كالعادة، وكما هو منتظر ومقروء: الإدارة الأمريكية تدفع للفلسطينيين والعرب "ضريبة كلامية إعلامية استهلاكية" فقط ، في الوقت الذي تقدم فيه لـ"إسرائيل" "الضمانات والوعود و"الأموال" و"الأفعال" و"الفيتو"، بينما "العصا الغليظة" في وجه العرب وبدون حتى أي جزرة ملموسة.
الرئيس الأمريكي أوباما كسابقه أيضا، ووزيرة خارجيته كلينتون كسابقتها كذلك، يجددان دائما وفي كل جولة ومناسبة "الدعم لإقامة دولة فلسطينية مستقلة" و"يدعوان إسرائيل إلى الالتزام بخريطة الطريق ووقف توسيع المستوطنات وتفكيك المستوطنات غير القانونية وتخفيف معاناة الفلسطينيين- تصوروا".
"إسرائيل" لم تلب الرغبات والطلبات الأمريكية، بل إن نتنياهو رفضها بمنتهى الصراحة والجلافة، ووقفت حكومته و الدولة بكاملها وراءه، ولم تحرك الإدارة الأمريكية ساكنا، بل ذكرت بعض وسائل الإعلام أن هذه الإدارة بدأت تخفف ضغوطها-وأية ضغوط- على نتنياهو...تصوروا...!.
ورغم المروق الإسرائيلي وعربدة نتنياهو، إلا أن الرئيس أوباما يبدو انه استقوى على العرب للتعويض عن ضعفه أمام نتنياهو واللوبيات الصهيونية، إذ شن هجوما كاسحا على القيادات العربية والفلسطينية محملا إياها "مسؤولية التعنت الإسرائيلي"، وقال خلال لقاء مع ممثلي المنظمات اليهودية " إن الزعامة الفلسطينية لا تبدي قيادة والرؤساء العرب لا يتحلون بالشجاعة/16/7/2009 "، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" نقلا عن ممثلي المنظمات أن أوباما قال خلال اللقاء: "توجهت برسائل لقادة الدول العربية ودعوتهم إلى دعم السلام والتعبير عن ذلك عن طريق تقديم بوادر حسنة لإسرائيل، ولكن للأسف، وجدت لديهم نقصا في الشجاعة، ووجدت أن الزعامة الفلسطينية لا تبدي قيادة(لا تتحلى بصفات القادة)".
الملفت أن خطاب أوباما تراجع بعد نحو خمسة شهور على ولايته عن خطاباته السابقة التي أظهر فيها "عينه الحمرا" لإسرائيل ونتنياهو بالمطالبة الجريئة بتجميد الاستيطان وبإصراره على "حل الدولتين"، والأنكى أنه أخذ يهرب من تحميل "إسرائيل" المسؤولية بوصفها دولة احتلال واغتصاب وخارجة على القانون الدولي، وإلقاء التعنت والرفض والصلف الإسرائيلي على الفلسطينيين والعرب.
ويلتقي أوباما في ذلك مع الرؤية الإسرائيلية للقيادات الفلسطينية والعربية إلى حد كبير، و"الحق" هنا ليس عليهم بالتأكيد!.
درج أقطاب المؤسسة الإسرائيلية على الاقتداء عادة بالآباء المؤسسين، وخاصة بن غوريون الذي رسم طبيعة السلام الصهيوني قائلا: "إن أي اتفاقية مع العرب بشأن الهدف النهائي للصهيونية أمر يمكن تصوره لكن على المدى الطويل"، موضحا: "أن الاتفاقية الشاملة غير مقبولة الآن.. لأنه فقط بعد اليأس الكامل من قبل العرب، يأس يأتي ليس فقط كنتيجة لفشل أعمال العنف ومحاولات التمرد - من قبل العرب - بل أيضا كنتيجة لتنامي وجودنا في البلاد يمكن للعرب أن يذعنوا في أرض إسرائيل اليهودية".
