30/10/2018 - 10:23

امرأة رئيسة لتونس

على الرغم من بعض التحولات التي طرأت على خطاب الإخوان المسلمين في المسألة السياسية، إلا أن المرشد العام الحالي لا يزال متمسّكا بالاعتراض على تولي المرأة والقبطي منصب رئاسة الدولة. وله في هذا الشأن صولاتٌ وجولاتٌ...

امرأة رئيسة لتونس

تفكّر حركة "النهضة" في ترشيح امرأة لخوض الرئاسيات القادمة في تونس. جاء ذلك على لسان عبد اللطيف المكي، وزير الصحة السابق وعضو البرلمان الذي صرّح "أعتقد أن تكون مرشحتنا امرأة لأننا نريد أن نفاجئ الرأي العام بمفاجأة إيجابية".

لم يكن الأمر يسيرا، حتى تصبح المرأة عند بعض الإسلاميين أهلا لتولّي أعلى مراتب الحكم. فنظريات الفقه بقيت قرونا طويلة منحازة للرجال، ورافضةً فكرة تولي النساء ما كان يطلق عليها "الولاية الكبرى"، وحرّم عليها بعضهم حتى تولي الوزارة أو مهنة القضاء. كان عموم الفقهاء يقدحون في أهليتها وفي قدرتها على إدارة شؤون الدولة. ولا يزال هذا الرأي سائدا في أوساط من يعتبرهم كثيرون الجهة الشرعية التي يستفتونها للتمييز بين الحلال والحرام.

يقول الشيخ محمد صالح المنجد في موقع "الإسلام سؤال وجواب" إنه "دلت الأدلة من الكتاب والسنة على عدم جواز تولّي المرأة للولايات العامة، كالخلافة والوزارة والقضاء وما أشبه ذلك". ويؤسّسون موقفهم هذا على قوله تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/ 34، التي قال في شأنها القرطبي رحمه الله أي يقومون بالنفقة عليهن، والذبّ عنهن، وأيضاً: فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. كما ذكر ابن كثير: الرجل قيِّم على المرأة، أي هو رئيسُها وكبيرُها والحاكم عليها ومؤدّبها إذا اعوجّت". 

لم يكن هذا موقف الفقهاء فقط، وإنما قال بما يشبهه فلاسفة ومفسّرون كبار، ولم يخرج عن ذلك إلا شخصياتٌ قليلةٌ كانت تتمتّع برؤيةٍ جريئةٍ مثل الفيلسوف العقلاني ابن رشد الذي قال: "ينبغي أن تقوم النساء في المدينة بالأعمال نفسها التي يقوم بها الرجال، فيكون من بينهن محاربات وفيلسوفات وحاكمات وغير هذا". 

على الرغم من بعض التحولات التي طرأت على خطاب الإخوان المسلمين في المسألة السياسية، إلا أن المرشد العام الحالي لا يزال متمسّكا بالاعتراض على تولي المرأة والقبطي منصب رئاسة الدولة. وله في هذا الشأن صولاتٌ وجولاتٌ كان جديدها الانتخابات التي أدت بمحمد مرسي، إلى رئاسة الجمهورية في مصر. 

لم يعد هذه الموضوع محل جدل في تونس منذ فترة طويلة، فحركة "النهضة" شرعت، منذ الثمانينات، في تجاوز مسألة الفصل بين الجنسين، وشرعت في إدماج العنصر النسائي ضمن مختلف هياكل الحركة، بما في ذلك مجلس الشورى والمكتب التنفيذي.حصل ذلك بفضل النقاش العاصف الذي ولّده الخلاف مع تيار الإسلاميين التقدميين، وأيضا بسبب التأثر بتجربة الإسلاميين السودانيين في عهد حسن الترابي رحمه الله. وبعد الثورة، كاد الخطاب المحافظ أن يجرف "النهضة" في اتجاه معاكس لحركة التاريخ، لولا الضغوط الضخمة التي مارسها المجتمع المدني، والتي قطعت الطريق أمام هذه الانتكاسة التي كانت محتملَة. 

مساواة النساء في الحقوق السياسية والمدنية مع الرجال معركة مفتوحة في تونس، وفي العالمين العربي والإسلامي، ولم تستكمل في عديد من جوانبها. لكن المؤكد أنها معركة مشروعة ورابحة في الآن نفسه، وهو ما يثبته الواقع المحلي ضمن سياقٍ كوني متحرّك. 

مع ذلك، لم تحسم حركة "النهضة" مسألة ترشيح سيدة للرئاسيات المقبلة، فالموضوع مطروح للنقاش بسبب عاملين أساسيين، فالحركة من جهة لا تزال متردّدة في خوض الانتخابات الرئاسية بمرشّح منها ويمثلها، ومن جهة أخرى قد "تتعاقد مع حليفٍ يصبح كأنه أحد أبنائها"، حسب قول المكي. كما تنتظر الحركة قرار زعيمها، راشد الغنوشي، الخاص باحتمال أن يكون هو المرشح، على الرغم من اعتراض الكوادر التي ترى في ذلك مغامرة غير مضمونة، وقد تضرّ بصورة الحركة. 

إذا كان القرار النهائي لصالح ترشيح امرأة، فإن ذلك سيجعل "النهضة" أول حركة إسلامية في المنطقة تدفع شخصية نسائية نحو منصب رئاسة الدولة. ولا شك في أن تجربةً من هذا القبيل ستكون لها تبعاتٌ على أكثر من صعيد.

(من صحيفة "العربي الجديد") 

 

التعليقات