15/11/2018 - 17:31

خيبة ليبرمان

أما في المستوى السياسي العام، فإن خطوة نتنياهو ناتجة عن إدراك بعدم وجود حل عسكري لقضية القطاع، وأن الحل في غزة يجب أن يكون سياسيا، بل أن التوتر الأخير الذي نتج عن فشل عملية عسكرية في قلب القطاع

خيبة ليبرمان

الشخص الذي هدد بقصف السد العالي وإغراق مصر بمياه النيل، وتوعد باغتيال قادة "حماس" و"الجهاد" وإغراق غزة بالدماء، غادر بعد سنتين ونصف السنة تولى خلالها مسؤولية آلة الحرب الإسرائيلية دون أن يحقق أيا من أحلامه الطوباوية، بل أنه خرج يجرجر أذيال الخيبة والهزيمة التي ألحقتها به بضعة صواريخ بدائية الصنع، أطلقتها المقاومة في قطاع غزة.

وبغض النظر إذا كان الانتصار يحتسب لحركة حماس أم لبنيامين نتنياهو، الذي اعتاد التنكيل بخصومه السياسيين، حيث نتذكر جميعنا ما حل بسلف ليبرمان، الجنرال المتقاعد بوغي يعالون، الذي كان سيشكل اليوم لو كتب له البقاء في منصبه منافسا قويا لنتنياهو على رئاسة الليكود ورئاسة الحكومة؛ ولكن بغض النظر عن كل، ذلك فإن النتيجة هي إظهار ليبرمان أمام جمهوره وأمام خصمه اللدود، نفتالي بينيت،  كنمر من ورق، وربما  إيصاله إلى نهاية طريقه السياسي.

وفي وقت يحار فيه المراقبون في خيارات نتنياهو المقبلة، والتي تنقسم أساسًا بين سيناريو الانتخابات المبكرة أو سيناريو الانصياع لإنذار "البيت اليهودي" وتعيين بينيت وزيرا للأمن، لا يستبعد آخرون أن يعلن نتنياهو عن موعد الانتخابات، كما هو مرجح في آذار/ مارس المقبل، وأن يمنح بالتزامن لبينيت حقيبة الأمن، في الفترة الانتقالية التي لا تتجاوز بضعة أشهر، ليتوقف بعدها عن المزايدة على ليبرمان ويحمل معه "إنجازاته" الأمنية الى صندوق الانتخابات القريبة.

نتنياهو الذي يتمتع بقدرة وخبرة سياسية تفوق ليبرمان، كان يعرف أن وقف إطلاق نار مع غزة، بالشكل والتوقيت الذي تم فيه، سيتسبب له ببعض الضرر المؤقت الذي يمكن امتصاصه حتى موعد الانتخابات. في المقابل، فإن تورطه في حرب على غزة قد تؤدي إلى الإطاحة به في الانتخابات، هذا بالإضافة إلى إدراكه بأن النقصان في شعبيته  لن يزيد من شعبية ند قوي كحزب العمل، مثلا، بل سيستوزع على مجموعات سياسية من المعسكر نفسه، اليمين، تبقى مهما كبرت مجرد زعانف أو أذرع لحزب الليكود الذي يرأسه.

أما في المستوى السياسي العام، فإن خطوة نتنياهو ناتجة عن إدراك بعدم وجود حل عسكري لقضية القطاع، وأن الحل في غزة يجب أن يكون سياسيا، بل أن التوتر الأخير الذي نتج عن فشل عملية عسكرية في قلب القطاع، قد جاء في غمرة حل سياسي ظهرت مقدماته في نقل الأموال القطرية التي تمت بترتيب إسرائيلي - مصري لدفع رواتب الموظفين، والتي سبقها ضخ الوقود اللازم لزيادة ساعات التزود بالكهرباء في غزة.

وتندرج تلك الترتيبات في إطار "التسوية المصغرة" التي تسعى إسرائيل إلى التوصل إليها مع حماس، والتي سيتم بموجبها وقف إطلاق النار ووقف البالونات الحارقة مقابل التخفيف من قبضة الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة، وهي ترتيبات تجري للمرة الأولى مقابل حماس مباشرة ودون إشراك السلطة الفلسطينية، فيما أعربت إسرائيل في إطارها عن الاستعداد لتحويل أموال الضرائب التي تجبيها من قطاع غزة إلى القطاع مباشرة، ودون وساطة السلطة.

ويراهن نتنياهو على أن تلك الترتيبات، التي يدخل ضمنها التعامل مع غزة ككيان مستقل عن الضفة الغربية من شأنها أن تخلد حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة والقطاع، وتحرم الفلسطينيين من تمثيل موحد أمامها وأمام العالم، وهو أمر يخدم إستراتيجية اليمين الإسرائيلي الذاهبة باتجاه الانسحاب من حل الدولتين، من خلال عزل غزة وتكريس حالة مناطق الحكم الذاتي في ما يتبقى من الضفة الغربية بعد ضم مناطق ج إلى إسرائيل، واعتبار غزة هي الدولة الفلسطينية العتيدة.

التعليقات