الهند وإسرائيل: شريكتان في القمع

أشار مسؤولون في الهند وباكستان خلال الأيام القليلة الماضية، إلى انخفاض حدّة التوتر بين البلدين الخصمين، وسط مسائل غير محلول قد تؤدي إلى تصاعده مرّة أخرى، وتقع كشمير وسط صراع البلدين

الهند وإسرائيل: شريكتان في القمع

من اليمين: فلسطين وكشمير (أ ب أ، أ ب)

أشار مسؤولون في الهند وباكستان خلال الأيام القليلة الماضية، إلى انخفاض حدّة التوتر بين البلدين الخصمين، وسط مسائل غير محلولة قد تؤدي إلى تصاعُد التوتّر مرّة أخرى، وتقع كشمير وسط صراع البلدين.

وكتب الصحافي أزاد عيسى في موقع "ميدل إيست آي" الإخباري التحليلي، مقالا حول انتهاكات الهند في الجزء الذي تُسيطر عليه من كشمير، مُشبِّهًا فعلَها بما تفعله قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة المُحاصر.

الجيش الهندي في سترينغار (أ ب)

ووصف عيسى مشهد إحدى أحياء عاصمة كشمير المُسيطر عليها من الهند، سترينغار، قائلا إن أبناء المدينة كتبوا على الجدران شعارات مثل؛ "عاشت فلسطين" و"الحرية لغزة" و"الحرية لكشمير".

وقال عيسى إنه "بالنسبة للكثير من المسلمين حول العالم، تحتل فلسطين مكانة خاصة في وعيهم السياسي. فرغم كل شيء (يحدث فيها)، يُعد المسجد الأقصى من أهم المواقع في الإسلام. أما من هم على اليسار، سواء كانوا من الراديكاليين المعاصرين أو الماركسيين المُلتحين باللون الرمادي، فقد أيدوا القضية الفلسطينية أيضا ضد الإمبريالية الصهيونية المتعصبة الاستيطانية والاستعمارية، والتطهير العرقي، والتهجير، وتعطشها للحرب.

وقارن عيسى بين ردود الأفعال العالمية تجاه الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وبين رد فعل الأكثرية المُسلمة من سكان كشمير التابعة للهند تجاهها، والذي اعتبره ردا قويا بشكل خاص لأن الموضوع بالنسبة لهؤلاء هو بمثابة قضية تخصهم، إذ إنها "تذكرهم" بمعاناتهم الشخصية.

وذكر عيسى أن الكشميريين هم من بين الأوائل الذين انطلقوا بمظاهرات حاملين لافتات متضامنة مع الشعب الفلسطيني، إذ أنهم لا يرون فرقا بين المسيطرين على بلادهم وبين جنود الاحتلال الإسرائيلي، ويقومون برمي الحجارة على القوات الهندية، برغم أن القوات ذاتها تُزيل الشعارات الداعية لاستقلال كشمير وتستثني الشعارات المماثلة التي تخص فلسطين، ظنا منها أنه لا علاقة للشعارات المناصرة لفلسطين، بالشعارات المناصرة لكشمير.

جداريات في سترينغار (ميدل إيست آي)

وأشار أيضا، إلى أنه خلال الحملة العسكرية الأخيرة التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة المحاصرة منذ عام 2014، تظاهر آلاف الكشميريين بالشوارع ضد القصف الإسرائيلي، وفي إحدى هذه المظاهرات، أطلقت القوات الهندية النيران الحية على المتظاهرين، وقُتل بسببها طفل بعمر 13 عاما.

لمحة تاريخية

يُطالب الكشميريون بحريتهم من الهند منذ عقود، أو على الأقل بمنحهم حق تقرير المصير الذي أقر به مجلس الأمن الدولي عام 1948، بعد أن سيطرت الهند وباكستان، عام 1947، على كشمير بالكامل، لتجزئها إلى قسمين. ودخلت الدولتان في ثلاثة حروب بسبب النزاع على المنطقة منذ ذلك الحين.

وانطلقت عام 1988، مقاومة مسلحة ضد الهند، وأشار عيسى إلى أنه منذ تلك الفترة، قُتل أكثر من 70 ألف شخص، واختُطف الآلاف وسط حملات الإخفاء القسري، كما لا يزال العديد منهم في عداد "المفقودين"، مضيفا أن اليوم، مع وجود حوالي 700 ألف جندي وسط تعداد سكاني يبلغ 14 مليون نسمة، تُعتبر كشمير أكثر المناطق عسكرة على وجه الأرض. 

