حوار مع أسعد غانم: الخلاف الفلسطيني الداخلي يساهم في استمرار الحرب

يقول المحاضر في قسم العلوم السياسيةبجامعة حيفا، بروفيسور أسعد غانم، في حوار لـ"عرب 48" إن "الخلاف الفلسطيني الداخلي يساهم في استمرار الحرب"، وإن "إسرائيل لن تنسحب من غزة في المدى المنظور، وأنها ستزداد شراسة تجاه الفلسطينيين".

حوار مع أسعد غانم: الخلاف الفلسطيني الداخلي يساهم في استمرار الحرب

فلسطينية تبكي مودعة أحد أقاربها في جنازة شهداء قُتلوا جنوبي القطاع (Getty Images)

في ظل الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار مؤقت في غزة، يرى المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة حيفا، بروفيسور أسعد غانم، أن "إسرائيل لن تنسحب من غزة في المدى المنظور، وأنها ستزداد شراسة تجاه الفلسطينيين ليس فقط في غزة، وإنما في مناطق الضفة الغربية والداخل الفلسطيني، خاصة في أعقاب التطورات الأخيرة التي حصلت في المنطقة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023".

"عرب 48" أجرى الحوار التالي مع بروفيسور أسعد غانم، حول آخر التطورات التي تشهدها المنطقة، بعد أن وضعت الحرب على إيران أوزارها، واعتقاد إسرائيل بأنها أجهزت على محور المقاومة، وأخضعت الرئيس الأميركي ترامب لرغباتها، وأعادت ثقة الأوروبيين، وحيّدت العالم العربي عمن استفردت بهم من أجل "تغيير الواقع" في الشرق الأوسط.

"عرب 48": لنبدأ من محور غزة والأنظار تتجه اليوم إلى إمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مؤقت، هل تعتقد أن الحرب على غزة شارفت على نهايتها؟

غانم: أعتقد أن هناك ثلاثة جوانب أساسية لهذا السؤال، بالنسبة للجانب الأول فقد أصدرت كتابا في بيروت تحت عنوان "حرب غزة.. مدخل إلى الحرب الممتدة"، واعتقادي لم يتغير بأن هذه الحرب جاءت على خلفية تغييرات إسرائيلية، صعود اليمين الفاشي والتطلع للسيطرة على فلسطين التاريخية وعدم تسليمه بوجود أي كيان فاعل في فلسطين، بمعنى أن السلطة الفلسطينية شرط وجودها واستمرار وجودها هو التنسيق مع إسرائيل، والموافقة ضمنيا على ما تريد به إسرائيل، ومن يعارض ذلك سيعاقب.

أسعد غانم

وعلى فكرة، الحرب على إيران تأتي في هذا السياق أيضا، طبعا بذريعة القضاء على السلاح النووي، ولكن الهدف الحقيقي منها هو تحطيم أي قوة عربية أو إسلامية تستطيع أن تقول "لا" لإسرائيل ومساعيها للسيطرة على فلسطين. لذلك أقول - كما جاء في الكتاب - إن إسرائيل لم تدخل إلى غزة لكي تخرج منها، وشرطها الأساسي لإنهاء العدوان العسكري هو أن يبقى وجود إسرائيلي في غزة، وهذا واضح.

عندما تقول إسرائيل إن شرطها الأساسي إنهاء وجود حماس هذا يعني إنهاء وجود سلطة وطنية فلسطينية تتمتع بأية قدرة على الاستقلال، وهذا يعني ضمان وجود إسرائيل بشكل أو بآخر، بمعنى وجود مباشر أو غير مباشر، بغض النظر عما إذا كان شكل المنطقة "C" وتعني وجود إسرائيلي مباشر أو منطقة "A" هي وجود إسرائيلي غير مباشر. ولذلك هذه الحرب في رأيي لن تنتهي قريبا، حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار.

هذا لا يعني نهاية الحرب، وستبقى بعض القوات الإسرائيلية، وستبقى هناك مقاومة فلسطينية، بغض النظر عمّن سيقودها، لكن ستبقى هناك مقاومة شعبية فلسطينية وسيبقى هناك نوع من الاحتكاك إن لم أقل من الحرب أو النزاع، وسيتعاظم هذا الاحتكاك مع وجود الاحتلال، وهذا يأخذنا إلى سنوات طويلة إلى الأمام لأن الشرط الأساسي لإنهاء هذه الحرب هو تغيير دولي وهو غير موجود في هذه المرحلة، وتغيير فلسطيني وهو أيضا غير موجود حاليا، وتغيير إسرائيلي داخلي لا ضمان له في هذه المرحلة.

