استفتاء التمديد للسيسي "محسوم" والمعارضة تستنفر

تجري مصر، بدءًا من السّبت المقبل، استفتاءً على تعديلات مقترحة للدستور، تستبقه السلطات بتحركات على الأرض عبر وسائل متعددة، على أمل تكثيف المشاركة، بينما دفع القمعُ المعارضة إلى حصر نشاطها في الفضاءين الإلكتروني والتلفزيوني، أملًا في المقاطعة لإحراج النظام.

استفتاء التمديد للسيسي

من حملات السيسي في أرجاء القاهرة (أ ب)

تجري مصر، بدءًا من السّبت المقبل، استفتاءً على تعديلات مقترحة للدستور، تستبقه السلطات بتحركات على الأرض عبر وسائل متعددة، على أمل تكثيف المشاركة، بينما دفع القمعُ المعارضة إلى حصر نشاطها في الفضاءين الإلكتروني والتلفزيوني، أملًا في المقاطعة لإحراج النظام.

وأقر البرلمان نهائيا، أمس، الثلاثاء، جميع المقترحات التي قُدمت في شباط/ فبراير الماضي، لتعديل دستور 2014، وتتضمن إمكانية بقاء الرئيس، عبد الفتاح السيسي، في الرئاسة حتى عام 2030.

ووفق أكاديمي مصريّ، فإن الحكومة تحشد للمشاركة في الاستفتاء عبر خمس وسائل، هي "اللافتات والمؤتمرات والقرارات الإيجابية للسيسي برفع رواتب الموظفين وأصحاب المعاشات (رواتب تقاعد)، وفرض غرامة مالية على المقاطعين، واللعب بورقة الإرهاب ودعم الاستقرار".

صور السيسي في كل مكان (رويترز)
صور السيسي في كل مكان (رويترز)

وعبر قناة تلفزيونية وجمع توقيعات وتدشين استفتاء إلكتروني موازٍ، تحاول المعارضة الحشد المضاد لتعديلات الدستور، التي تقول إنها تزيد من هيمنة السيسي على مقاليد الأمور.

وتأمل المعارضة في نسبة مشاركة ضعيفة بما يمثل، وفق تقديرها، تشكيكا في شرعية النظام وإحراجا له أمام العالم الخارجي، بينما تأمل السلطات في مشاركة كثيفة توفر لها مساحة للتحرك داخليا وخارجيا.

وذكرت تقارير إعلامية غير رسمية أن الاستفتاء سيكون ثلاثة أيام للمصريين بالخارج، بين 19 و21 نيسان/ أبريل الجاري، تعقبه ثلاثة أيام داخل مصر، بين 22 و24 من الشهر ذاته.

وشهدت مصر، منذ قيام ثورة تموز/ يوليو 1952 التي أنهت حكم أسرة محمد على وأقامت النظام الجمهوري، 18 استفتاء تنوعت بين اختيار رئيس الجمهورية وتعديلات دستورية وقضايا سياسية، لم تكن النتيجة في أي منها بالرفض.

وفي أحدثها، عام 2014، بلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء على مشروع الدستور 38.6 بالمئة، والموافقة 98.1 بالمئة، فيما رفضه 1.9 بالمئة من المشاركين في الاستفتاء، الذي قاطعته أطياف واسعة من المعارضة المصريّة.

إجراءات استباقية

أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية، سعيد صادق، قال للأناضول إن النظام تعامل مع الأوضاع السياسية بذكاء عبر قرارات مسبقة تخفف من وطأة الأعباء الاقتصادية، رغم أن تنفيذها يبدأ بعد ثلاثة أشهر، وذلك حرصًا على عدم خسارة أصوات ملايين من موظفي القطاع العام والمتقاعدين، وهم أحد أركان التصويت.

وأعلنت السلطات المصرية، نهاية الشهر الماضي، سبعة قرارات، بينها رفع الحد الأدنى للأجور، ومنح علاوة دورية واستثنائية للموظفين بالقطاع العام وأخرى مماثلة لأصحاب المعاشات، وإطلاق أكبر حركة ترقيات يبدأ تنفيذها في تمّوز/ يوليو المقبل.

وأضاف صادق أن الحكومة ستلعب بأوراق أخرى، بينها التلويح بفرض غرامة مالية على المقاطعين للاستفتاء، وأهمية استمرار النظام لاستكمال ما يعتبره إنجازات، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار، وذلك عبر اللافتات والمؤتمرات في كافة أرجاء مصر.

