31/10/2010 - 11:02

نابلس المتجددة في ملحمة الصمود الفلسطيني../ نواف الزرو

نابلس المتجددة في ملحمة الصمود  الفلسطيني../ نواف الزرو
ربما نكثف ما جرى ويجري في مدينة نابلس خلال سنوات الاحتلال بالقول:
- هناك حرب منسية تدور رحاها في مدينة جبل النار...!
- مدينة نابلس تتعرض لأطول حصار، وتواجه أوسع اجتياحات حربية منذ سنوات.
- تفجير منازل واعتقالات وقرصنة - وحظر للتجول مفتوح.
-النابلسيون يسطرون ملحمة مفتوحة في موسوعة النضال والصمود الفلسطيني.

فهذا الذي جرى فجر السبت/2009/12/26 في مدينة جبل النار، إنما من شأنه أن يوقظ النائمين والمخدرين الذين استكانوا لأوهام السلام والدولة القادمة، وغفلوا عن حقيقة الاحتلال الاحلالية الإقصائية.

فها هو معول الهدم العسكري الاغتيالي الاحتلالي يعود الى نبش الذاكرة المتعلقة حصرا بمدينة نابلس، وهاهي الاجتياحات والإغلاقات والحصارات الاحتلالية تداهم الجميع على حين غفلة، لتفرض إيقاعها مرة أخرى ربما بعد الألف على أهل المدينة وأهل فلسطين..!.

فبإقدامها على هذا الاجتياح الليلي الخفافيشي لقلب البلدة القديمة لنابلس، وقيامها بفرض الحصار المحكم على بعض حواريها ومبانيها، وإحكام الحصار الشامل على مداخلها، وبقيامها بإعدام عنان صبح (33) عاما من كتائب شهداء الأقصى، ورائد السركجي (38) عاما، وغسان أبو شرخ (وهو شقيق الشهيد نايف أبو شرخ أحد القياديين في شهداء الأقصى) بعد محاصرة واقتحام منازلهم بدم بارد"، تعيدنا سياسة الاغتيالات الاحتلالية الى الواقع مرة أخرى، بعد أن تاه الكثيرون في متاهات الانقسام والتشظي والمفاوضات الوهمية وانتظار الدولة..!.

وبإقدامها على هذه الإعدامات بدم بارد للأبطال الثلاثة، إنما تربط ربطا جدليا واستراتيجيا بين ما يجري هناك في غزة من حصارات وأطواق وتجويع تركيعي ومن حروب محارقية، وبين ما يجري في نابلس وأنحاء القدس والضفة من سياسات تطهيرية متكاملة.

فالسياسات الإسرائيلية تجاه الضفة بعامة ونابلس بخاصة هي هي لم تتغير، بل هي تتكرس، والحصارات والأطواق والإغلاقات والاغتيالات والاعتقالات هي هي لم تتغير ايضا.
والاستيطان السرطاني الذي ينهب الأرض والشجر ويمزق أوصال الضفة ويدمر مقومات الدولة، إنما يتمدد من يوم ليوم ...!

والاستهداف الاحتلالي لمدينة نابلس العريقة هو هو لم يتغير برغم كل المشاريع الاقتصادية المعدة لنابلس بغية خلق المدينة الجديدة والإنسان الفلسطيني الجديد..!.

فكيف يمكن أن يصنع فلسطيني جديد مسالم معايش وديع في ظل احتلال وحشي استعماري إلغائي..!.
فنابلس "التاريخ والتراث والأصالة والعراقة والمنتمى، تحمل من الجراحات أثقالا وأحمالا، فكل حجر من حجارتها، كل شجرة من أشجارها، كل زهرة من أزاهيرها، كل طير من أطيارها، وكل نسمة من أنسامها، تحكي أنها اعتدي عليها في ليلة من لياليها الليلاء، وأن قدما غريبة قد داست ترابها الطهور، لكنها لم تترجل عن صهوة الإباء والكبرياء-كما يوثق لنا ابن نابلس البار وشاعرها لطفي زغلول"..!

ف"ما أصعب أن يطأ الغزاة المغتصبون مساجدها ، مآذنها، معاهدها، مشافيها، عياداتها، أسواقها التجارية، بيوتاتها الآمنة بيتا بيتا، وأن ينالوا منها منالا، وما أقسى أن يعيثوا بها خرابا وتدميرا، حزينة هي خلف القضبان والحواجز الأمنية، لكنها لا تعرف الإنكسار، ولا طأطأة الرأس-يضيف زغلول".
ويأتون ليتحدثون عن خلق مدينة جديدة، وعن صناعة فلسطيني-نابلسي- جديد...؟!