"عرب 48": ما المقصود من التغيير الفلسطيني، إذا كنت أفهم أن التغيير الإسرائيلي هو نهاية سيطرة نتنياهو واليمين المتطرف والفاشي على الحكم، أليس كذلك؟

غانم: أصلا نحن الفلسطينيون نصوّر أنفسنا على أننا فقط ضحايا، وهذا صحيح، نحن ضحايا بالأساس، ولكن لو كانت هناك حركة وطنية فلسطينية - وهو ما يتم الدعوة إليه الآن انتخاب مجلس وطني فلسطيني - فلو كانت لدينا حركة فلسطينية وطنية منظمة لكانت حماس قد اتخذت قرارها في السياق الوطني وليس بشكل فردي ومنفصل، ولكانت حركة فتح والرئيس أبو مازن قد دعوا منذ اليوم الأول للحرب لإقامة حكومة وحدة وطنية بالتزامن مع إعلان نتنياهو الحرب على غزة، وبالتالي لكان قد خرج إلى العالم بصوت فلسطيني واحد، لذلك فإن الخلاف الفلسطيني الداخلي يساهم في استمرار الحرب، ولذلك فإنه لا شك بأن هناك جزءا من المسؤولية على الفلسطينيين.

"عرب 48": هل تعتقد أن الرئيس الأميركي ترامب جاد في رغبته بإيقاف الحرب على غزة أم أن هدفه الأول والأخير هو تكريس الهيمنة الأميركية على المنطقة بواسطة الحليفة إسرائيل؟

غانم: الهدف الأميركي - وهو معلن طبعا ولا أكشف سرّا هنا - هو الهيمنة الأميركية على المنطقة وإخضاعها لسيطرتها، وإسرائيل ليست فقط أداة تستخدمها أميركا، فقد أثبتت الأسابيع الأخيرة أن هناك تنسيقا على مستوى عال جدا بين نتنياهو وترامب، وعندما فتحت الحرب على إيران كان ترامب قبل يوم فقط يتحدث عن أنه سيمنع إسرائيل من الهجوم لأن هذا يهدد المفاوضات، وسرعان ما ثبت أن هناك تنسيقا كاملا، والضوء الأخضر بدا واضحا من الولايات المتحدة لإسرائيل.

الآن، في رأيي الشخصي أختلف مع من يعتقدون بأن ترامب يستطيع أن يضغط على نتنياهو لكي يوقف الحرب، هذا كله يجري في إطار التنسيق مع نتنياهو الذي يقترب من نهاية فترته الانتخابية الحالية ولديه الكثير من المشاكل مع المتدينين اليهود ومع التيارات الأكثر يمينية منه، ولذلك هو يفكر في تقريب موعد الانتخابات، ومن سيكون المنقذ له؟ لا بد من قوّة دولية مثل الولايات المتحدة تفرض عليه وقف إطلاق النار بحيث يجعل بن غفير وسموتريتش ينسحبان من الحكومة ويذهب إلى انتخابات مبكرة، لأن الوضع الذي نشأ بعد حرب إيران على الأقل من وجهة نظر نتنياهو يمهّد لإعادة انتخابه، وأعتقد أن نتنياهو كان مهيّأ لإعادة انتخابه قبل الحرب، لأن نتنياهو واليمين هما تعبير عن تغييرات عميقة حدثت في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك حتى الآن وبعد الانتخابات المقبلة، ولنفترض أنه تم إسقاط حكومة نتنياهو، فلا توجد إمكانية لحكومة ثابتة في إسرائيل غير حكومة اليمين، فحتى لو نجح نفتالي بينيت في تشكيل حكومة بتأييد من العرب، فإنه قد يخوض حربا تجعل العرب يغضبون على الحكومة ويسقطونها، كل ذلك سببه التغيرات في الشارع الإسرائيلي.

