08/03/2016 - 12:39

“هاي تيك” بالناصرة برعاية خريجي المخابرات العسكرية/ خليل غرة

العمل مع إحدى المؤسسات المرتبطة بالجيش لا يقع فقط في مطبّات التطبيع، بل مساهمة في تطوير القدرات الأمنية لـ”إسرائيل”، بشكل مباشر أو غير مباشرة، والتي تستخدم ضدنا هنا وضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

“هاي تيك” بالناصرة برعاية خريجي المخابرات العسكرية/ خليل غرة

انطلق في الأيام الأخيرة في مدينة الناصرة برنامج جديد يدعى 'مسرّع مبادرات - بناء ستارت أبس' تابع لوزارة الاقتصاد والصناعة بالشراكة مع للتطوير الاقتصادي للمجتمع العربي التابع لمكتب بنيامين نتنياهو. يقوم هذا البرنامج على فسح المجال لدعم المشاريع الناشئة 'ستارت-أبس' في المجتمع الفلسطيني في الداخل في مجال 'الهاي – تك'. مشروع Hybrid  الذي انطلق في الناصرة معد لاستقبال المساهمين الشباب العرب كي يلتحقوا ويكونوا جزءًا من المشهد 'الإسرائيلي' للمشاريع الناشئة. يُموّل هذا المشروع من قبل هيئة دعم المشاريع الصغيرة والناشئة في حكومة الاحتلال ويُخصص له مبلغ بقيمة 1.5 مليون شيكل سنويًا لمساهمين وناشطين لتنفيذ برامجهم ومشاريعهم الناشئة.

الجسم الذي يشرف على تفعيل المشاريع 'Hybrid Startups' وإطلاقها هي “جمعية خريجي وحدة 8200”.  الحديث عن “جمعية” لخريجي أهم الوحدات التقنية في الاستخبارات العسكرية، التي تتجسس على الفلسطينيين من خلال هواتفهم الخليوية ومواقع التواصل الإجتماعي، وتقوم بجمع المعلومات عن الفلسطينيين واستخدامها لابتزاز أصحابها وإخضاعهم بالتهديد في بعض الأحيان. وقد فازت مؤخرًا بمناقصة تفعيل المشاريع الناشئة (كمسرعة مبادرات) لهذا العام مع إمكانية التمديد لها بعامين. إحدى أهم مشاريع “الجمعية” هو برنامج EISP 8200 وهو مساحة مهمة من وجهة نظر المساهمين لتطوير برامجهم، وتعتبر EISP 8200 حاضنة لهذه المساهمات الفردية حديثة العهدة. تذهب مساعي هذه الوحدة الآن لاستقطاب العرب الفلسطينيين الناشطين في هذا المجال واستضافة مشاريعهم ومبادراتهم في برنامج Hybrid. 

إن القائمين على هذا المشروع هم إيتان سيلاع، وهو جندي احتياط في وحدة 8200، وفادي سويدان وهو مدير مكتب حاضنة الناصرة للأعمال، بالإضافة إلى وزارة الاقتصاد والتطوير ينضم إلى القائمة كل من بنك العمال 'هبوعاليم' وشركة 'بوعاليم هايتك'، Galile Software، EMC، مختبرات شركة SAP الألمانية العالمية وغيرهم.

بحسب المعلومات الصادرة عن وزارة الاقتصاد، ففي العام 2015 حصل قرابة 2950 مساهما فلسطينيا في الداخل على تمويل بقيمة 20.6 مليون شيكل لدعم مبادرات وتفعيل برامجهم الناشئة وتطويرها. بالإضافة إلى ذلك، جرى تخصيص 8 مليون شيكل لفتح مراكز إقتصادية تنشط في هذا المجال في باقة الغربية وسخنين. وبحسب مؤسسة 'تسوفين'، والتي تعمل على دمج العرب في حقل “الهاي - تك'، فإن نسبة العرب الحاصلين على شهادات تؤهلهم للعمل والمساهمة في هذا المجال لا تتعدى 2.5%. يتم الحديث اليوم عن قرابة 2800 فلسطيني يعمل في شركات 'الهاي-تك' 'الإسرائيلية' فيما  لم يتجاوز عددهم 350 شخصا في العام 2008. 

