في التعريف المصطلح عليه في عقد مؤتمر الحركات الثورية والأحزاب السياسية هو لتقييم مسيرتها التاريخية أمام شعوبها واستخلاص الدروس والعبر عبر النقد الذاتي لها للنهوض مجددا كحركات رائدة لمشاريع وأحلام الشعوب بالتحرر وبناء الذات، وكي لا تتحول إلى العدمية والعقم المجاز تعبيره عن شلل وفشل التجربة في قيادة نضالات وتحركات الشعوب.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مفاجآت أعدت في مؤتمر فتح السادس في بيت لحم سيطلقها المؤتمرون ستفاجئ أولاً الاحتلال، كما قدم منظرو فتح والسلطة الفلسطينية قبل أسابيع من التئام المؤتمر، وأن الفتحاويين سيقولون كلمتهم.
ووصل إلى أسماعنا كلام كثير مازال يتردد وسيبقى كذلك دون أن يجد طريقه إلى الواقع الذي انتسبت له فتح في مؤتمرها السادس وسط تعقيدات الساحة الفلسطينية وتجاذبانها الفلسطينية والإقليمية، وهي تكرار ولوك الشعارات العبثية التي اتفق على تسميتها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عن سلوك " القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية "، الشعار الذي رفعته فصائل العمل الوطني الفلسطيني المعارضة لسياسة وسلوك القيادة آنذاك، وما آلت له تجربة النضال الفلسطيني جراء هكذا سياسات اتصفت بإدارة الظهر للشارع الفلسطيني عبر الفساد المستشري في أجهزتها.
وباختصار دون العودة إلى السرد التاريخي لوقائع المسلسل التفاوضي "المقاوم" الذي اعتبره فريق أوسلو المتمثل بقيادة فتح ورئيسها المنتخب بالتزكية هو ذاته تكرار لتجربتنا مع القيادة السابقة قبل ربع قرن بالحديث عن الاستفراد بكل السلطات والقرارات، واليوم برئاسة حركة فتح والسلطة وقيادة المنظمة بعقلية الهيمنة التي ظللنا نردد تقززنا منها.
وفي القراءة الأولى والأخيرة لنتائج مؤتمر فتح السادس ملامح الغلبة والانتصار لفريق سياسة المفاوضات وتهميش الفتحاويين الذين انتظروا عقدين من الزمن عقد المؤتمر للدخول عبر بوابة التغيير والإصلاح للحركة ومؤسساتها.
وكان من الواضح في كواليس المؤتمر الامتعاض الذي عبر عنه أكثر من طرف داخل تيارات فتح المتماهية مع الأطروحات الواقعية للرئيس عباس وتياره، وأخرى رفعت صوتها، لكن سرعان ما تم احتواؤها بفعل ضغط تيار الواقعية السياسية في فتح عبر إطلاق الشعارات الفضفاضة عن برنامجها السياسي في التعاطي مع بند الصراع مع الاحتلال، وإطلاق شعار الحق في المقاومة بكل الأشكال. والشكل الوحيد الذي يعتقد ويؤمن به تيار الواقعية السياسية للرئيس عباس على الأرض هو نموذج استمالة الطرف الإسرائيلي والأمريكي عبر نموذج نعلين وبعلين ونضال النخبة المقتصر على إضاءة الشموع وحمل الورود واليافطات كطريقة عصرية وحضارية، كما قال الرئيس عباس بعد انتخابه كرئيس للحركة في وصف نضال الحركة بالحضاري والواقعي، بينما على الجانب الآخر كانت تصريحات نتنياهو تتحدث عن عدم تكرار "أخطاء" الانسحاب وإخلاء المستوطنات كما جرى في غزة.
بتنا نعرف إلى أين تسير القيادة الفتحاوية الجديدة عبر تكريس سياسة سقفها المفاوضات مهما بلغت صلافة العدوان وعقم المفاوضات التي استمرت عقدين من الزمن، برغم التجربة التي أنتجت مزيدا من العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني، واتضاح تجربة النضال السلمي لمواجهة العدوان الإسرائيلي لم تنتج إلا مزيدا من ضياع الأرض والبشر.
الملهاة الكبرى في السياسة الفلسطينية هي في رفض القبول بقراءة وقائع السياسة الإسرائيلية المشبعة بالعدوان ضد الفلسطينيين، وإن لم تكن المؤتمرات تعيد قراءة واقع التجربة التفاوضية والملفات التي أصبح حجمها بمساحة فلسطين التاريخية ومساحة العالم العربي التي وصلها العدوان الإسرائيلي، وإذا اعتبر المؤتمرون أنه أتى على ذكر ملف الاستيطان واللاجئين والقدس على أنه إنجاز فتكفي الالتفاتة إلى التجربة السابقة ومآل تلك الملفات على الأرض، ومآل المفاوضات والاتفاقات من أوسلو إلى اتفاق الخليل، والى مفاوضات طابا إلى كامب ديفيد إلى تفاهمات جورج تينت إلى خارطة الطريق إلى شروط الرباعية، وجميعها تحكمها عقلية واحدة استعمارية استيطانية استعلائية يجب التعاطي معها بواقعية غير تلك التي يؤمن بها من حاول إيهامنا بواقعية أخرى لم تنتج إلا كوارث متلاحقة وأخرى تنتظرنا بفعل هكذا سياسات تجلد الذات وتنظر من المحتل المزيد من الجلد.
الاكتفاء بالتغني بالتاريخ النضالي للطلقة الأولى والرصاص الأول لفتح عبر الهرج والمرج الإعلامي لا يعفيها من المسؤولية التاريخية التي وجدت نفسها به كحركة نضالية حرة يجب إعادة الاعتبار لها برفض التقاعد الذي منح لها عبر أكذوبة التجديد وضخ القيادات الواقعية، وإقصاء الكادر المناضل الرافض لسياسة الترهل والفساد التي شابت العمل الفتحاوي.
أبرز ملامح التغيير الذي خرج به مؤتمر فتح السادس هو شعاراته الفضفاضة الخجولة والمرتابة من عقاب يتربص بها والمتصلة بقضايا النضال الفلسطيني التي أحيلت للمجهول مع ملفاتها التي انزلقت إلى مهاوي التردي السياسي في المجتمع الفلسطيني في محاولات فاشلة لاستمالة الإسرائيلي والأمريكي والغربي والمجتمع الدولي وما الفائدة إن خسرت ذاتها الفلسطينية وفازت بالتزكية!
التعليقات