ملخص ما أردت قوله إنه صحيح أن ترامب قوي ولديه إمكانية التأثير على إسرائيل، ولكن في المقابل إسرائيل أيضا عندها إمكانات التأثير ونتنياهو لديه أجندة يقوم بالتعبير عنها في الأسابيع الأخيرة من خلال تعاون كامل مع ترامب، لذلك فإن ما يحصل الآن وزيارة نتنياهو للولايات المتحدة ليتلقى تعليمات بتنفيذ صفقة تبادل من ترامب، تجيء لأن نتنياهو يعلم ويستمع إلى قيادة الجيش والأجهزة الأمنية التي تقول له إنه لا يمكن تحقيق أكثر مما تم تحقيقه في الجانب العسكري، ولذلك فإن المخرج هو أن يقول ترامب إنه أجبر نتنياهو على وقف إطلاق النار، وبعد ذلك يدخل اليمين المتطرف في متاهة، إما الموافقة على وقف إطلاق النار أو الانسحاب من الحكومة، وفي الحالتين نتنياهو إما يضمن بقاءه للفترة الرئاسية الحالية - وهو ما أرجحه - أو أن يذهب إلى انتخابات مبكرة مع إمكانيات كبيرة لإعادة انتخابه، بهذا المعنى نتنياهو هو حتى الآن - إن لم تحدث مفاجآت كبيرة - هو الشخص الأقوى للاستمرار في السيطرة على مقاليد الحكم في إسرائيل في السنوات القريبة.

"عرب 48": هل ترى بأن إسرائيل ذاهبة لانتخابات مبكرة، وهل رفع نتنياهو أسهمه بما يكفي لضمان بقائه في السلطة؟

غانم: لا ضمان في إسرائيل، أنت تعرف السيولة السياسية الموجودة في إسرائيل، ولا بد أنك تذكر حالة شمعون بيرس عام 1996 عندما كان يضمن رئاسة الحكومة، ثم خسر الانتخابات بفارق 14 ألف صوت من اليهود المتدينين، لذلك لا يوجد ضمان لأحد، لكن احتمالات نتنياهو حسب التركيبة السياسية هي أقوى من أي مرشح آخر.

هناك مرشح منافس، نفتالي بينيت، وهو أيضا من اليمين المتطرف، لكن مشكلته أنه عاجز عن تشكيل حكومة من دون دعم من الأحزاب والقوائم العربية فيما لو تحالفت وحصلت على 15 -17 مقعدا، وهذا الشرط غير ثابت ولا يكفل لبينيت الاستمرار في السلطة بشكل مستقر. الحكم الأساسي في إسرائيل - نتيجة الأسباب الجوهرية التي ذكرتُها قبل قليل هو لليمين الإسرائيلي الذي يقوده اليوم نتنياهو، ولا أصدق أن زوجته سارة هي التي تدفعه باتجاه اليمين. أقوم بكتابة كتاب عن نتنياهو وأعلم بأنه شخص يميني متطرف، هو المايسترو لليمين الإسرائيلي الشعبوي والمتطرف وهو الشخص الذي بإمكانه الآن تشكيل حكومة في تأييد واضح من كل المتدينين - وهذا أحد إنجازات نتنياهو - نقل المتدينين اليهود من المركز واليمين إلى اليمين المتطرف، والأحزاب الصهيونية التي هي على يمين الليكود، والليكود هو حزب "الشعب الإسرائيلي"، لأن الشارع الإسرائيلي تحوّل من وسط ويمين إلى يمين ويمين متطرف، وبالتالي نتنياهو هو الشخص الوحيد الذي يحظى بهذا الدعم في الشارع الإسرائيلي بشكل تلقائي، على الرغم من الفساد وكل ما يعرفونه عنه، فهو ييقى يتطلع أولا إلى تعريف ما معنى "الأمة" أو المجموعة اليهودية المعرّفة في "قانون القومية"، وثانيا السيطرة على فلسطين التاريخية.

هذان هما الهدفان ويتطلبان تغييرا بنيويا في إسرائيل كالجهاز القضائي والمحاكم والإعلام والسياسة أو ما يسمى بالانقلاب القضائي، وهو في الحقيقة انقلاب نظام الحكم في إسرائيل، وهذا بالنسبة لنتنياهو إرثه الذي سيتركه للأجيال القادمة، السيطرة على فلسطين التاريخية ومنع إقامة دولة فلسطينية، وإعادة تعريف حدود المجموعة القومية في إسرائيل، ونلاحظ أن اليسار بسبب حاجته للعرب أصبح يتحدث بمصطلحات دولة المواطنين، ونتنياهو قال في اليوم الثالث للحرب على غزة إنه يقاتل الأعداء على 4 جبهات، وذكر في حينه آخر هذه الجبهات هي المواطنين العرب في الداخل، وهذا يتم التعبير عنه الآن في سياق الهجوم على النائب أيمن عودة.

