شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا كبيرًا في استخدام الملصقات الساخرة (الميمز) كوسيلة شائعة للتعبير الرقمي، سواء في أحداث فكاهية بحتة أو في سياقات مأساوية كالحروب، والأزمات الإنسانية ،والانتخابات، والاحتجاجات. لتصبح الميمز أداة جماهيرية فعالة في التعامل مع التحديات النفسية والاجتماعية، واستُخدمت كذلك في التوعية والتعليق على السياسات والتفاعلات العسكرية بين الفواعل الأساسية سواء دول، او جماعات، أو أحزاب، أو أفراد.
وبعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، منذ 13 حزيران/ يونيو 2025، برزت الميمز بقوة كوسيلة للتواصل الجماهيري، إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وتحوّلت من مجرد نكت أو تعليقات ساخرة إلى أدوات سرد جماعي، وتفريغ عاطفي، وحمولات إيديولوجية؛ بل وحتى أدوات دعائية ضمن ما يمكننا تسميته كفعل Memefication of Narratives يطاول الخطاب السياسي والتحولات العسكرية ويعزز الاصطفاف والتكتلات في المجمع الرقمي. يتيح هذا الدور الفرصة امام الميمز لإنشاء فضاءات عامة رقمية يشارك فيها الأفراد والمؤسسات ( بالنظر لحالة الجيوش الالكترونية الممولة) للتفاعل مع الأحداث، وإعادة سردها من زوايا متعدد تتناسب مع الرغبة لتبني رواية طرف معيّ دون الآخر.
ميمز الشبكات كمصلح
ننطلق من تعريف ريتشارد دوكينز للميمز كمركّبات ثقافية تُنقل من عقل إلى آخر، شبيهة بالجينات في نقل الصفات الوراثية. ومع تطوّر الاتصال الرقمي، أصبحت الميمز ظاهرة مرئية ومؤثرة في البيئات الإعلامية، إذ تجتاح مختلف أنماط التواصل، من الشعبي والعفوي إلى الرسمي والمؤسساتي. تُعرَّف الميمز الرقمية بأنها وحدات ثقافية تُنتَج وتُقلَّد وتُحوَّل من قبل مستخدمي الإنترنت، ما يجعلها أدوات فعّالة لبناء تجارب ثقافية مشتركة. هي ليست مجرد صور ساخرة، بل تركيبات متعددة الطبقات من رموز ودلالات تتطلب معرفة ثقافية وسياسية لفهمها، وتُستخدم ضمن "جماهير المحاكاة" — مجتمعات رقمية تنشأ من خلال التقليد والتكرار.
تبرز أهمية الميمز في قدرتها على تمكين الفاعلين المهمشين أو غير المؤثرين إعلاميًا من الدخول في النقاش العام، كما حدث في حملات مثل #MeToo أو #DistractinglySexy. وبهذا، تتحوّل الميمز إلى أفعال ميكرو-سياسية تؤثر في تشكيل الخطاب العام ضمن ما يسمى "الفعل الاتصالي التواصلي" (connective action).
بالرغم من الجاذبية البصرية والانتشار السريع الذي يميز الميمز، فإن لها وجهاً آخر لا يقل أهمية عن قدرتها على الإضحاك أو الترفيه، بل قد يكون أكثر تأثيرًا وخطورة في السياقات السياسية والاجتماعية. فقد تحولت الميمز في بعض الحالات إلى أدوات فعالة في التضليل الإعلامي، ونشر الأخبار الزائفة، وتعزيز الخطابات الإقصائية والانقسامية. ويتجلى هذا الاستخدام السلبي بشكل صارخ فيما أصبح يُعرف بـ “حرب الميمز الكبرى" التي رافقت انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، حيث استُخدمت الميمز كسلاح سيبراني في المعركة الانتخابية، عبر توجيه الرأي العام، واستفزاز المشاعر، وتغذية الانقسامات الأيديولوجية والثقافية داخل المجتمع الأميركي.