وتنتشر بكثافة لافتات في الشوارع والميادين الرئيسية بالقاهرة وبقية المحافظات، تحمل شعارات للحث على المشاركة، بينها "صوتك مسؤولية"، و"المشاركة أمانة".

بينما لا توجد ولو لافتة واحدة للمعارضة، التي تتخذ من مواقع التواصل الاجتماعي منابر لها ضد تعديل الدستور.

وعادة ما تلجأ السلطات المصرية إلى الإعلان عن تطبيق غرامة مالية قدرها 500 جنيه (حوالي 28 دولارًا) بحق كل من يقاطع، غير أنّها لم تطبقها في أي استحقاق سابق، سواء انتخابات أو استفتاءات.

مشاركة عامة ضعيفة

وحول نسبة المشاركة المتوقعة، رأى صادق أن الاستفتاء سيشهد مشاركة واسعة من مؤيدين ثابتين للنظام، وهم الأقباط والسلفيّون والمرأة، التي شهدت تمكينا كبيرا خلال حكم السيسي، لكن في الإطار العام سيواجه النظام بـ"إقبال عام ضعيف" من الناخبين.

ومن بين المواد المقترح إضافتها للدستور أن يُضاف إلى تشكيل مجلس النواب (البرلمان) فقرة تنص على "يُخصص ما لا يقل عن ربع عدد المقاعد (من أصل 596) للمرأة".

وبشأن دعوات المعارضة إلى المقاطعة، اعتبر صادق أنها "غير مجدية"؛ لأن القانون لم يحدد نسبة معينة كحد أدنى للمشاركة في الاستفتاء للاعتراف بنتائجه، لكن ضعف المشاركة يعد "تجريحا سياسيا" للنظام.

ويجب موافقة أغلبية الأصوات الصحيحة في الاستفتاء لتصبح التعديلات نافذة.

دعوات للمقاطعة

وتلقى التعديلات المقترحة رفضًا من معارضي السيسي داخل مصر وخارجها، وسط دعوات إلى المقاطعة.

ومن أبرز المعارضين لتعديل الدستور نائب الرئيس المصري السابق، محمد البرادعي، والمرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، ونحو عشرة أحزاب يسارية وليبرالية وتكتل برلماني مناوئ، يُسمى "25-30" (يضم 16 نائبًا).

وعقب الإعلان عن مقترح تعديل الدستور، وقع أكثر من عشرين ألف شخص وثيقة بعنوان "لا لتعديل الدستور"، من خلال التداول عبر منصات التواصل بمصر.

قناة "لا"

ومنتصف الشهر الماضي، أعلن أيمن نور، مرشح الرئاسة الأسبق، أنه سيتم افتتاح قناة جديدة باسم "لا"، وأنها بدأت بالفعل بثها التجريبي.

وأوضح نور أن "أهم القضايا التي جعلتنا نتجه نحو تأسيس هذه القناة هي التعديلات الدستورية، حيث وصلنا أكثر من 50 ألف رسالة من الشعب المصري لرفض التعديلات".

استفتاء موازٍ

وأطلق معارضون مصريون، في 9 نيسان/ أبريل الماضي، استفتاء إلكترونيا موازيًا لرفض التعديلات المقترحة، تحت اسم "الاستفتاء الحر".

ودشّنت حملة تدعى "باطل" صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي بالاسم نفسه، وكذلك موقعا إلكترونيا لتنظيم استفتاء على التعديلات المقترحة.

وقالت الحملة إن فكرة "الاستفتاء الحر" يقوم عليها شباب مصريون، وتبناها علماء وفنانون وإعلاميون وسياسيون داخل وخارج مصر يرفضون استمرار السيسي في الحكم.

ويحكم السيسي حاليا في فترة رئاسية ثانية وأخيرة، بحسب الدستور الحالي، تنتهي عام 2022.

وتشمل التعديلات المقترحة أيضا: تعيين أكثر من نائب للرئيس، وإعادة صياغة وتعميق دور الجيش، وإنشاء غرفة برلمانية ثانية باسم "مجلس الشيوخ".

وحتى اليوم، لم تعلق الرئاسة على التعديلات المقترحة، إلا أن السيسي قال في مقابلة متلفزة عام 2017، إنه لا ينوي تعديل الدستور، وسيرفض مدة رئاسية ثالثة.

التعليقات