"عرب 48": ماذا تقول في ما يحدث للنائب أيمن عودة في الكنيست، وهل هناك خطر إقصاء الأحزاب العربية؟

غانم: أيمن عودة هو أكثر عضو كنيست معتدل في السنوات الأخيرة، وهو باستمرار يخاطب اليسار الإسرائيلي، لكن المشكلة بالنسبة للوسط أو المركز الإسرائيلي بمن فيهم نفتالي بينيت وليبرمان وغانتس ولابيد كل هؤلاء هم أشبه باليمين في سنوات الثمانينيات والتسعينيات في فترة مناحيم بيغين، فهم لا يفكرون بشكل تكتيكي يستطيعون من خلاله استغلال وكسب العرب لصالحهم، بل على العكس هم يفكرون في الانقضاض على العرب سياسيا وأيديولوجيا، بصرف النظر عن التكتيكات، ولا يكترثون بأن هذا الانقضاض على العرب سيؤدي إلى صعود اليمين، لذلك هذا التحول يجب أن ننظر إليه بعين الخطر، لأن هذا يقول إن اعتمادنا على السياسة البرلمانية هو اعتماد خاطئ، وإسرائيل تغيرت جذريا، وهذا الوسط الذي تحول إلى يمين يجعلهم يصوتون ضد مصالحهم السياسية مع العرب، حتى ولو على حساب بقاء نتنياهو في السلطة.

لا أدري إذا كانت قد اتضحت هذه النقطة، وبكلمات أخرى أعني أن نتنياهو يمثل اليمين المتطرف الفاشي ليس فقط ضد الفلسطينيين، وإنما أيضا ضد من بقي من اليسار اليهودي، الذين أصبحوا يخافون على مكانتهم من نتنياهو واليمين الفاشي الذي يسعى إلى تحطيم المعارضة الداخلية ويعتبر الآخرين أعداء له وهو مستعد لاستخدام القوة ضدهم. لذلك نحن أمام خيارين كلاهما صعب، على الرغم من أنني لا زلت أراهن على ضرورة إسقاط هذه الحكومة إذا أمكن ذلك، لأن استمرار هذه الحكومة يعني استمرار القتل اليومي في غزة.

"عرب 48": هل إسقاط حكومة نتنياهو يعني نهاية الحرب على غزة؟

غانم: في اعتقادي، حتى لو انتُخب غانتس رئيسا للحكومة أو لبيد هذا لا يعني الانسحاب من غزة، يتوهم من يعتقد ذلك! في رأيي إسرائيل لن تخرج ولن تنسحب من غزة في المدى المنظور... لذلك فإن الخيارات الفلسطينية صعبة جدا وخياراتنا نحن المواطنون العرب في إسرائيل صعبة جدا على الرغم من أنني لا أقلل من أهمية قوتنا ولا زلنا أقوياء، ولا زالت لدينا إمكانية لو كان لدينا قيادة فلسطينية عامة تقوم بإعادة بلورة الموقف الوطني الفلسطيني بشكل وطني، وليس فقط لاعتبارات تكتيكية، وثانيا يجب إعادة بناء القائمة المشتركة وإعادة الثقة ولو بشكل نسبي بين الجماهير العربية وقيادتها، وأعتقد أنه يجب إجراء تغيير جذري في أداء لجنة المتابعة، مؤخرا أعلن محمد بركة أنه سيستقيل، لذلك حان الوقت لإجراء تغيير جذري.

الأساليب التي اتُبعت حتى الآن لم تعد ملائمة للتعامل مع التحديات التي تفرضها إسرائيل، ولم يعد من الممكن الاستمرار مع عدم تنظيم أنفسنا، وعدم إقامة صندوق وطني. لاحظ الحصار الذي يفرض على الجمعيات الأهلية، مركز "عدالة" مثلا، هل سيبقى هذا المركز يتسوّل ميزانياته من الصناديق الدولية؟ يجب أن يكون لدينا صندوق وطني يكلف المحامين حسب الحاجة. وإذا كان لدي ما أقوله لأيمن عودة والقيادة العربية فهو أن القيادة العربية لم تقم بواجبها تجاه غزة، حتى في سياق القانون.

