18/09/2016 - 11:01

إسرائيل والفلسطينيون في الداخل: عن آليات الضبط والسيطرة

مثل العلاقة بين الدولة والمجتمع أحد المفاتيح الرئيسية في فهم أوضاع أي بلد‏ ومجتمع.‏ لذلك‏، فإن كل نظريات التغيير الاجتماعي والسياسي انطلقت من تصور ما لهذه العلاقة‏.

إسرائيل والفلسطينيون في الداخل: عن آليات الضبط والسيطرة

ممدوح الكامل

تمثل العلاقة بين الدولة والمجتمع أحد المفاتيح الرئيسية في فهم أوضاع أي بلد‏ ومجتمع.‏ لذلك‏، فإن كل نظريات التغيير الاجتماعي والسياسي انطلقت من تصور ما لهذه العلاقة‏. إن علاقة الدولة الإسرائيلية بمواطنيها العرب مبنية على استحداث دائم لآليات 'الضبط والسيطرة' على المجتمع العربي نحو هندسة قواه السياسية وسلوكه التنموي. يميز هذا السلوك غالبية المجتمع الإسرائيلي أيضا، الذي استشرف سلوكه الانتخابي، القيم العامة التي تسوده بمنح الأغلبية لقوى اليمين السياسي، كما أشار العديد من الباحثين بأنه يتجه لقومجة الدين اليهودي والدولة 'الديمقراطية' إسرائيل.

تناقش هذه السلسلة من المقالات أهم 3 إستراتيجيات تعتمدها إسرائيل في العلاقة مع العرب الفلسطينيين، كما جاء عند الكثير من الباحثين حول الصهيونية وعلاقة دولة إسرائيل مع العرب الفلسطينيين، من بينهم الباحث اليساري أيان لوستيك، حول مقومات علاقة 'الضبط والسطرة' بين الدولة الإسرائيلية ومواطنيها العرب.

ننطلق من البديهية المتفق عليها وكما جاء في بداية المقال بأن أهم ما تبحث عنه إسرائيل في علاقتها مع المجتمع العربي هو 'الضبط والسيطرة' على هذا الجزء من المواطنين للشعب الفلسطيني. الإستراتيجية الأولى التي تنتهجها الدولة في هذا المضمار هي سياسة 'الفصل والتجزئة'.

'الفصل والتجزئة'

سياسة الفصل والتجزئة تجاه المجتمع العربي تعتمد أولا على فصل المواطنين العرب عن عمقهم العروبي والفلسطيني وتسعى إلى تحويلهم إلى جماعة مشوهة من المواطنين تعيش على هامش المجتمع الإسرائيلي. كما تعتمد هذه السياسة في عنصرها الثاني على تجزئة المجتمع الفلسطيني في الداخل، وتحويله إلى طوائف وقبائل وحمائل ومناطق، حيث تغلب الهويات الضيقة على الهوية الجماعية الموحدة تحت لواء فلسطين الانتماء.  

'العمق الفلسطيني من التغييب إلى الحضور في الواقع'

علاج فصل المجتمع العربي عن عمقه الفلسطيني بحاجة للعديد من الخطوات سأحاول الإشارة إلى أهم خطوتين باعتقادي، حتى نستطيع وضع اللبنة الأولى نحو وحدة المصير والقرار الحقيقية. أولا على المستوى السياسي يجب إعادة تعريف العلاقة مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والبدء بحوار جدي حول مستقبل الفلسطينيين في الداخل كجزء عضوي للطموحات الوطنية، وحول دور عرب 48 في مشروع التحرر الوطني دون إلغاء و'تخوين' و'توزيع شهادات' مع التأكيد كلٌ على مواقفه دون ذاتوية وحسابات شعبوية ذات خلفية فئوية طائفية أو حزبية. ثانيا: على المستوى العملي يجب دعم المبادرات الاجتماعية والاقتصادية والمؤسساتية الفلسطينية التي تؤكد على الهوية الجامعة العابرة لخطوط التجزئة التي رسمتها إسرائيل. وعندنا الكثير من المبادرات التي على وكلاء التغيير المؤسساتية رفدها بمقومات النمو والاستمرار والاستدامة في العمل نحو برنامج عمل ورؤية تتحقق بمثابرة، عبر العديد من المشاريع الصغيرة والكبيرة، ولكل من يساهم دور، كل الاحترام لمن يحولون الفكرة الإيديولوجية إلى مشاريع على أرض الواقع.

من التجزئة إلى الوحدة

إن تجزئة المجتمع الفلسطيني وسياسة 'فرق تسد' أحد المقومات الأساسية لعلاقة الدولة بمواطنيها العرب وقواهم السياسية. لذا على القيادة السياسية ووكلاء التغيير، الأفراد والمؤسسات، الانتباه إلى أهمية هذا المدماك ألا وهو الوحدة الوطنية والتعايش الداخلي كمكونين أساسيين في عوامل التصدي، لسياسة التجزئة التي تنتهجها إسرائيل.

على الوحدة السياسية والتعايش الداخلي التحول من مكنونات الخطاب السياسي السائد عند المحن (وهذا جيد)، حين يطلقها وكلاء التغيير للعبور بسلام من المفاصل التاريخية، إلى برنامج سياسي ومشاريع على الأرض وفي الواقع يشترك بها الجميع على مستوى التخطيط والتحشيد والتنفيذ، من فئات وأطياف عرب الداخل جميعها، تتبناه القائمة المشتركة ولجنة المتابعة ومؤسسات المجتمع المدني. التحدي الحقيقي هو تحويل هذا الفكر المهيمن بأهمية الوحدة والتعايش الداخلي إلى مشاريع عينية تقابل وتؤثر على أبناء المجتمع الفلسطيني في حياتهم اليومية وتكون هويتهم السياسية، شعارا وممارسة.

سأتطرق في المقال القادم للإستراتيجية الثانية لدولة إسرائيل تجاه مواطنيها العرب، ضمن عقلية 'الضبط والسيطرة' التي تسيطر على المؤسسة الرسمية الإسرائيلية. الإستراتيجية الثانية لدولة إسرائيل هي 'التعلق بالمؤسسة' وربط المستقبل الأفضل للأفراد والمؤسسات والسلطات المحلية بالوهم أن رفعتها منوطة بالتذيل للمؤسسة الحاكمة والارتباط بها.

أخيرا، لا نطالب بالتنمية الوطنية دون حقوق المواطنة، التي نستحقها من الضرائب التي ندفعها، واستحقاقات المواطنة المتساوية في الوطن المسلوب. لا نريد تخليص إسرائيل من دورها الحقيقي كمسؤولة مباشرة عن الغبن التاريخي ومستقبل الفلسطينيين في ظل اختلال ميزان القوى. رفض يهودية الدولة وإزالة الاستيطان والتعويض والاعتراف والعودة والمشاركة وحق تقرير المصير، نعم العودة لركائز خطاب التحرر الوطني والتمسك بها حتى لا نقع في مطب 'التدجين' ونتحول لـ'فئران مختبر' تتطبق فيه إسرائيل أعتى وأحدث الوسائل النفسية الأمنية وصناعة الوعي المشوه.

التعليقات