في الوقت الذي تواصل فيه شركة "ميتا" الترويج لجهودها في حماية المستخدمين القُصّر على منصّاتها، كشفت تجربة صحافية أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" أنّ هذه الإجراءات لا تزال قاصرة عن تحقيق الحماية الموعودة.
وأظهرت النتائج أنّ حسابات وهمية أنشئت باسم مراهقين على تطبيق إنستغرام تعرّضت خلال أيام قليلة لمحتوى يُعدّ شديد الخطورة، ويتراوح بين مواد ذات طابع جنسي، ومحتوى يشجّع على اضطرابات الأكل، وصولًا إلى مقاطع تروّج لتعاطي المخدرات والكحول.
وقد أجرى الصحافيون التجربة بإنشاء حسابات مزيفة تمثل فتيات وفتيان تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا، وهي الفئة التي تزعم "ميتا" أنها تحميها بخصائص "حساب المراهق".
ورغم أن الحسابات أُنشئت من أجهزة لم يجرِ استخدامها من قبل، وجرى ضبطها وفقًا لإعدادات الخصوصية الافتراضية التي يفترض أنها مخصصة للمراهقين، فإن خوارزميات "إنستغرام" دفعت لهذه الحسابات بعدد هائل من المنشورات التي تُظهر أجسادًا مثالية، وتُلمّح إلى ثقافة الحمية القاسية، بل وتنصح بالصيام الشديد أو الامتناع عن الطعام "لأيام" بهدف الوصول إلى "جسم الأحلام".
وما أثار الذعر أكثر، حسب التقرير، هو أنّ عددًا من هذه المنشورات كان يحمل وسومًا مثل #thinspo (اختصار لـ thin inspiration - إلهام النحافة) أو #ana (في إشارة إلى مرض فقدان الشهية العصبي Anorexia)، وهي وسوم لطالما ارتبطت باضطرابات الأكل بين المراهقات على المنصات الاجتماعية. كما ظهرت مقاطع فيديو تروّج لشرب الكحول، ومزاح خطير حول أدوية مثل أدوية ADHD واستخدامها بشكل غير طبي.
ورغم أن "ميتا" عمدت في السنوات الأخيرة إلى تقديم ميزات مثل "عدم اقتراح محتوى حساس" أو "حدود على التواصل مع البالغين"، فإن ما كشفت عنه هذه التجربة يوحي بأن الخوارزميات لا تزال مصممة لتعزيز المحتوى الجذاب بصريًا دون النظر إلى تأثيره النفسي، أو إلى أعمار المتصفحين الفعليين. والأسوأ من ذلك أن بعض هذه الحسابات جرى اقتراحها من قبل النظام ذاته على حسابات أخرى، ما يعني أنّ ما هو خطر يتحوّل بسهولة إلى شبكة من التوصيات المتصلة.
وردًا على نتائج التحقيق، قالت متحدثة باسم "ميتا" إن الشركة تعمل بشكل دائم على تحديث أدواتها، وإن "ما تم في هذه التجربة لا يعكس استخدامًا نموذجيًا أو واقعيًا للمنصة من قبل المراهقين". وأضافت أن الشركة "تأخذ سلامة الأطفال بجدية"، مشيرة إلى برامج الرقابة الأبوية التي يمكن للوالدين تفعيلها.
إلّا أنّ هذه الردود لم تُقنع الخبراء والمشرّعين. فقد علّق جوش غولين، المدير التنفيذي لمنظمة Fairplay، المعنية بحماية الأطفال على الإنترنت، قائلًا إن هذه النتائج "تؤكد أن ما تقوم به الشركات الكبرى من تدابير طوعية غير كافٍ إطلاقًا". ودعا إلى تسريع تمرير "قانون سلامة الأطفال على الإنترنت" (KOSA)، وهو مشروع قانون أميركي يهدف إلى فرض معايير قانونية ملزمة على شركات التكنولوجيا لحماية القُصّر من الإعلانات المضللة، والمحتوى غير المناسب، والإدمان السلوكي الرقمي.
وأضاف غولين: "لا يمكن الوثوق بالشركات التي تستفيد ماليًا من هذا المحتوى لتقوم بتنظيم نفسها بنفسها. نحن بحاجة إلى سلطة تنظيمية مستقلة تستطيع فرض معايير حقيقية".
ومع تزايد الضغط الشعبي والسياسي، تتزايد المطالب بضرورة فرض رقابة صارمة على الطريقة التي تعمل بها خوارزميات "ميتا"، خصوصًا في ما يتعلق بالمستخدمين الأصغر سنًا، الذين يُعدّون الفئة الأكثر هشاشة وتأثرًا بهذه التأثيرات البصرية والرمزية على مواقع التواصل.
وفي ظل هذا التحقيق، تعود إلى الواجهة النقاشات حول دور الذكاء الاصطناعي في إعادة إنتاج الصور النمطية، وتغذية الأوهام المدمّرة حول الجسد، و"النجاح"، و"المثالية"، مما يجعل من إنستغرام بيئة خصبة لزراعة القلق، واضطرابات الثقة بالنفس، والانعزال الاجتماعي.
وبينما تعِد الشركات بزيادة الشفافية، تتكشّف كل يوم أدلّة جديدة على أن الفجوة بين ما يُقال وما يُنفذ لا تزال عميقة، وأن المراهقين في هذا العالم الافتراضي لم يعودوا مجرد مستخدمين، بل ضحايا مستهدفين في معركة الربح والضغط النفسي.
التعليقات