مبادرات للتكافل تسد إهمال السلطات في ظل الحرب.. الناصرة مثلا

تشهد بلدات عربية مبادرات للتكافل الاجتماعي والتعاون بين الناس في ظل إهمال السلطات وسط الحرب وسقوط صواريخ تطلقها القوات الإيرانية على البلاد.. في الناصرة ويافة الناصرة، على سبيل المثال، فتح بعض الأهالي الملاجئ الخاصة لحماية الجيران.

مبادرات للتكافل تسد إهمال السلطات في ظل الحرب.. الناصرة مثلا

(عرب 48)

يعيش مواطنو البلاد منذ أكثر من عام ونصف العام في حالة حرب متواصلة، وقد رفع المواطنون العرب شكواهم إزاء عدم توفر الحماية لهم بشكل كاف، إذ تنعدم الملاجئ والغرف الآمنة ما اضطر السلطات المحلية إلى فتح ملاجئ المدارس والمؤسسات العامة لإيواء الأهالي في حالات الطوارئ.

ويشكو المواطن العرب من أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية وفرت الحماية والأمن والأمان لمواطني الدولة من اليهود فقط بدءا من الأنظمة الاعتراضية للصواريخ "القبة الحديدية" و"مقلاع داوود"، ومنظومة "حيتس" على أنواعها، وانتهاء بتهيئة الملاجئ لهم في بيوتهم وأماكن عملهم وبجانب المرافق العامة وفي مواقف السيارات تحت الأرضية.

هذا هو حال المواطنين العرب في معظم البلدات، سواء كانت كبيرة بحجم مدينة، أو قرية صغيرة، ولسوء الحظ لم تخلُ الحروب التي خاضتها إسرائيل في العقدين الأخيرين من الضحايا العرب الذين استُهدفوا بالصواريخ التي أُطلقت من لبنان أو من قطاع غزة أو من إيران، وكان آخر هؤلاء الضحايا أربع نساء وفتيات من عائلة واحدة في مدينة طمرة الجليلية، دُمّر منزلها بفعل صاروخ أُطلق من إيران، قبل أيام.

ونظرا إلى هذه الحالة المركّبة، ومع عدم وجود ملاجئ في البلدات العربية وعدم القدرة على توفيرها في غضون وقت قصير، ومع تزايد الخطر بسبب الصواريخ التي تطلق يوميا على البلاد، والأضرار المرعبة التي تحدثها الصواريخ البالستية فقد كان لا بد من التحرك داخل المجتمع العربي ليؤازر بعضه بعضا، ومن بين هذه المبادرات الحراك الشعبي النصراوي الذي يحاول الضغط على البلدية من أجل فتح الملاجئ للمواطنين إذا توفرت هذه الملاجئ في المؤسسات التربوية والعامة، وهو ما فعلته السلطة المحلية في يافة الناصرة من أجل توفير الحماية لسكان البلدة.

ماهر خليلية

وقال رئيس مجلس يافة الناصرة المحلي، ماهر خليلية، لـ"عرب 48" إنه "قمنا بفتح الملاجئ في المدارس والمؤسسات العامة، في ساعات النهار والليل، لتوفير الحماية للمواطنين، وقد قمنا بتعيين مسؤولين لإدارة شؤون هذه الملاجئ واحتياجات الجمهور، وفي كل واحد من هذه الملاجئ تبيت عائلات من القرية طوال الليل في الملاجئ وتغادره في ساعات النهار".

وأضاف خليلية أنه "لدينا العديد من الملاجئ في المدارس، بعضها يتسع لخمسين شخصا وبعضها لأكثر أو أقل من ذلك حسب حجم المدرسة".

وتابع أن "يافة الناصرة بلدة قديمة تفتقر إلى الملاجئ، ولذلك قمنا بإجراء دراسة عينية وقدمنا الحلول الممكنة، وفتحنا عشرة مواقع تعد آمنة في المدارس ومركز الشباب والقاعة الرياضية، وهي مبان حديثة ومزوّدة بالملاجئ المناسبة، بالإضافة إلى ذلك أقمنا مركز طوارئ، يقوم المسؤولون فيه يوميا بجولة مع عناصر من الجبهة الداخلية لتفقد احتياجات هذه الملاجئ، ونعقد جلسة صباحية بشكل يومي ندعو إليها كل رؤساء الأقسام في السلطة المحلية وعناصر الجبهة الداخلية لتقييم الأوضاع".

وأشار إلى أن "يافة الناصرة اضطرت خلال السنتين الأخيرتين إلى التعامل مع عدد من الحالات التي سقطت خلالها شظايا صواريخ وتسببت بأضرار لبعض المنازل في القرية، لذلك فإنها تولي أهمية كبيرة لهذا الموضوع".

يتفقدون ملجأ في يافة الناصرة

ووجه خليلية دعوة لأهل بلدته يافة الناصرة، حثهم فيها على "الالتزام بتعليمات وإرشادات الجبهة الداخلية، والتواصل مع لجنة الطوارئ في المجلس المحلي التي على استعداد لإعطاء الإجابات وتقديم الحلول لكل توجه من أي مواطن في البلدة".

