01/11/2016 - 13:22

أن تكون صحافيًا مصريًا... اقمع نفسك قبل أن يقمعوك

وفى الوقت الذى تتسارع فيه إجراءات القمع والحبس والتنكيل ضد الصحافيين، يخفت فيه صوت المجتمع الدولي وخاصة المجتمع المدني، وكأن كل تلك الأعداد للانتهاكات داخل وخارج السجون وشبه اليومية، تحدث في كوكب مغاير وفى زمن منسى.

أن تكون صحافيًا مصريًا... اقمع نفسك قبل أن يقمعوك

الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام، يصادف ذكرى اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب، وهو أيضا الذكرى السنوية لمقتل صحافيين فرنسيين في مالي في عام 2012، وذلك وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2013، وتكليف اليونسكو بوضع خطة لمناهضة هذه الظاهرة، وكذلك العمل على رفع الوعى بها من خلال الاحتفال العالمي في المؤتمرات والندوات وغرف الأخبار.

ولقد لفتت خطورة الظاهرة نظر تلك المؤسسات الأممية بعد قتل 34 صحافيا في الفلبين عام 2009، وهو ما يعرف بمذبحة "ماجوينداناو"، ورغم المحاكمة التي جرت في البلاد للمتهمين بهذه المذبحة، فلم تتم في النهاية إدانة أي شخص.

من الجيد إذن أن يدرك الكافة أن غياب العدالة الناجزة وعدم تطبيق القانون في تلك الجرائم الموجهة ضد الصحافيين، هو ليس فقط جرم شخصي بقتل نفس بشرية، ولكنه قتل للحقيقية وللحق الأساسي في الوصول للمعلومة، ومن ثم تقليص فرصة بناء مجتمعات المعرفة التي تستطيع أن تنهض وتواكب العصر الرقمي والتكنولوجي الذى نحن بصدد التحول له.

وفى المشهد المصري، يجب أن يتذكر العالم التزاماته الأخلاقية نحو ما تشهده "المحروسة" من انتهاكات مستمرة منذ عقود، وليس بداية من عهد حسنى مبارك (1981-2011) الذى شهد ترسيخا لظاهرة الإفلات من العقاب تجاه جريمة قتل الصحافيين، وليس نهاية بتفشي الرقابة الذاتية ومطاردة وحبس كل صحافي أو إعلامي يحمل رأيا مخالفا أو معارضا للسياسات القائمة.

وفى الوقت الذى تتسارع فيه إجراءات القمع والحبس والتنكيل ضد الصحافيين، يخفت فيه صوت المجتمع الدولي وخاصة المجتمع المدني، وكأن كل تلك الأعداد للانتهاكات داخل وخارج السجون وشبه اليومية، تحدث في كوكب مغاير وفى زمن منسى.

هذا العام، لم يشهد وقائع قتل لصحافيين في مصر، ولكنه شهد عددا كبيرا من الانتهاكات، حيث مازال يقبع في السجون المصرية عددا كبيرا من الصحافيين ويطارد البعض بأحكام قاسية وغير منطقية تتعلق بأداء عملهم الصحفي.

بغض النظر عن تلميحات البعض، التي تبرر كل ذلك القمع بحق صحافيين أو إعلاميين، بحجة انتماءهم السياسي أو الفكري، لكن من الطبيعي والمنطقي أن الصحافي جزء من المجتمع وخاصة في اللحظات التاريخية الفارقة، وادعاء الحياد في هذه اللحظات الفارقة هو خيانة في حق الوطن.

وثبت من التجربة أن المعيار لم يكن فقط في اضطهاد وتعقب المخالفين في الرأي والتوجه، ولكنه أيضا ضد كل من يحاول أن يقوم بعمل مهني يخدم الحق العام للمجتمع في المعرفة والوصول للمعلومات الصحيحة.

وهذا العام، وفى ذكرى اليوم العالمي لمناهضة الإفلات من العقاب، لم يتم رصد حالات قتل للصحافيين في مصر، ولكنك بالإضافة للعدد الضخم من الإنتهاكات التى تتمثل كما سبق وذكرنا، يمكن رصد قتل من نوع آخر لمهنة الصحافة والإعلام.

فحين يصبح الجو الإعلامي العام أشبه بمنظومة الرأي الواحد، كما كانت قديما، حقبة الحزب الواحد، تدرك أنك أمام رقيب ورئيس تحرير يقطن في عقل كل كاتب وصحافي ويعمل له ألف حساب دون أن يراه، وليتحول كل صحافي إلى رقيب على نفسه، واضعا خطوطه الحمراء الذاتية قبل الخطوط الفعلية بمراحل، ولتصبح المهنة الجريحة في كبوة عميقة، ويتصدر المشهد الإعلامي النماذج النمطية التي لا تملك سوى مشاعر الخوف والكراهية والتملق وليظهر من جديد مشهد الترويج للانتصارات الزائفة.