"عرب 48": هل تعتقد أن عدم قيام القيادة العربية بواجبها نابع من الخوف أو من منطلق الحكمة والمسؤولية؟

غانم: الجانبان معا، عندما نتحدث عن المسؤولية نقصد التبعات التي تأخذ بالحسبان إمكانية الانقضاض علينا وهي جدّية، وقد يتم إخراج لجنة المتابعة خارج القانون، والتجمع الوطني الديمقراطي قد يكون مرشحا لإخراجه عن القانون، إذا كان أيمن عودة مرشحا لإقصائه عن الكنيست، فبالتالي فإن الجميع مرشحون لإخراجهم من دائرة القانون وهذا الأمر جدّي، لكن حتى في سياق القانون كان بإمكاننا أن نقوم بنشاط دولي أكبر ولا زالت حتى اليوم إمكانيات لدعم أهل غزة ماليا، وأن تقيم لجنة المتابعة مشروع توأمة بين عائلات عرب 48 وأهالي غزة - وهناك من يقوم بهذا الدور - بجمع الأموال ليس بمبالغ كبيرة حتى لا يظهر بأن هدفها دعم الصمود، وإنما مبالغ تمكن الأهالي من العيش، لأنه بعد كل هذه التجربة الفلسطينية، وبعد إخفاق المسار السياسي، وبعد إخفاق مسار الكفاح المسلح بشكله التاريخي لم يبق أمام الفلسطينيين إلا القناعة بأنه لا يوجد حل في المدى المنظور، ثانيا تنظيم أنفسهم هو المفتاح، ثالثا المشروع الأساسي الذي يجب أن يعاد له الاعتبار هو ما أسميه بـ"الصمود الفعّال" وهو التكافل بين أبناء المجتمع الفلسطيني، وهذا حصل بعد عام 1948، واستمر من سنوات الخمسين إلى السبعينيات، والصمود الفعال هو تكافل داخلي وتكافل بين المجموعات الفلسطينية بشكل أقوى.

المجتمع الفلسطيني مهدد بسبب هذه الحكومة الفاشية بالإبعاد عن وطنه... هناك تهديد مادي وجودي، ليس فقط لأهل غزة، فبالنسبة لإسرائيل الضفة الغربية هي امتداد لغزة وتحدث هناك عمليات تطهير عرقي في بعض الأماكن مثل مسافر يطا وغيرها، وثانيا بدأ تهديد وجودي لنا نحن في الداخل، موجود اليوم في النقب وقد يمتد إلى مناطق أخرى إذا ما بقي أداؤنا السياسي على حاله. لذلك فإن المشروع الأساسي الذي أقترحه في فترة ما بعد غزة للشعب الفلسطيني هو ما أسميه "الصمود الإيجابي"، فنحن إذا لم نستطع إعادة الاعتبار إلى العمل الجماعي بأساليب مدنية في سياق القانون، لأنني لا أريد تهديد مستقبل أي شاب أو فتاة في مجتمعنا، لكن في إطار الموجود نستطيع فعل الكثير، لذلك يجب علينا أن نستنفد الأدوات المتاحة لنا في سياق القانون بما في ذلك تجنيد الجماهير خلف فكرة "الصمود الفعال" وهي جملة من الفعاليات التي يقوم بها المجتمع أي تنظيم المجتمع من القاعدة الشعبية إلى أعلى، وهو بالطبع لن يشمل كل الناس، ولكن يكفي 60٪ - 70٪ منه، وأن يكون لدى القيادة الوعي بأنه جاء الوقت لتنظيم المجتمع لبناء قدرته الذاتية، لأن التهديدات الحقيقية وجودية، والحل تفعيل مجتمعنا بحيث يكون هو الضمانة لوجودنا.

"عرب 48": دعنا ندخل محور الحرب على إيران، ما هو تقييمك لهذه الجولة، وهل ترى فيها منتصرا وخاسرا؟

غانم: بالنسبة للحرب على إيران، لا يوجد منتصر وخاسر بالمعنى المطلق، واضح بأن إيران أقحمت في الحرب بعد ضرب محور المقاومة، حماس وحزب الله وسورية وغيرهما، وبرأيي لم يكن من الممكن شن الحرب على إيران لولا هذا الجانب، فلو كان هذا المحور كما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لكانت إسرائيل قد فكّرت مليا قبل أن تقدم على ضرب إيران، على الأقل كانت إسرائيل مرتدعة حتى وإن لم يكن محور المقاومة يملك القوة التي تمتلكها إسرائيل.

