النقاش الدائر حول طريقة انتخاب القيادات السياسية، بما في ذلك لجنة المتابعة، ليس بجديد. وكل مرة، وغالبًا في الفترة التي تسبق انتخاب رئيس اللجنة، يتمحور النقاش حول من سيتولى رئاسة اللجنة، من هم الأعضاء، وماذا عن تمثيل النساء والشباب.
مما لا شك فيه أنّ قضية التمثيل النسائي في مواقع اتخاذ القرار وفي هيئاتنا التمثيلية والسياسية، هي قضية جوهرية وملحّة. ولكن، وعلى ضوء النقاش الدائر اليوم، أرى أنه من الضروري التذكير بأنّ هذه القضية لا تقتصر فقط على وجود مرشحات نساء لرئاسة وعضوية اللجنة. الموضوع الأهم من ذلك هو وجود فرص حقيقية للنساء للفوز بهذا المنصب، إذ لا فائدة أبدًا من وجود 10 نساء مرشحات ومرشح رجل واحد، إذا لم تكن هناك، من البداية، فرصة فوز حقيقية لمرشحة امرأة.
ومن هنا، فإن التركيز والنقاش يجب أن يتمحورا حول كيفية خلق واقع تحظى فيه النساء بفرص حقيقية ومتساوية في الترشح والفوز. وهذا الواقع المنشود من الصعب أن يتحقّق في ظل المنظومات المجتمعية والسياسية السائدة، والتي، في حقيقة الأمر، هي ما يعيق ويحدّ من تمثيل النساء والشباب.
وفي الحديث عن لجنة المتابعة، فإنّ أيّ حديث عن التمثيل النسائي في رئاستها وعضويتها لا يمكن أن يكون جادًّا إذا لم يتناول بنية وتركيبة اللجنة وآليات الترشح والانتخاب المعمول بها، والتي جميعها لا تمنح فرصًا حقيقية ومتساوية لمرشحات نساء. وهذا يشمل المبنى الحزبي، وما يفرزه فعليًا من تحالفات ومصالح فئوية وضيقة، والتي غالبًا ما تخدم الهيمنة الذكورية واستمرارها، وما يترتّب على هذا المبنى من حيث عدد وتوزيع أصوات الانتخاب.
من ضمن عملي النسوي على مدار سنوات، فقد شاركتُ في عدة محاولات ومبادرات لدفع لجنة المتابعة إلى إعادة النظر في مبناها التنظيمي والحزبي، وإجراء تغييرات جذرية بما يتماشى مع كونها هيئة تمثّل الجميع، وعلى نحو يؤسس لتمثيل ومشاركة نسائية حقيقية، ويضمن فرص ترشّح وفوز لمرشحات نساء. ولكن، وللأسف، لم يتم التعامل مع هذه المبادرات بشكل جدي، وكان التجاهل التام من نصيب معظمها، فيما حظي القليل منها بوعود لم يتحقّق أيّ منها.
من المؤسف أن نجد أنفسنا اليوم، دائمًا، مضطرات لتوضيح ما هو مفهوم ضمنًا: أنّ مشاركتنا كنساء في صياغة وتحديد قرارنا السياسي والاجتماعي، وحضورنا الحقيقي والمؤثّر في عضوية ورئاسة هيئاتنا التمثيلية، ليسوا امتيازًا أو ضربًا من ضروب الرفاهية أو جائزة حسن سلوك، بل هم حق وواجب وطني واجتماعي لا يخضع لا لظروف مرحلة، ولا لشرط أيّ كان.
وأعود للتأكيد على أنّ وجود مرشحات نساء، وحتى لو كُنّ كثيرات، في منظومة انتخاب غير عادلة ولا تضمن مسبقًا فرص فوز حقيقية ومتساوية، لا يؤدّي بالضرورة إلى تغيير في الثقافة الذكورية والعقلية الفئوية المسيطرة، والتي ستستمرّ حتمًا في إنتاج ذات الفكر والنهج الإقصائي.
التغيير الفعلي يبدأ عندما نكون جميعًا على قناعة بضرورة إحداث تغييرات جذرية في مبنى وطريقة عمل وانتخاب لجنة المتابعة، بحيث تضمن تركيبتها البنيوية تمثيلًا ومشاركة للرجال والنساء على حد سواء. وهذا بالإضافة إلى ضمان مشاركة جيل الشباب، والمجتمع المدني، والنقابات، وجميع مركّبات مجتمعنا الفلسطيني في البلاد.
المطلوب هو أن تُشبه اللجنة، في مبناها وطريقة عملها، الناس الذين تُمثّلهم، لا أن تبقى محصورة بين ذات المركّبات والأطر التي اعتادت احتكار القرار، والتي بعضُها أصلًا ليس حاضرًا اليوم بين جمهورنا كما كان في السابق.
وهذا كلّه يجب أن يترافق مع تغيير في أنماط وأدوات النضال والقرار السياسي، بما يتماشى مع التحديات الخطيرة، وربما الوجودية، في ظل حرب الإبادة في غزّة، والممارسات الفاشية الموجّهة ضدنا جميعًا، وفي ظلّ ما نشهده من استفحال للعنف والجريمة المنظّمة. هذه التحديات الكبيرة لا يمكن مواجهتها بأدوات الأمس.
اليوم، ونحن على أبواب الانتخابات لرئاسة اللجنة، نرى بالفعل مشهدًا جديدًا يتمثّل بوجود مرشحات لهذا المنصب، وهذا المشهد، على قدر ما هو مطلوب ومفرح ويبعث الأمل، فإنّه يحمل غصّة وحرقة لمجيئه في وقتٍ وفي واقع لا يضمن مسبقًا فرص فوز حقيقية ومتساوية. ومع هذا، لربما يشكّل هذا المشهد ضغطًا مجتمعيًّا كبيرًا لانتخاب امرأة لأول مرة لرئاسة اللجنة.
ولا بدّ من التأكيد على أنه لا تنازل عن البوصلة الوطنية الواضحة، وعن الرصيد الإنساني والسياسي والاجتماعي المطلوب من كل مرشحة لرئاسة اللجنة، ومن هنا فخري واعتزازي بإعلان الرفيقة نيفين أبو رحمون الترشح لهذا المنصب، ودعمي المطلق لها.
* رفاه عنبتاوي: ناشطة سياسية واجتماعية ومديرة سابقة لجمعية كيان – تنظيم نسوي
التعليقات