في ذات الوقت الذى يعلن فيه قلم عريق كالأستاذ فهمى هويدي، تعرضه شخصيا لمقص الرقيب والتضييق، تجد أن المجال أصبح لا يتسع إلا لمروجي الأساطير والعقليات التي تستطيع أن تقدم مشاهد التحريض والكراهية، لتتلاءم مع حالة الحرب المعلنة، وليس مهما أن تكون ثمة حرب أو مساءلة عن إخفاقات أو محاسبة عن كوارث أمنية أو اقتصادية.

المطلوب أذن أصبح أن يتصدر المشهد الإعلامي أصحاب نظريات المؤامرة ومروجي الانتصارات الزائفة وأن تستمر سيمفونيات التحريض والكراهية والخوف التي تتناسب مع حالة الحرب، لكي تقف هذه الحالة حائط صد أمام أي منطق لدى المجتمع في البحث وراء معلومة صحيحة، أو إعمال منطق ناقد أو الاستفسار عن الإخفاقات، فقط يتاح للصحافي حدود الممكن والمتاح المتناسب مع رغبة الحكومة في البوح المشروط بالظروف الاستثنائية ومقتضيات الأمن القومي، وعلى الصحافي أن يتطوع وقائيا إذن بالالتزام بخطوطه الحمراء ومناطق الأمان، وهى تكمن دائما في البعد عن كل ما يثير غضب الحكومة ويتناول بموضوعية ما يهم حياة الناس.

وعلى الرغم من التزام مصر نظريا بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذى يلزم الدول بتأمين الحق في الوصول للمعلومة والإنترنت، إلا أن الواقع يشهد تحولا رجعيا مخيفا إلى منظومة الستينيات من القرن الماضي في مصر، وتفشى ظاهرة الرقابة الذاتية.

جدير بالذكر أن مصر تصدرت قائمة الدول العربية الأكثر انتهاكا للحريات الإعلامية العام الماضي، بحسب تصنيف منظمة "مراسلون بلا حدود"، حيث جاءت في المرتبة 159 من أصل 180 دولة.

كما استمرت وتيرة الانتهاكات خلال عام 2016، حيث سجل مرصد صحافيون ضد التعذيب 222 حالة انتهاك ضد الصحافيين، خلال الربع الأول من العام، كما وثق 243 حالة انتهاك مختلفة خلال أبريل الماضي، وقعت في حق الصحافيين أثناء تأدية مهام عملهم، إلى جانب 80 انتهاكًا تم رصدهم خلال شهر أيار/ مايو.

وفي رصد للجنة حريات الصحافيين بالنقابة المصرية للعام الجاري، تم القبض على 43 صحفيًا في يوم واحد، حيث أعلنت غرفة عمليات نقابة الصحافيين عن توقيف واحتجاز أكثر من 43 صحفيًا، أثناء قيامهم بعملهم في تغطية مظاهرات 25 نيسان/ أبريل الماضي، تعرض معظمهم إلى اعتداءات من قبل قوات الأمن أثناء الاحتجاز، أخلي سبيلهم فيما بعد.

وتخليدا لذكرى شهداء الصحافة، وتلك الأرواح الحرة التي تستنهض في كل صاحب ضمير حي المطالبة بإنهاء الإفلات من العقاب ومحاسبة كل من تورط في إراقة تلك الدماء البريئة وحفظ حقهم وحق ذويهم في العدالة، نضع نستذكر أسماء هؤلاء الأبطال، الذين سقطوا غدرا في السنوات الأخيرة، ونتمنى على نقابة الصحافيين في مصر تبنى عمل نصب تذكاري يحفظ للضحايا حقهم وللأجيال حقها في توثيق تلك التضحيات ويليق بمن ضحوا بحياتهم من أجل الحقيقة ومن أجل بناء مجتمعات المعرفة :-

1- أحمد محمود - الأهرام – كانون الثاني/ يناير 2011.

2- الحسيني ضيف - الفجر – كانون الأول/ ديسمبر 2012.

3- أحمد عاصم - الحرية والعدالة - 8 تموز/ يوليو 2013.

4- صلاح الدين حسين- شعب مصر- 27 حزيران/ يونيو 2013.

5- أحمد عبد الجواد - الأخبار- خلال فض اعتصام رابعة آب/ أغسطس 2013.

6- حبيبة عبد العزيز- مراسلة إكسبريس- الإمارات- خلال فض رابعة.

7- مصعب الشامي- شبكة رصد - خلال فض رابعة.

8- تامر عبد الرؤوف – الأهرام - 20 آب/ أغسطس 2013.

9- محمد الديب - مصور التليفزيون المصري- عربة ترحيلات أبو زعبل 2013.

10- ميادة أشرف - الدستور- 2014.

اقرأ/ي أيضًا | رغم حالة الـ"تطبيل" الدائمة: السيسي ينتقد إعلامه

التعليقات