وما بين عهد بن غورين والراهن الإسرائيلي-عوزي أراد، رئيس مجلس الأمن القومي والمستشار السياسي لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أعرب عن تقديره (وهو على الأرجح تقدير نتنياهو وحكومته والمؤسسة الإسرائيلية ) بأنه "سيكون من الصعب التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية بدعوى أن العرب لا يعترفون بالحق التاريخي لإسرائيل بالوجود"، وقال أراد في هآرتس "إنني لا أرى وجود عملية لدى الفلسطينيين للاقتراب من التسليم بوجود إسرائيل وصنع سلام مع إسرائيل، كما أني لا أرى قيادة فلسطينية ونظاما فلسطينيا وإنما منظومة غير منظمة من القوى والفصائل".
الجنرال شلومو غازيت يقول عن تحول العرب باتجاه الخضوع: "رأينا مؤتمر القمة العربية الذي خرج بأربعة أقوال "نعم" – نعم للاعتراف بإسرائيل، نعم للمفاوضات معها، نعم للسلام بل ونعم للتطبيع مع كل الدول العربية".
وذهب سلفان شالوم وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه أبعد من ذلك من على منبر الأمم المتحدة حينما أعلن "أن الجدار الحديدي العربي بين العرب وإسرائيل اخذ يسقط"، وأضاف بمنتهى الوقاحة الابتزازية: "أن على من يريد أن يساعد الفلسطينيين أن يتعاون مع إسرائيل.. وهذا شرط مسبق لأي دولة تريد ذلك..".
الجنرال الإسرائيلي يوسي كوبر فاسر رئيس دائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية الذي يطلقون عليه هناك "العقل المدبر" يستخلص" أن العرب شغوفون بإعفاء أنفسهم من المسؤولية وتفكيرهم يخضع لغرائزهم ...".. وجاءت هذه النظرة السيكولوجية للعرب من قبل هذا الجنرال على خلفية قراءته لأسباب وعوامل الحرب الإسرائيلية على لبنان/ عن صحيفة هآرتس".
الجنرال احتياط اوري ساغي رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية سابقا كان لخص قراءته للواقع العربي قائلا: "لم يعد هناك اليوم قومية عربية شاملة في الصراع ضد إسرائيل".
والجنرال موشيه يعلون يعرب عن تفاؤله مؤكدا: "نحن لم نعد نتحدث عن عالم عربي، ولا عن وحدة عربية، وإنما يدور الحديث عن مصالح فئوية خاصة".
الكاتب الإسرائيلي المعروف "غاي باخور" كان الأقرب في قراءته السيكولوجية للواقع الرسمي العربي وللشخصية العربية من الآخرين حينما كتب "في يديعوت احرونوت" قائلا: ".. لا يمكن أن نشير ولو إلى زعيم عربي واحد برز بأفعاله، كلهم يبرزون بعدم بروزهم، يهربون من كل فكرة تغيير.. ويخافون من المستقبل، ويحتجزون الإصلاح وراء القضبان، ويتمسكون بالحاضر بأظافرهم... وهم مشغولون بالحفاظ على أنفسهم فقط، وبقية الشعوب العربية بلا قيادة".
الجنرال شاؤول موفاز يقول في "يديعوت احرونوت" لا اعتقد أننا من الممكن أن نتوصل مع القيادة الفلسطينية الحالية إلى اتفاق سلام... وسنضطر لانتظار الجيل القادم من الفلسطينيين"، وقطع موفاز مؤكدا: "أنا لا أرى أن ذلك قد يحدث في السنوات القادمة ..ويجب أن نعترف أن الشريك الفلسطيني الحالي لا يزودنا بالبضاعة المطلوبة".
فلكل ذلك- أليس من الطبيعي في هذه الحالة العربية أن تواصل تلك الدولة المعربدة عدوانها على العرب واستخفافها بهم واحتقارها لهم ولكافة القرارات والشرعيات، طالما أنهم قرروا من جانب واحد "أن لا خيار أمامهم سوى خيار السلام الاستراتيجي"، وطالما أنهم اسقطوا كل الخيارات الأخرى "ماء الوجه" والأوطان والحقوق المغتصبة...؟!
فلماذا إذن لا تواصل "إسرائيل" هجومها المفتوح على الفلسطينيين والعرب، طالما أن ذلك لا يحرك العرب إلى الرد والردع؟!.
التعليقات