02/10/2025 - 16:17

خطة ترامب نتاج معادلات القوّة التي فرضتها إسرائيل على دول المنطقة

إنّ إخراج العرب لأنفسهم من الصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي لا يعني أنّهم أصبحوا خارجه فعليًّا، لأنّ المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، وإن اتّخذ من فلسطين موطئ قدم وقاعدة أساسية، فإنّه يستهدف المنطقة العربية بأسرها...

خطة ترامب نتاج معادلات القوّة التي فرضتها إسرائيل على دول المنطقة

(Getty)

انسحبت أو حيّدت نفسها اختياريًّا عن الصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي، بعد أن وقّعت بعضها "اتفاقات سلام" معها (مصر)، وهُزمت أخرى وانكسرت في حرب "عالمية" (العراق)، وانكفأ بعضها الآخر عجزًا (سورية)، لتُشطب بذلك "العروبة" من معادلة الصراع، ويتحوّل إلى صراع فلسطيني-إسرائيلي.

وإذا ما استثنينا الحرب على العراق، التي كان أحد أهدافها الرئيسية تدميره كقوّة عربية كاسرة للتوازن لتكريس استمرار هيمنة إسرائيل على المنطقة، فإنّ آخر حرب خاضها العرب ضد إسرائيل، وهي حرب تشرين/أكتوبر 1973، يكون قد مضى عليها نصف قرن من الزمن، واجه الفلسطينيون خلاله حروبًا وعدوانات إسرائيلية لم تتوقّف، بدءًا من حرب لبنان عام 1982، التي احتلّت فيها إسرائيل أوّل عاصمة عربية بعد القدس، إثر محاصرتها لـ90 يومًا وإخراج المقاومة الفلسطينية منها، مرورًا بالانتفاضتين الأولى والثانية، والعدوانات الإسرائيلية المتعاقبة على قطاع غزّة، وانتهاءً بحرب الإبادة الجارية في غزّة.

وخلال الأربعين سنة وأكثر التي فصلت بين الحربين الكبيرتين، شنّت إسرائيل حربًا ممنهجة على الفلسطينيين، بهدف كسر آخر معاقل المقاومة لمشروع استعمارها الاستيطاني في كل فلسطين، وبسط هيمنتها على المنطقة. ولم يُحرّك "العرب" و"المسلمون" ساكنًا لمنع تغوّل إسرائيل على الفلسطينيين، أو كبح تمدّدها في المنطقة، بل تركوا إسرائيل تستفرد بالمقاومة الفلسطينية في بيروت، وتحاصر عرفات وتسمّمه في رام الله، قبل أن يتركوا غزّة تُدمّر وتُذبح وتموت جوعًا في أبشع حرب إبادة شعب عرفها التاريخ الحديث، دون أن يقدّموا لها كسرة خبز أو شربة ماء، في حين قدّموا لعرّاب الإبادة الأميركي دونالد ترامب تريليونات الدولارات.

عودة على بدء، فإنّ إخراج العرب لأنفسهم من الصراع العربي/الفلسطيني-الإسرائيلي لا يعني أنّهم أصبحوا خارجه فعليًّا، لأنّ المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، وإن اتّخذ من فلسطين موطئ قدم وقاعدة أساسية، فإنّه يستهدف المنطقة العربية بأسرها، دولًا وثرواتٍ وأراض ومقدّرات استراتيجية. فإسرائيل تسعى إلى تعطيش مصر التي وقّعت معها اتفاق سلام، من خلال دعم إقامة سدّ النهضة ومساندة إثيوبيا عسكريًّا، ولا تتورّع عن تمزيق سورية وتفتيت لبنان وتفكيك العراق، ضمن مخطّطها الأشمل لتفتيت المنطقة العربية وتجزئتها.

فهي تقيم علاقة تاريخية مع "شمال العراق"، وتحالفًا مع "جنوب السودان"، وتشمل بعين العطف "دروز" سورية، التي تحتلّ مساحات واسعة من أراضيها بعد أن دمّرت مقدّراتها العسكرية والاستراتيجية، رغم مسالمة نظامها الجديد.

وإن كانت إسرائيل تميّز تكتيكيًّا بين دول عربية وإسلامية "معتدلة" تدور في الفلك الأميركي، وأخرى لا تدور في هذا الفلك، كما كانت الحال مع مصر وسورية سابقًا، أو إيران وتركيا، فإنّ مخطّطاتها الاستراتيجية للتمدّد والهيمنة لا تميّز بين هذه الكيانات؛ فهي تريد لكلٍّ منها أن يكون مفكّكًا، عاجزًا، ضعيفًا، وخادمًا لمصالحها ليس أكثر.

وهي تستغلّ الدعم الأميركي اللامحدود الذي توفّره لها إدارة ترامب، لتقزيم حلفاء أميركا الآخرين في المنطقة. فنراها، بعد أن هدمت معبر رفح واحتلّت محور فيلادلفيا، وجثم جيشها بمعدّاته الثقيلة على الحدود المصرية في مخالفة صريحة لاتفاقات كامب ديفيد، تقوم طائراتها، بضوء أخضر أميركي أو بدونه، بالإغارة على مبانٍ سكنية في قطر، في خرق واضح لأمن الخليج، ورسالة صريحة للسعودية، وتلويح بالقبضة القوية في وجه تركيا، الحليفتين الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة.

والحال كذلك، فلا بدّ أن تكون خطة ترامب المتعلقة بغزّة ثمرة لمعادلة القوّة التي فرضتها إسرائيل على الدول العربية والإسلامية، التي اجتمع عشرة من أهمّها في المنطقة والعالم معه للإعلان عنها ومباركتها. إنّها نتاج ميزان القوى القائم، ليس مع المقاومة في غزّة، بل مع الدول العربية والإسلامية التي جرى التفاوض معها، أو بينها وبين إسرائيل، بشكل غير مباشر، قبل التوافق على خطة ترامب التصفوية.

مرة أخرى، يكتشف الفلسطينيون أنّ العرب والمسلمين لم يكتفوا بالفشل في أن يكونوا عونًا لهم في حرب الإبادة التي تشنّها عليهم إسرائيل، بدعم أميركي منذ سنتين فقط، بل إنّه يُجري توظيفهم أميركيًّا لقلب المعادلة العالمية، وإنقاذ إسرائيل من عزلتها الدولية. أو كما قال نتنياهو: تحويل عزلة إسرائيل الدولية إلى عزلة لحماس، بعد أن اكتسبت إسرائيل، بهذا الاتفاق، تأييد العالم وعلى رأسه الدول العربية والإسلامية.

التعليقات