تكمن خطورة الميمز في أنها تستند إلى آليات معقدة من التأويل متعدد الطبقات، وتمتلك قدرة كبيرة على التلاعب بالعواطف والانفعالات، مما يجعلها بيئة خصبة للاستقطاب السياسي والاجتماعي. هذا التداخل بين الترفيه والتوجيه، بين السخرية والتأثير، يجعل من الميمز أدوات رمزية قادرة على صناعة الواقع أو تشويهه، بحسب الغاية من توظيفها والجهة التي تقف وراء إنتاجها. وفي هذا السياق، يمكن أن نصنّف الميمز عادةً إلى فئتين رئيسيتين: الفئة الأولى هي الميمز العبثية أو الساخرة التي تهدف في المقام الأول إلى الترفيه نتيجة للحروب و الهروب من الواقع، وغالبًا ما تكون خالية من أي مضمون نقدي واضح، وتُستخدم لإضفاء طابع فكاهي على أحداث الحياة اليومية بمسار الحروب و تفاعلاتها أو سلوكيات الأفراد تجاهها؛ أما الفئة الثانية، فهي الميمز الناقدة التي تتجاوز حدود الفكاهة التقليدية لتتحول إلى أداة تعبير اجتماعي وسياسي، حيث تُستخدم للسخرية الفعلية من الحرب و العسكرة و السلاح و القيادات الميدانية، أو انتقاد السياسات التي أدت إلى إشعال الحروب، أو فضح التناقضات في الخطابات الرسمية، وقد تحفّز أحيانًا أشكالًا من الحراك الشعبي أو التغيير الرمزي.
وفي كلا الفئتين، تصبح الميمز جزءًا بنيويًا من منظومة الاتصال الرقمي الحديثة، وفاعلاً مؤثرًا في تشكيل النقاشات العامة وتوجيه الرأي في مجتمع التواصل الاجتماعي.
وبالإضافة إلى كونها وسيلة للتعبير والتضامن، تمتلك الميمز القدرة على الانتشار السريع، بفضل بنيتها "الخفيفة" التي تناسب خوارزميات المنصات وتجعلها قابلة للاستهلاك اللحظي، فيما يسميه الباحثون "إعلام الوجبات السريعة". هذه القابلية للتكرار والانتشار تجعل منها أيضًا أدوات تعبئة سياسية غير رسمية، يمكن لأي فرد تخصيصها باستخدام تطبيقات بسيطة. ومع أن لكل ميم إمكانات متعددة، إلا أن كل ميم يُنشر يولّد تفاعلات وميمز جديدة، ما يُعرف بـ "التضاعف الميمي" (memeification)، حيث يُصبح كل محتوى مادة خامًا لإعادة إنتاج ساخر أو ناقد، في دورة لا تنتهي من المعاني.
عند اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران في حزيران/ يونيو 2025، اجتاحت العواصم الأخبار العاجلة، ارتجفت الأسواق، وقادت خطابات التصعيد، كآلية دفاع نفسي جماعي على اعتبار أن ميمز الحروب تُعد من أدوات التكيّف الدفاعي الجماعي؛ فهي تضيّق المسافة النفسية من مأساة تفوق قدرتنا على الاستيعاب . سابقًا في الحربي بين أوكرانيا وروسيا يمكن أن نستنتج أن الميمز أثناء الحرب تستخدم تمييز “الخاص/العام” لتقديم رسالة مبتسمة رغم القلق، وأن ما يزيد على 70% من مستخدميها يفهمون فكرتها ويقبلونها . فهي ليست ترفًا، بل وسيلة نفسية لتهدئة قلق الجماعة ونشر المصالحة مع واقع لا يمكن تغييره. وفي هذا المسار تتحول الميمز إلى مصدر معلومات بصرية تغذي المحتوى العام على منصات التواصل الاجتماعي، لا سيما بسبب تضييق المساحة العامة أمام التعبير، فأصبحت الكوميديا الساخر أداة لفضح الخطابات الرسمية. ميمز الحرب مثل "Saint Javelin" الأوكرانية، أو السخرية من "جيش الظل" الروسي، لم تفقد طابعها الفكاهي فحسب، بل كانت مرتبطة بجمع تبرعات وتعزيز القوة المعنوية . وهذه الميمز تحطّم عمليات التزييف الرسمية وتحوّلها إلى نقد شعبي مرئي مباشر.