لذلك- حينما نتابع المشهد المروع الماثل أمامنا في فلسطي، ونرى تلك الحملات الحربية التدميرية الاغتيالية المتلاحقة المكثفة المركزة.. وذلك الحصار القمعي التنكيلي العقابي الإرهابي المستمر بلا توقف وعلى مدى سنوات عديدة ضد مدينة نابلس وقراها ومخيماتها على نحو خاص، تتجدد الأسئلة -المزمنة- على الأجندات الفلسطينية الفصائلية المختلفة:

- لماذا نابلس على وجه التحديد..؟.
- لماذا لم تشهد المدينة على مدى سنوات احتلالها يوم راحة وارتياح من جحيم الاحتلال...؟!
- لماذا كل هذا الهجوم الاحتلالي التدميري المحموم المتواصل ضد المدينة وأهلها..؟.
- وما الذي يريده جنرالات الاحتلال من وراء تدمير المدينة وحضارتها على هذا النحو الإجرامي السافر الذي تابعناه في بدايات الانتفاضة على امدى ربما اربع او خمس سنوات متصلة....؟.

حقائق كبيرة تقف عمليا وراء الأجندة الاحتلالية الاستهدافية لمدينة نابلس، وكلها على تماس مباشر واستراتيجي مع مكانتها في الخريطة الجيوسياسية الفلسطينية والنضالية على نحو حصري.
تستهدف استراتيجية الاحتلال تدمير المقومات والحضارة والتراث وتستهدف النيل من روح الصمود والمقاومة.

فإن توقفنا أمام العنوان التاريخي الحضاري التراثي، فنابلس تحتل-كما كنا وثقنا في دراسات سابقة- المكانة المتقدمة في التاريخ العربي وفي فلسطين إلى جانب أقدم مدينة في فلسطين - أريحا ، بل إن عبق التاريخ والحضارة العربية في فلسطين يتكثف في نابلس القديمة.. كما في القدس القديمة والخليل القديمة.

وإن تحدثنا اقتصادياً، فإن نابلس تعتبر العاصمة الاقتصادية لفلسطين بجدارة، وطاقاتها الاقتصادية ـ المالية والصناعية والزراعية والتجارية ـ تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الفلسطيني كله.
وإن نظرنا للمدينة من الزاوية الجغرافية فهي تحتل موقعاً استراتيجياً متميزاً في الخارطة الفلسطينية.

أما سياسياً ونضالياً، فللمدينة وأهلها تاريخ وطني نضالي طويل حافل ناصع مشرق في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وقد برز وتميز هذا الدور على نحو خاص جداً خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 - 1993، وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية - انتفاضة الأقصى ـ 2000.

ما يقونا إلى استخلاص بالغ الأهمية في هذه الأيام، أن حملة التدمير والحصار ضد نابلس تنطوي أيضاً على بعد حاسم في مواجهة مشروع الاحتلال، هو البعد المعنوي الصمودي، وأن الاحتلال إنما يستهدف إلى جانب، التدمير الشامل للحضارة والتراث والتاريخ الذي مارسه في نابلس على مدى السنوات السابقة، ضرب المعنويات وروح التحدي والصمود لدى أهالي نابلس، الأمر الذي أدركه الأهالي رغم ضخامة الهجمة والدمار والحصار التجويعي ضدهم..!

مجددا يبرهن أهل مدينة جبل النار أن المدينة عصية على الكسر، وأن الاحتلال لن ينال منها مهما طال الحصار ومهما تواصلت الاغتيالات والاعدامات والاعتقالات.

كثيرة هي المآسي والكوارث التي خلفتها الاجتياحات العسكرية الاحتلالية على صعد شتى، إلا أن استهداف نابلس القديمة بميراثها التاريخي والحضاري قد ترك جراحات من الصعب اندمالها.

النابلسيون ما زالوا يتذكرون زلزال العام 1927 الذي ضرب فلسطين بعامة ونابلس بخاصة، وبرغم شدته وقسوته فإن ذلك الزلزال لم ينل من هذه المدينة ما نالته الاجتياحات العسكرية الاحتلالية التي استهدفت عمداً متعمداً النيل من تراثها الحضاري وانتمائها إلى التاريخ والأصالة، فصورة نابلس القديمة التي عرفتها الأجيال تلو الأجيال قد تغيرت بعض ملامحها، فثمة فراغات غريبة لا تكاد تصدقها العيون تشاهد لأول مرة في تاريخها جراء الاجتياحات البربرية، وثمة غياب لمعالم حضارية تاريخية عاشت قروناً مع الأجيال.

ولكن - برغم كل هذه القسوة والشراسة الاحتلالية، فإن نابلس تبقى إضاءة في الفضاء الفلسطيني...!
وتبقى متجددة في ملحمة الصمود الأسطوري في وجه مشروع التدمير والإلغاء الاحتلالي...!

التعليقات