31/10/2010 - 11:02

"فلسفة بقاء المستعمرين" في الدولة الفلسطينية المنتظرة!../ نواف الزرو

الإدارة الأمريكية تعرض على الحكومة الاسرائيلية التوصل الى ما أسموه "عهدة بتجميد الاستيطان مقابل تطبيع عربي شامل"، وكأن المشكلة هي مشكلة تجميد، وليس مشكلة تفكيك للاحتلال والاستعمار الاستيطاني السرطاني الذي يلتهم الارض الفلسطينية بلا توقف، وكأنها ليست مشكلة حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني بالاستقلال التام...!

الحاخام يعكوف سافير يرى"أن الانتقادات الدولية للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية سخيفة، لأن الله هو الذي وعد اليهود بهذه الأرض، وعلى العرب أن يرحلوا إلى مكان آخر/ ا.ف.ب – 2009/5/30 "، وقال هذا الحاخام الذي يدير مدرسة دينية في مستوطنة "حفات جلعاد" الصغيرة العشوائية "إن هذه الأرض هي أرض يهودية"، وأوضح "إنها ديارنا"، ويعني بذلك القول بأن الضفة الغربية التي احتلتها الدولة العبرية إبان حرب حزيران1967 تنتمي الى اليهود.

واستخدم رئيس وزرائهم نتنياهو، أثناء استضافته لوزير الخارجية الألماني، فرانك شطاينماير، مصطلحا نازيا على نحو خاص للتنديد بمطالبة الفلسطينيين بإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، فقال:"إن الضفة الغربية لن تكون "يودينراين"، أي نظيفة من اليهود"، وذلك في إشارة واضحة تعني إبقاء المستوطنين في الضفة الغربية/ الوكالات/10/07/2009 ".

كما جاء أن نتنياهو حث الوزراء في حكومته على استخدام هذا المصطلح لدى تطرقهم إلى مسألة الاستيطان في الضفة الغربية، وذلك دفاعا عن المستوطنات، وعن إصرار إسرائيل على الاعتراف بها كدولة يهودية.

وكان دان مريدور نائب رئيس الحكومة، قد حث صحفيين أجانب ايضا على أن يسألوا ما إذا كان "الفلسطينيون سيقبلون أن يعيش اليهود بينهم أم أن ذلك سيصبح غير مسموح به تماما"، وقال مريدور في حينه إن "نظيف من اليهود" هو المصطلح الذي كان يستخدم ذات يوم في دول أخرى، مشيرا إلى ألمانيا النازية.

ولكن- رغم هذه الأفكار والأيدويولوجيا وسياسات التطهير العرقي وحقائق الامر الواقع الاستيطاني التي تبنى على أرض الضفة والقدس على مدار الساعة، نتابع مع الأسف بعض التصريحات الفلسطينية التي تبدي تسامحا منقطع النظير تجاه المستعمرات..!.

فبعيدا عن معطيات التاريخ والحضارة والتراث والهوية والحقوق الشرعية، وبعيدا عن حسابات الحق والباطل، وبعيدا عن الحقيقة الكبيرة السافرة الساطعة بأن دولة "إسرائيل" قامت على سياسات التطهير العرقي والمحارق والمجازر والتدمير الشامل للمجتمع المدني الفلسطيني، وبعيدا عن الحقيقة الكبيرة الثانية أن "إسرائيل" هي أكبر مافيا لسرقة الأراضي والأوطان والتراث على وجه الكرة الارضية، وأنها أكبر دولة خارجة على كافة القوانين والمواثيق الأممية، بعيدا عن كل ذلك وغيره، واستنادا إلى ما يطلقون عليه "السياسة الواقعية- البراغماتية-" و"الاعتراف بموازين القوى وحقائق الأمر الواقع"، يختار عدد من القادة والمنظرين والكتاب الفلسطينيين (وهم قلة) الحديث بفلسفة جديدة تتعلق بمشكلة مئات آلاف المستعمرين اليهود المنتشرين والمتمددين سرطانيا في جسم الضفة الغربية، جوهرها "أنه يمكن استيعاب هؤلاء المستعمرين في إطار الدولة الفلسطينية العتيدة....!