الهوية الجمعية والفكاهة المشتركة
التفاعل الجماعي مع الميمز يعزّز من حس "الهوية الجمعية"، حيث يتعرّف الناس على مضمون فكاهي مشترك يعكس تجاربهم اليومية المباشرة: الضغط، الخوف، القلق. هذا التواصل الجماعي عبر محتوى ساخر يعيد تطبيع الواقع والفشل السياسي في ترجمة الحرب، ويحوّلها من "حدث فوق الرأس" إلى أمر يشاركونه بالضحك والسخرية. فمع هيمنة المنصات مثل تيك توك وتويتر، بات إنتاج الميمز وسيلة انتقال فوري لأحداث الحرب والتفاعل معها. الصور المضحكة أو الفيديوهات الصوتية التي تنتج خلال دقائق، تصبح رموزًا تُستخدم لتحليل الحرب بطريقة أكثر عفوية من الإعلام الرسمي. وهذه العملية – حسب خبراء “Teen Vogue” وPsychology Today – تتيح تفريغ الانفعالات المكبوتة وتجسيدها بشكل مبسّط: “توفر راحة نفسية، وتساعدنا في فهم مشاعر معقدة.
ومع انتشار هذا النمط من التعبير، لا بد من فهم كيفية تشكّل "الجماهير الشبكية" عبر استخدام الميمز كأداة سرد جماعي، وفهم الأدوار السردية التي تؤديها الميمز خصوصًا خلال الأزمات؛ مع تحليل الأدوار الوظيفية التي أدّتها الميمز في تحليل الوضع القائم بين طهران و تل أبيب من خلال النظر في مضمون الميمز ومعدلات التفاعل معها على الصفحات العربية خصوصًا.
منذ الضربات الجوية الأولى التي تبادلتها إسرائيل وإيران في يونيو 2025، ومع تصاعد التوترات إلى ما يشبه الحرب المفتوحة، لم يكن السلاح الوحيد المستخدم في الميدان هو الطائرات المسيرة أو الصواريخ الباليستية. فبموازاة التصعيد العسكري، اشتعلت حرب موازية في فضاء الإنترنت، خصوصًا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، حيث بدأ المستخدمون إنتاج وتداول ميمز ساخرة، تختزل الرعب السياسي والعسكري في لقطات ساخرة تارة، وفجة تارة أخرى، ومشحونة بالرمزية دائمًا لأبعاد سياسية إيديولوجية وعسكرية واقتصادية واجتماعية.
وإذا كانت الحروب الكبرى تنتج سردياتها عبر الإعلام والبيانات الرسمية، فإن هذه الحرب صنعت سرديتها الشعبية عبر الميمز بصفتها شكلًا تعبيريًا يجمع بين الاقتصاد اللغوي، الكثافة الرمزية، والقدرة على اختراق المحظور. الحرب هنا ليست فقط بالمدافع، بل أيضًا بالكاريكاتير، وبالصورة المركبة، وبالتهكم الذي لا يعترف بالحدود ولا بالرادارات ولا منظومات القبة الحديدية والصواريخ البالستية.