إسرائيل استطاعت أن تشن حربا على إيران بسبب ضرب هذا المحور، مسألة الربح والخسارة هي نسبية، فلو قلنا إن إيران استطاعت أن تهدد العمق الإسرائيلي؟ طبعا... إيران بصواريخها بعيدة المدى استطاعت أن تشل الحياة المدنية في إسرائيل بشكل كامل، وإسرائيل دولة صغيرة تستطيع أن تتحمل هذا الشلل لأسبوع أو أسبوعين، ولكنها لا تستطيع تحمله لشهور، لذلك بهذا المعنى إيران كان لديها إنجاز، طبعا الهدف الرئيسي لنتنياهو إسقاط النظام وهذا لم ينجح، وواضح أن جزءا من ترسانة الأسلحة كانت قد أبعدت أو نقلت من المواقع المرشحة للقصف، فإيران ليست دولة "غبية" وهذا من أُسس المعركة.

بالنسبة لإسرائيل كان هناك نجاحات تسجل لنتنياهو، وهي جزء من تراكم نجاحاته، بمعنى أنه استطاع أن يقحم الولايات المتحدة بشكل فعّال في الحرب إلى جانب إسرائيل، على عكس موقفها السابق الذي تمثل بالمفاوضات مع إيران. ثانيا، أوروبا التي ظهرت قبل الحرب وكأنها تنتقد إسرائيل في حربها على غزة، وقفت إلى جانب إسرائيل، وهذا يعيدنا إلى التفسير الثقافي فهي تدعم كل موقف ضد الإسلام وضد العرب، لكن الشيء المذهل أن العالم العربي صمت، ولم يعقد لا قمة عربية ولا حتى على مستوى وزراء الخارجية، وكان واضحا أن الدول العربية المركزية في الخليج لم تبادر للدعوة إلى عقد قمة عربية، بل آثرت الصمت، لذلك هذا أيضا إنجاز لإسرائيل لأنها استطاعت تحييد العالم العربي حتى من الانتقاد. الآن، هناك شيء يجب علينا التفكير به ألا وهو أن الولايات المتحدة منطقيا لم تكن معنية بإسقاط النظام في إيران، لأن النظام الإيراني هو التهديد المركزي لدول الخليج، والخليج هو المصدر الأول لتمويل صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة، فإذا سقط النظام الإيراني فإنه لا يعود هناك تهديد على دول الخليج ولن يحتاجوا للتزوّد بالأسلحة! لذلك فإن المسألة نسبية، لكن بالتأكيد إسرائيل استطاعت تحييد العالم العربي وتجنيد أوروبا وتجنيد الولايات المتحدة بشكل فعال، ونتنياهو خرج وكأنه منتصر على الأقل من حيث الحالة النفسية لإسرائيل، وهذا منحه إضافات في الاستطلاعات تنضاف إلى رصيد الدعم المرتفع له.

مشكلتنا كفلسطينيين أن ما تعتبره إسرائيل نجاحا هو يمهد للمزيد من الشراسة تجاه الشعب الفلسطيني، وأكثر سيطرة وتغوّل وكأن اليد مفتوحة أمامها بغياب أي قوة قادرة على التصدي لإسرائيل وردعها، وهذا الأمر يجب أن نفكّر فيه كفلسطينيين. قبل الحرب كان هنالك حديث عن توحيد الساحات، لكننا رأينا أن إسرائيل استفردت في غزة ومن ثم بحزب الله وبعدها سورية وإيران، وهذا يتطلب من الفلسطينيين التفكير الجدي في كيفية إعادة الاعتبار لكونهم شعب من خلال إعادة تنظيم الشعب الفلسطيني بغض النظر عما إذا كان اسمها منظمة التحرير أو المجلس الوطني، فالأداء الفلسطيني اليوم مترهل وصعب وهو جزء من التفسير لهذا التغول الإسرائيلي، ويجب أن يكون هناك تغيير فلسطيني كشرط أساسي لوقف التغول، وردع إسرائيل محليا ودوليا.

التعليقات