفاعا في اندماج النساء العربيات غير الحاصلات على شهادات علمية في سوق العمل، وهذا في أعقاب تطور الوضع الاقتصادي ومجال الخدمات في عدد من البلدات العربية، بالإضافة إلى البرامج الحكومية الداعمة لهذه الشرائح. ومع ذلك، تعتبر شريحة النساء غير الأكاديميات خارج سوق العمل مرتفعة جدا.
"عرب 48": أشرتِ إلى أن النساء العربيات متمركزات في مجالات محددة، ما الأسباب التي تؤدي إلى هذا التركيز؟ وهل هو خيار أم نتيجة ظروف قسرية؟
د. كركبي-صباح: التمركز في المهن متعلق بالخيارات الشخصية والظروف القسرية على حد سواء، العديد من النساء يفضلن العمل في مؤسسات قريبة جغرافيا على المنزل أو مكان السكن، ويسبب البُعد الجغرافي صعوبة في إيجاد فرص عمل مناسبة للكثير من النساء، علما أن بلداتنا العربية تفتقر للمهن والمؤسسات ذات الصناعات المتطورة مثل الهايتك، زيادة على ذلك فإن ضعف شبكة المواصلات بين البلدات العربية والمركز اليهودي والمدن الكبرى تعتبرا سببا رئيسا لعزوف النساء عن الانتقال بين البلدات، فضلا عن تفضيل النساء فرص عمل تتلاءم مع دورهن الاجتماعي كأمهات ومقدمات رعاية للبيت والعائلة.
"عرب 48": ما الذي يجعل نسبة النساء في اللقب الثالث (الدكتوراة) أقل مقارنة باللقبين الأول والثاني؟
د. كركبي-صباح: كلما تقدم اللقب تزداد شروط القبول صعوبة وتحدد معايير المتطلبات والمهارات، بالإضافة إلى تأثير التقدم بالعمر والعامل الاجتماعي، إذ ما أن تصل النساء أو الرجال لمرحلة اللقب الثالث حتى يكونوا قد أصبح لديهم عائلة مع أبناء والتزامات عائلية ليست بسيطة، ناهيك عن جزئية أن اللقب الأول والثاني كفيلان للدخول لسوق العمل، ما يجعل هناك اكتفاء من الاستمرار في التعليم.
"عرب 48": ما العلاقة بين تاريخ النكبة والتغيرات في الحضور النسوي الفلسطيني في الحيز العام؟
د. كركبي-صباح: لا نستطيع الحديث عن النساء أو أي تغيّر اجتماعي من دون التطرق للسياق التاريخي، والسياق التاريخي للبلاد يؤكد وجود سيرورة تمدن ومؤسسات نسوية اجتماعية فاعلة، وأن دور النساء الفاعلات لم يبدأ فقط خلال العقود الأخيرة، إنما قبل فترة النكبة وانقطعت هذه الفاعلية مع النكبة، وخصوصا أن الكثير من أهل المدن هجروا ومن بقي عاش تحت وطأة الحكم العسكري الذي سيطر على التحرك والتنقل وطبيعة استمرار التغيير الاجتماعي وأدى لغياب الحركة الوطنية، وتفكيك ومحو كل علامات التمدن الموجودة قبل عام 1948، وهذا لتصوير المؤسسة الإسرائيلية الأقلية الفلسطينية التي بقيت في البلاد على أنها تقليدية وغير متعلمة.
ساهم هذا الأمر بشكل سلبي بتطور المجتمع والحركة النسائية ودور النساء، وترك هذا الهدم للمجتمع الذي نتج عن فترة النكبة والحكم العسكري غياب وفراغ شكّل صعوبة لعودة النساء للحيز العام خصوصا مع انخفاض نسبة التعليم عند النساء.
"عرب 48": برأيك ما هي الأولوية إصلاح سوق العمل ليستوعب النساء أم تغيير توجّه النساء في اختيار التخصصات؟
د. كركبي-صباح: المساران هما أولوية، من جهة هناك مطالبات بتغيير سوق العمل الفلسطيني المحلي وتطوير البنية التحتية فيه وإيجاد موارد وبرامج حكومية لدعمه، جزء من هذا التطور هو تطور ذاتي، والجزء الآخر مرتبط بنية المؤسسات الإسرائيلية في تغيير وتطوير الاقتصاد الفلسطيني والظاهر أنها غير معنية بهذا.
يجب أيضا أن يكون برامج لرفع نسبة الوعي، لملائمة تطور الموارد البشرية مع المتطلبات الحالية في سوق العمل منها التكنولوجية والصناعية. ونحن فعليا نفتقر لهذا التناسب بين العاملين لذا يجب أن يكون عملية رفع للوعي لرفع حالة الانسجام بينهما.
التعليقات