أداة مقاومة نفسية
في لحظات الخطر الجماعي، حيث تتصدع الطمأنينة اليومية، تظهر الفكاهة بوصفها صمام أمان اجتماعي. وبهذا المعنى، كانت الميمز المرتبطة بالحرب بين إيران وإسرائيل وسيلة نفسية جماعية لإعادة تعريف الفوضى، ومنح الرعب إطارًا يمكن التعامل معه. إنها ليست مجرد وسيلة للهروب من الواقع، بل وسيلة للتعايش معه عبر ترميزه وتفكيكه. فمثلًا، حين تتكرر الصور الصادمة للاغتيالات وأهداف تل أبيب في طهران، او صور لصواريخ تتساقط على تل أبيب أو تطاول منشآت حيوية لدى الطرفين، تقوم الميمز بمحاولة تحويل هذه الصور إلى مشاهد عبثية، تجعل المستخدم يبتسم وسط الحطام. وفي مثال لافت، انتشر ميم يُظهر منظومة "القبة الحديدية" وهي تحمل لافتة "تحت الصيانة"، في تعليق تهكمي على عجزها في أحد أيام القصف. هذه الصورة المختزلة كانت أكثر تأثيرًا من عشرات التحليلات الأمنية، لأنها تلتقط اللحظة بلغة يشعر بها الناس. لم تكن الميمز وسيلة للهروب من الرعب فقط، بل أصبحت أداة نقد سياسي حاد، تجاوزت حدود الرقابة واللغة الدبلوماسية. لقد ظهر قادة الحرب، من نتنياهو إلى قاآني إلى ، في عشرات الميمز الساخرة، التي تصورهم في مواقف كاريكاتيرية: أحدهم كمن يستعرض عضلاته في المرآة بينما المدن تحترق، والآخر كمن يقصف مواقع خطأ باستخدام خرائط من جوجل. هذه الصور الساخرة تعيد تشكيل رمزية القوة السياسية، وتنتزع عنها قدسيتها، وتقدمها في هيئة هشّة قابلة للنقد والضحك، بالإضافة إلى تشغيل الذكاء الاصطناعي في تصوير المواطن العربي يرقص على وقع مشهد خامنئي ونتنياهو يتعاركان و خلفهما دمار كبير.
إن الفكاهة في هذه الحالة ليست خفة، بل شكل من أشكال المقاومة الرمزية. فحين تفشل اللغة التقليدية في التعبير عن الغضب أو الخوف، تأتي السخرية لتقول كل شيء دفعة واحدة، وبلغة يمكن مشاركتها بسهولة، وتداولها بسرعة، وتلقّيها بارتياح.
تفكيك خطاب الكراهية
رغم أن الصراع بين إسرائيل وإيران مشحون بمستويات عالية من الاستقطاب الطائفي والإيديولوجي، فإن بعض الميمز قدمت خطابًا ساخرًا مغايرًا، حاول تجاوز هذا الاصطفاف. فقد تداول مستخدمون إيرانيون ميمز تنتقد النظام الإيراني ذاته، مثل ميم يُظهر مرشد الثورة وهو يقول: "سنهزم إسرائيل بصبر الشعوب... شرط أن يظل الشعب صابرًا على انقطاع الكهرباء"، في إشارة إلى تناقض الأولويات بين الداخل والخارج.
في المقابل، ظهرت ميمز من داخل إسرائيل تسخر من التضخيم الإعلامي، مثل صورة لأحد الوزراء وهو يمسك هاتفه ويقول: "نحتاج إلى اسم عملية أقوى... ماذا عن صدى الرعد النيوتروني؟"، تسخر من ميل المؤسسة الإسرائيلية للمبالغة في أسماء العمليات، التي كان آخرها "الأسد الناهض" ويصوّر رمزًا مشتركاً للقوة بين أسد يهوذا في الميثولوجيا اليهودية، والأسد والشمس في التراث الفارسي قبل 1979.
بهذا المعنى، شكّلت بعض الميمز فضاءً للتهكم الذاتي، ما ساعد على بيان التوتر الطائفي، وتقديم أصوات ساخطة من داخل المعسكرين، تتلاقى أحيانًا في نقد الحرب نفسها، حتى ولو بلغة رمزية.
أحد أخطر التحولات التي تظهرها هذه الظاهرة، هو تحويل الحرب (بوصفها مأساة اجتماعية) ذاتها إلى مادة للنكتة، أو إلى "عرض كوميدي طويل" يتابعه الناس من خلال لقطات مختارة، ومونتاجات مسرّعة، ومقاطع صوتية مضحكة، ونِكات وإفيهات تسخر من الموت والضحايا و الأهداف و الشخصيات التي تم اغتيالها من الجانب الإيراني. على مستوى أعلى، تطاول الميمز السخرية من السلاح ، كأداة دفاعية وهجومية، إذ تظهر صورة مقاتلة إيرانية ، مع نص مكتوب عليه "مقاتلة هيفاء إيرانية الصنع بمحرك سابا 4 سليندر و سرعة 35 كم بالساعة"؛ وفي إحدى الميمز المنتشرة، تظهر صورة طائرة إيرانية مسيّرة، وهي تُقارن بطائرة لعبة أطفال، مع تعليق: "الجيل الجديد من الطائرات الشبحية المصنّعة في ورش قم".