وقال أحد مؤسسي الحراك الشعبي النصراوي والناشط المجتمعي، طارق شحادة، لـ "عرب 48" ردا على سؤال حول كيف يمكن للمجتمع أن يؤازر بعضه البعض في الوقت الذي يظهر أن الحكومة تخلت عن المواطنين العرب وتركتهم يواجهون مصيرهم دون أي غطاء أو حماية، قال إنه "من الواضح أننا الجزء المنسي من جدول أعمال الحكومات الإسرائيلية، وهذا ليس بالأمر المستجد وإنما هو قائم منذ زمن، وهذا التمييز ينسحب على كل الميادين، لذلك فإن السؤال الأول الذي يطرح هو: هل تعترف بنا الدولة كمواطنين لنا حقوق؟ حتى اليوم الإجابة هي لا".

طارق شحادة

وأضاف شحادة "هل تعلم بأن مستوطنة متسبيه أفيف التي حرّض سكانها بشريط فيديو مصوّر على أهالي طمرة وتمنوا لهم أن يحرقوا بالصواريخ، هذه المستوطنة يسكن فيها بضع مئات من المستوطنين، وفيها 13 ملجأ عموميا غير الغرف المحصنة داخل بيوتهم، مقابل ذلك يعيش في مدينة طمرة 37 ألف مواطن في حين أن الملاجئ العامة فيها هو صفر. هذه الملاجئ في المستوطنات تقيمها الدولة (الحكومة) والجيش والجبهة الداخلية. لذلك فليس أمامنا سوى أن نتكاتف ونساند بعضنا البعض، والحراك الذي بادرنا إليه، مؤخرا، لمواجهة قضية النفايات في الناصرة، نقوم اليوم بتحويل طاقاته إلى حالة الطوارئ بسبب الحرب، واستقطب الحراك حتى الآن العشرات من الأطباء والمهندسين والمقاولين للتحرك فورا في حال حدوث كارثة في المدينة، لا سمح الله".

وأكد أنه "قمنا بإشراك مستشفيات المدينة، وتوجهنا إلى الجبهة الداخلية من أجل التنسيق، لكن العائق الوحيد حتى الآن هو بلدية الناصرة التي أعلنت منذ أيام بأنها ستقوم بفتح الملاجئ العامة في المدينة، لكنها لم تفعل حتى اللحظة".

شوارع الناصرة خاوية بسبب الحرب

وانتقد شحادة ما وصفها بـ"ثقافة الإهمال وعدم المبالاة لدى المواطنين العرب الذين حتى عندما يقيمون بناء جديدا فإنهم يرفضون فكرة الغرفة المحصنة، وهم على استعداد لدفع رشوة للمهندسين للمصادقة على البناء، في سبيل توفير بضعة أكواب من الباطون لبناء الغرفة المحصنة الإلزامية في كل منزل حديث البناء".

بالمقابل أشاد شحادة بسلوك بعض العائلات العربية التي تمتلك ملجأ وجعلته مفتوحا لاستيعاب الجيران وأهالي الحي بما يتناسب مع قدرة استيعابه.. وهو نموذج مشرّف للتكافل الاجتماعي بين أبناء هذه البلدات.

خلود أبو أحمد

وقالت الناشطة المجتمعية، خلود أبو أحمد، في حديث لـ"عرب 48" إن "ما ينقصنا هو من يحرّك الشارع ومن يفعّل المبادرات، ففي مدينة الناصرة 16 ملجأ متاحا في المدارس والمنتشرة في الأحياء المختلفة وهناك من يقوم بتفعيل هذه الملاجئ وصيانتها والإشراف عليها. واليوم فقط عرفنا، بعد الفحص والتنقيب، بأن هذه الملاجئ مفتوحة ومتاحة للمواطنين. لذلك أناشد الموطنين في الأحياء المختلفة بأن يأخذوا زمام المبادرة في التوجه إلى تلك الملاجئ وفحص جهوزيتها وملاءمتها ربما تصلح لأن تكون ملجأ لهم في وقت الأزمات".

وأضافت أبو أحمد "إذا لم نقم نحن بتنظيم شؤوننا والقلق على مصيرنا والبحث عن أماكن آمنة فلن نجد من يقلق على سلامتنا، وأنا أقترح أن يأخذ كل حي في المدينة المسؤولية عن سكانه، وهناك متطوعون من قبل بلدية الناصرة ينبغي التواصل معهم".

ولفتت إلى أن "الأمر الآخر هو المبادرات الفردية، وأن نفتح بيوتنا للجيران والأقارب، وكل من يمتلك ملجأ يتناسب مع المواصفات أن يدعو المقربين والجيران لإشعارهم بالأمان، يجب أن تعود الينا أصالتنا، منذ متى كنا نغلق بيوتنا أمام شخص يبحث عن الأمان".

ودعت أبو أحمد المواطنين إلى التواصل مع مديري ومديرات المدارس، "هم عنوان جيد لمن يبحث عن ملجأ، واجب مؤسسات المجتمع المدني هو التشبيك بين المواطنين وبين العناوين المتاحة، هذا ما نسميه بالوعي المجتمعي، نحن في أزمة وكل شخص يعمل في إطاره الضيق وينقصنا ربط الخيوط مع بعضها البعض وتحويلها إلى عمل جماعي".

التعليقات