28/03/2016 - 07:53

أربعينية يوم الأرض: محطة للمراجعة واستعادة الثقة/ توفيق عبد الفتاح

تستعد الجماهير الفلسطينية في الداخل هذه الأيام لإحياء الذكرى الأربعين ليوم الأرض الخالد الذي تفجر فيه الغضب الشعبي العارم في آذار العام 1976، الذي سقط فيه ستة شهداء ومئات الجرحى والمعتقلين ليكسر معادلة القوة السائدة بين الأقلية والأكثرية

أربعينية يوم الأرض: محطة للمراجعة واستعادة الثقة/ توفيق عبد الفتاح

تستعد الجماهير الفلسطينية في الداخل هذه الأيام لإحياء الذكرى الأربعين ليوم الأرض الخالد الذي تفجر فيه الغضب الشعبي العارم في آذار العام 1976، الذي سقط فيه ستة شهداء ومئات الجرحى والمعتقلين ليكسر معادلة القوة السائدة بين الأقلية والأكثرية العسكرية الإسرائيلية، بين الأقلية  الفلسطينية التي أخضعت للبطش  تحت الحكم العسكري المفروض منذ العام 1948 حتى النصف الثاني من الستينات وذلك عبر استمرار الملاحقة والمصادرة لما تبقى من أرض ليأتي قرار مصادرة أرض المل رقم 9  بين عرابة وسخنين لتفجر يوم الغضب الشعبي العارم، وكذلك لتكتشف الجماهير العربية الفلسطينية ذاتها وإرادتها وقوة وحدتها في التصدي البطولي لجحافل الجيش والشرطة الإسرائيلية التي اقتحمت سخنين وعرابة ودير حنا وكفر كنا وغيرها لكسر الإضراب العام وكسر الإرادة الشعبية، و تحولت قرى البطوف إلى ساحة حرب حقيقية ومواجهة أربكت المؤسسة الصهيونية التي راهنت على بطشها وكسر شوكتهم لإحكام السيطرة لتذويب الأقلية العربية الفلسطينية داخل المجتمع الاسرائيلي بعد ان أعتبرت ان بقاءهم على هذه الأرض هو خطأ تاريخي.

وإن كانت هذه الهبة العارمة هي التمرد والتصدي الجماعي الأول والرائد  للفلسطينيين في إسرائيل بما شكلت من الاختبار الأول للإرادة الجمعية والهوية وقوة الوحدة، شكلت أيضًا محطة فارقة للتأسيس للعمل المستقبلي بعد اكتشاف مواطن القوة الكامنة لأقلية قومية وكيفية توظيفها لمواجهة التحديات المنتصبة أمامها،  وأعقبها تشكيل اطر شعبية ولجنة الدفاع عن الأراضي وتشكيل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التابعة للحزب الشيوعي الإسرائيلي لتنجيع العمل الحزبي والسياسي والحراك الشعبي.

ونشطت الأحزاب والحركات السياسية العربية لاستثمار إنجازات يوم الأرض وتوالت النشاطات واستمر إحياء ذكرى يوم الأرض في سنواته الأولى، ولم يكن يخلو من المواجهات والاعتقالات كما في إحياء مناسبات ونشاطات جماهيرية أخرى بمشاركة جماهيرية واسعة، إلا أن الصراعات الفئوية بين الحركات الوطنية والسياسية العربية في ما بينها تغلبت في كثير من الأحيان على حساب الصراع الرئيسي مع سياسات المؤسسة الإسرائيلية، التي كان يجب أن تفرض أوسع إطار جامع وعمل وحدوي، وذلك بعد أن حاول الحزب الشيوعي والجبهة احتكار يوم الأرض والهيمنة على العمل السياسي و الميداني في محاولة لإقصاء بل استئصال باقي الحركات الوطنية ومنها الحركة التقدمية وحركة أبناء البلد وغيرها، وكان من شأن هذا النهج وهذا السلوك السياسي المس بالعمل الوطني والتسبب بعزوف الجماهير عن المشاركة بهذا العمل وانعدام الثقة بالأحزاب السياسية وقيادات العمل السياسي، كما أثار هذا الحال ذوي الشهداء والجرحى والمعتقلين الذين دفعوا أرواحهم ثمنا للأرض والوحدة وكانوا هم وقودها.

وفي ظل تلك الأجواء المشحونة بين أقطاب العمل الحزبي المستفيدة منها المؤسسة الإسرائيلية وأجهزتها، استمر تراجع العمل السياسي والجماهيري وترهل الأحزاب والحركات السياسية إلى أسوأ حالها منذ الانهيارات الكونية الذي تمثل بانهيار الاتحاد السوفياتي واليسار العالمي وبداية مشروع التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لغاية أواسط التسعينيات، وهي فترة  تؤرخ لانطلاق خطاب سياسي جديد أطلقه التجمع الوطني الديمقراطي حيث كان له الدور الأهم في تنشيط الحراك والمنافسة السياسية، وإن اتخذ هذا الحراك في غالب الأحيان شكل صراع محتدم يتجاوز مفهوم وأخلاقيات التعددية وقواعد الوحدة والاختلاف، رغم كل ذلك أصبح هو الخطاب المهيمن مع استمرار التنافس والصراع بين أقطاب العمل السياسي بالداخل ومع تزايد المطالبة الجماهيرية بوحدة الأحزاب السياسية والمطالبة بقائمة عربية واحدة لانتخابات الكنيست.

تشكلت القائمة المشتركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بعد جهد جهيد فرضتها الظروف الموضوعية وبمساعدة لجنة الوفاق الوطني التي تولت مهمة الوفاق ليس كهدف بحد ذاته بل كحصيلة لتراكم التجربة في تنجيع آليات وأدوات العمل في ظل التحديات المتزايدة وليست التحديات السياسية فحسب بل بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في ظل ما يتعرض له المجتمع العربي من آفات ومحاولة تخريب ممنهج للنيل من صموده ونضاله ووحدته.

 ويرى البعض  أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة والامتحان الأهم  أمام المشتركة والمتابعة هو استعادة ثقة الجماهير العربية في تحمل مسؤولياتها الكبرى في تعزيز هذه الوحدة في إطار رؤية شمولية وخطاب واضح وأهداف قريبة وبعيدة قابلة للتنفيذ، وذلك يجب أن يتم من خلال مأسسة العمل وكذلك إيجاد الصيغة الأمثل للتواصل مع الشارع ومع الناس كي يتسنى ضمن هذه السيرورة فرز قيادة جديدة من خلال عملية ديمقراطية تكون بقدر التحديات في حضورها وممارستها وفكرها.

التعليقات