هذه السخرية من السلاح ليست إنكارًا لخطورة الحرب، بل محاولة شعبية لتجريدها من رهبتها، ومنح الناس حسًّا بالتحكم في مجريات لا يمكن لهم التدخل فيها. إنها محاولة لترويض العنف، وفرض منطق الرمزية على منطق القوة الغاشمة.
أداة توثيق بديلة
اللافت في هذه الحرب أن آلاف الميمز التي ظهرت، شكلت توثيقًا سرديًا بديلاً لمجريات الصراع. فإذا كانت البيانات الرسمية تركّز على الانتصارات، فإن الميمز ترصد الخسائر والسخرية منها. وإذا كان الإعلام التقليدي يتبع أجندات، فإن الميمز غالبًا ما تكشف الزيف بلقطة واحدة.
وكمثال، انتشر ميم يُظهر قصفًا إسرائيليًا على مطار طهران مرفقًا بصورة ساخرة لكابتن طائرة إيرانية يقول: "برج المراقبة؟ يبدو أننا فقدنا البرج!"، ما يعكس تدهور البنية التحتية بطريقة مضحكة لكنها مشحونة بالدلالة السياسية. ورغم طابعها الساخر، لا تخلو الميمز من وجه مظلم. فقد استُخدمت ميمز لتشويه صورة المدنيين، أو للتهكم على الضحايا، أو لترويج أخبار كاذبة عبر قوالب فكاهية. هذا ما يجعل من الميم سلاحًا مزدوجًا: يمكنه أن يحرّر، لكنه قد يُستخدم للتحريض. وقد تكرّرت هذه الاستخدامات في دوائر التطرف داخل إيران وإسرائيل على حد سواء. في المحصلة، لم تكن الميمز مجرّد نكت على الهامش، بل أداة ثقافية سياسية ذات أثر ملموس في تشكيل المزاج الشعبي، وتحفيز الخيال الجماعي، وتعميق الانقسام أو تخفيفه حسب السياق. لقد أصبحت الميم أداة دعاية، ومقاومة، وسخرية، وتفريغ نفسي في آنٍ معًا. وبهذا، فهي تمثل تعبيرًا صادقًا عن روح العصر، وعن كيف يواجه الإنسان المعاصر الرعب عبر النكتة، والكارثة عبر الضحك.
حدود السخرية
تطرح الميمز المثيرة للجدل في حالة الحرب الإسرائيلية-الإيرانية تساؤلات حول حدود السخرية: هل تنسي الناس مأساة الضحايا؟ أم تسهم في تنشيط وعي جماعي؟ يمكن الجدال هنا ان مصطلح “dark humor” كالنكات القاسية حول موت العدو أو تطرف قواته ،يمكن أن يقوم بعمل مُراعاة للهجمة النفسية الجماعية، ما لم تُستخدم لصالح تطرف أو تبرئة. من هنا، يتحوّل الإنتاج الفكاهي إلى سلاح ذو حدين . وتشير مفاهيم مثل “memetic warfare” إلى أن الجيوش، الجماعات، والحكومات باتت تستخدم صورًا وسخرية منظمة كجزء من الصراع على السرديات، وبث المزاج العام وتوجيه الرأي العام حول سردية أبناء الحلف ذواتهم . الهجوم الفكاهي على العدو أو الهجوم المضاد عبر الفكرة، يسهم في السيطرة الرمزية على الحدث. الفكاهة التي تظهر عبر الميمز في زمن الحرب ليست هروبًا من الواقع، بل محاولة جاهدة لفهمه، إعادة توطينه مجتمعيًا، ونشر قوة معنوية في زمن الخوف. إنها تُظهر القدرة على تحمّل الصدمة، تسجيل الرفض السياسي بطريقة ذكية، وتعبير عن الهوية الجمعية. الضحك في مثل هذه اللحظات هو فعل مقاومة: ليس ضد الآخر، بل ضد الرعب ذاته.
التعليقات