عن خطورة وحدة 8200، أكد المعلق العسكري 'الإسرائيلي' عمير ربابورت في مقال نشره في جريدة 'يديعوت أحرونوت' أن الدور الذي تقوم به 'وحدة 8200'، التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، قد جعل 'إسرائيل' ثاني أكبر دولة في مجال التنصت في العالم، بعد الولايات المتحدة. وأوضح أن التقدم الهائل الذي حققته 'إسرائيل' في مجال صناعة التقنيات المتقدمة قد وظف بشكل كبير في تطوير وتوسيع عمليات التنصت التي تقوم بها الوحدة، مشيرا إلى وجود دور بارز لشركات القطاع الخاص في رفد الوحدة باختراعات تعزز من قدرات التنصت وتطويرها.

يهدف هذا البرنامج إلى إستقطاب الفلسطينيين العرب وزيادة عدد المنخرطين فيه،  ويدعي أنه سيساعد المساهمين العرب على تخطي الحواجز والعراقيل نحو الوصول إلى هدفهم وجعل مساهمتهم حقيقية على أرض الواقع ضمن مشهد المشاريع 'الإسرائيلية'.

لا تختلف برامج الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة بنيويًا في تعاملها مع الفلسطينيين في الداخل. فهناك رغبة وحاجة دائمة لتطوير قطاعات مختلفة ودعمها ومساعدتها تحت كنف الدولة العبرية ومظلّتها لتعميق علاقتها 'بالمواطنين العرب' لإشغالهم عن قضيّتهم. إن مشاركة مساهمين عرب في برامج تابعة لوزارات الاحتلال وبتمويل منه وبدعم وإشراف  خريجي وحدة 8200 لهو عمل ترغبه وتتوق إليه 'إسرائيل' بشدة. يساهم هذا النشاط وإن كان 'ستارت – أب' فلسطيني والقائمين عليه هم فلسطينيون إلى تبييض صورة 'إسرائيل' أمام العالم، إذ تستخدم الحكومة هذه المشاريع وتروجها في العالم لتبرهن أن لديها عربا فلسطينيين ترعى شؤونهم وتساعدهم وتخلق لهم بيئة وحاضنة لطموحاتهم وأفكارهم الخلاقة، وأنها تعطي مساحة للإبداع، للتغطية بذلك على كل أشكال القهر والقمع والاستعمار، وإلى تقبل العسكرة والجيش كأمر يمكننا الاختلاف معه والعمل معه أيضًا، هذا أمر خطير للغاية، يكسر الحاجز النفسي والمعنوي والأخلاقي بيننا وبين المؤسسة الأمنية والعسكرية. 

في نهاية المطاف، تقطف إسرائيل ثمار هذه المساهمات على أرض الواقع وإن ضخت الملايين وتضرر اقتصادها. فالتمدد وبناء الشراكات والمعاهدات، الاتفاقيات والتوسع وغيرها من الوسائل التي تُثيّت وجود 'إسرائيل' في المنطقة وتجعلها جزءا من المشهد الطبيعي للمنطقة لهو أهم بكثير من الملايين الضائعة بالنسبة لها.

نحن في الداخل نواجه أشد موجات ترسيخ حالتنا كضحية عبر إغلاق كافة فرص القطع الاقتصادي مع هذا النظام الاستعماري. يجري ذلك عندما تهرع المؤسسات والوزارات والمكاتب الحكومية إلى استراق هذه القطاعات منا وقولبتها وتمويلها بشكل هائل. بالإضافة إلى أننا لم ننجح بخلق نموذج اقتصادي مستقل. 

من الصعب تجنيد الدعم المالي لهؤلاء الشباب ليطوروا برامجهم ويطلقوا مساهماتهم رغم أن هناك حالات ناجحة في باقة الغربية على سبيل المثال. لكن ذلك لا يبرر الالتحاق بهذا البرنامج  وهو أخطر بكثير على الفلسطينيين وأفضل بكثير 'لإسرائيل'، فالعمل مع إحدى المؤسسات المرتبطة بالجيش لا يقع فقط في مطبّات التطبيع، بل مساهمة في تطوير القدرات الأمنية لـ”إسرائيل”، بشكل مباشر أو غير مباشر، والتي تستخدم ضدنا هنا وضد الفلسطينيين في الضفة والقطاع. 

التعليقات