وفي هذا السياق أطلق رئيس وزراء فلسطين في رام الله سلام فياض مؤخرا تصريحا ليس من شأنه إلا أن يشرع ذلك الوجود الاستعماري الاستيطاني على أرض الضفة الغربية بعد أن نجحت دولة الاحتلال بتهويد كامل فلسطين المحتلة /1948...!.

فقد رسم فياض رؤيته للدولة الفلسطينية المستقبلية خلال مؤتمر حول الشرق الأوسط عقد في ولاية كوليرادو الأمريكية السبت 4 / 7 / 2009 قائلا: "اليهود المستوطنين الذين يختارون العيش في الدولة الفلسطينية المستقبلية سيكون مرحبا بهم وسيتمتعون بالحرية الدينية الكاملة وبحقوق الإنسان الكاملة وسيتم الحفاظ علي حقوقهم المدنية"، ونقل موقع صحيفة معاريف 2009/7/6 عن صحيفة ( أسبان ديلي نيوز) التي أوردت النبأ، بأن أقوال فياض جاءت ردا علي سؤال طرحه جيمس ويلس رئيس جهاز الـ"سي اي ايه" الأسبق الذي قال لفياض: يعيش داخل إسرائيل حوالي مليون وربع مليون فلسطيني( فلسطيني 48) يتمتعون بحريه كامله، فهل في حالة أراد اليهود العيش في مدن مثل الخليل أو في مكان آخر في الدوله الفلسطينية المستقبلية وتكون تلك الدولة دولة قانون، فهل سيحصل اليهود على نفس الحقوق التي يحظي بها فلسطينو الداخل؟

فرد فياض قائلا "لن أتجادل معك، فالدولة الفلسطينية التي أطمح لها ستتمتع بالقيم العالية والتسامح والاحترام المتبادل وستقبل بالتغير الثقافي دون أن يظلم أحد فيها، فاليهود الذين سيختارون العيش فيها سيحظون بجميع الحقوق السياسية السياسية وبقيم التسامح والتعايش والاحترام المتبادل وتفاعل الثقافات والاديان، ولن تقل حقوقهم بالتأكيد عن تلك التي يتمتع فيها عرب الداخل في إسرائيل".

فهل يا ترى يناور فياض على ويلس أم انه جاد...؟!
وهل نسي السيد فياض أن أولئك المستعمرين الإرهابيين ليسوا رعايا في دولة فلسطينية مفترضة، وإنما هم غزاة مدججون بالأسلحة يمارسون الإرهاب المنفلت ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس!.

وهل نسي أيضا أن أولئك المستعمرين نجحوا في إقامة دولة خاصة بهم يحتشد فيها حوالي 240-260 مستعمرة يهودية منتشرة في جسم الضفة الغربية كالسرطان، ويستوطنها جيش ضخم من حوالي 500-650 الف مستعمر يهودي!.
ونسي ربما الحقيقة الأكبر أن هناك إجماعا سياسيا استراتيجيا اسرائيليا على عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة سيادية!.
فالأراضي المحتلة ترزح تحت الحصارات والأطواق والحواجز القمعية والتجويعية، والمصادرات والجدران والاستيطان وهجوم التهويد على المدينة المقدسة، وبعد كل هذه الجرائم الارهابية الاحتلالية نسمع ليس فقط أسفا وألما على مقتل الجنديين الصهيونيين في الخليل!.
بل ونسمع استعدادا لتشريع وجود أولئك المستوطنين الإرهابيين لصوص الأرض والتاريخ...؟!.
فحينما يشرع رئيس وزراء فلسطين بقاء أولئك المستوطنين الإرهابيين على تلك المساحات الشاسعة من الأراضي العربية المسروقة والمهودة، فان هذا هو الخراب الفلسطيني بعينه!

كان من الأجدر وطنيا وديبلوماسيا وسياسيا واستراتيجيا أن يطلق فياض رسالة فلسطينية واضحة حاسمة جوهرها: "طالما هناك احتلال واستيطان.. هناك انتفاضات ومقاومة وتضحيات – ولا حل إلا برحيل الاحتلال رحيلا شاملا عن الأرض المحتلة".

التعليقات