من مظاهرات الكشميريين ضد الجيش الهندي (أرشيفية- أ ف ب)

وشدد عيسى على أن المجتمع الكشميري بأكمله يعاني من الانتهاكات الممنهجة عن طريق حواجز التفتيش وقوافل الجيش، التي ترهبهم دون أن يتعرض الجنود إلى العقاب بموجب قوانين فضفاضة وعنصرية، تسمح لهم باعتقال الأطفال الصغار واحتجازهم لأجل غير مسمى دون أي تهمة. مضيفا أن ذلك "لا يختلف عن سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية، التي احتجزت آلاف الفلسطينيين".


كما أن القوات الهندية أطلقت لسنوات عديدة، الرصاص المطاطي الذي أفقد نحو 1000 شخص بصرهم، وجرح آلافا آخرين، في إصابات تراوحت بين الأنسجة الممزقة والأضرار الداخلية للأعضاء.

شركاء بالقمع

على الرغم من أن تعزيز العلاقات بين الهند وإسرائيل حديث نسبيا، إلا أنهما طورتا شراكة فعالة تقوم على المصالح الإستراتيجية، ومن ضمنها إرسال قوات عسكرية وشرطية هندية إلى إسرائيل لتلقي التدريب.

وتحولت الهند بين العامين 2013 و2017، لأكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، بل إن الهند استخدمت في ضرباتها الجوية الأخيرة على مناطق داخل باكستان في 26 شباط/ فبراير الماضي، صواريخ إسرائيلية، وكانت قد طلبت 50 صاروخا آخر قبل أيام من القصف، في صفقة بلغت قيمتها 500 مليون دولار مع إسرائيل. 

وأكد عيسى أيضا، أن "إسرائيل تواصل التعاون مع الهند لضمان بقاء الكشميريين شعبا خاضعا، ورغم أنه لا وجود لتطابقٍ تامّ بين احتلالَي فلسطين وكشمير، إلا أن الطموحات الإسرائيلية والهندية لا تختلف، بل إنها بطريقة أو بأخرى تغذي بعضها البعض". 

وشبَّه عيسى النهج الإسرائيلي في قمع الفلسطينيين، بذلك الذي تنتهجه الهند في قمعها للكشميريين حيث ذكر أنه فيما تقوم إسرائيل بجريمة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين والاستيلاء على منازلهم و"شراء مقاومتهم"، والاستيلاء على عناصر من ثقافتهم، بما في ذلك المطبخ الفلسطيني، كجزء من محاولة لإزالة "البصمة الفلسطينية" من هذه الأرض، فإن الهند تحاول "غرس الهندية" في المسلمين الكشميريين، وحثهم على التخلي عن هويتهم السياسية والجماعية، لطمسها بـ"المشروع الهندي الكبير"، إضافة إلى محاولات توطين الهندوس في كشمير.  

وسيحولهم هذا الانتماء، بحسب عيسى، إلى "مسلمين هنود، الذين يُعتبرون مواطنين من الدرجة الثانية، على جميع الأصعدة".

صناعة المفاهيم

لفت عيسى إلى أن الهند وإسرائيل تتشابهان على صعيد آخر، وهو صناعة المفاهيم واللغة، حيث تستخدم الدولتين لغة متطورة ومنمقة وأمنية تُساعدهما في شرعنة الاحتلال وانتهاكات حقوق الإنسان المتصلة فيه.

وأوضح عيسى أنه مثلما تصف إسرائيل حروبها وغاراتها على غزة بأنها "دفاع" ضد مقاتلي حماس بزعم أنهم "إسلاميون متطرفون" ، تتمسك الهند أيضا، بالبروباغندا الخاصة بـ"سلمية غاندي" و"اليوغا"، لطمس حقيقة إطلاق قواتها النيران الحية على المحتجين في كشمير، بزعم أنهم إما "إرهابيون" مدعومون من باكستان، أو "جهاديون متطرفون".

وأضاف أن عملية إسكات وترهيب الأكاديميين والصحافيين والمثقفين الذين ينتقدون الصهيونية أو إسرائيل، تُشابه الطُرق التي تتبعها جاليات "الوطنيين الهنود" القوية (اقتصاديا واجتماعيا) حول العالم، لمحاولة إخفاء أي انتقادات حول كشمير، بينما يبقى الشعبان المضطهدان عاجزان أمام هاتين الماكنتين القمعيتين.

التعليقات