دعا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مساء اليوم الأحد، نظيره الأميركي دونالد ترامب، إلى التراجع عن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل؛ وأكد أن الأولوية في المرحلة المقبلة هي لدعم الفلسطينيين، ومطالبة الأمم المتحدة بمراقبة الوضع عن كثب في القدس، على إثر قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال.

وعاد الرئيس التركي، خلال مؤتمر صحافي مشترك أعقب مباحثاته مع الرئيس السوداني عمر البشير في الخرطوم، إلى الحديث عن الدول التي دعمت واشنطن في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أثناء التصويت على مشروع القرار التركي-اليمني الذي يقضي بالحفاظ على وضعية القدس إلى مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي.

وأوضح إردوغان أن "الدول التي امتنعت عن التصويت (في الجمعية العمومية) فعلت ذلك بدافع الخوف فقط"، في إشارة إلى تهديدات واشنطن التي سبقت انعقاد الاجتماع، مؤكداً أن "المستقبل كفيل بتغيير مواقفها في نصرة الحق، لأن الحق هو الذي ينتصر في النهاية"، على حسب قوله.

وأبرز أن "قضية القدس ليست قضية العالم الإسلامي وحده، إنما قضية العالم المسيحي أيضا، وقضية الإنسانية جمعاء"، مستعرضاً الاتصالات التي أجراها، في الأيام الماضية، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبابا الفاتيكان، ومنظمة دول عدم الإنحياز.

وفي خطاب لاحق للرئيس التركي أمام البرلمان السوداني مساء الأحد، طالب الرئيس الأميركي بأن "يعيد التفكير في قراره بشأن القدس ويتراجع عنه"، كما طالبه بـ"استنكار ما يحدث تجاه أبناء فلسطين"، وأن يرى كيف اعتدى جنود الاحتلال الإسرائيلي على شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفا: "على ترامب أن يتذكر أن له أبناء كما أتذكر أنا أبنائي".

وأشاد بمواقف الخرطوم بعد انقلاب 15 تموز/ يوليو في تركيا، موضحاً أن "الشعب التركي لن ينسى ذلك للشعب السوداني"، كما نوّه بـ"تعاون الخرطوم في مطاردة منظمة الخدمة" التي يتزعمها فتح الله غولن، والمتهمة بتدبير المحاولة الانقلابية، متعهداً بالقضاء عليها تماماً في أفريقيا.

وقال إردوغان، إن زيارته إلى السودان، وما صاحبها من توقيع اتفاقيات مشتركة في مختلف المجالات، ستدفع العلاقة بين البلدين إلى الأمام، مؤكداً اهتمام بلاده بالسودان، وحرصها على تطوير الشراكة الاستراتيجية معه ومع الدول الأفريقية، متحدثاً عن زيادة عدد السفارات التركية في القارة، والتي وصلت الآن إلى 39 سفارة، بدلا من 12 فقط منذ آخر زيارة له عندما كان رئيساً للوزراء.

وأضاف أن حجم التبادل التجاري بين الخرطوم وأنقرة، والذي يصل إلى 500 مليون دولار، لا يتناسب مع حجم العلاقات بين البلدين، متعهداً بالعمل على زيادته ليصل إلى مليار دولار خلال عام من الآن، وإلى 10 مليارات دولار في السنوات المقبلة.

وفي سياق آخر، نفى إردوغان أن تكون الدولة العثمانية قد ارتكبت جرائم خلال توسعها في القارة الأفريقية، داعيا إلى ترك القارة اليوم لتحدد مصيرها بواسطة أبنائها، فيما يبدو ردا على حزب "الأمة" السوداني المعارض، الذي كان قد طالبه بتقديم اعتذار للسودان عما اعتبرها "جرائم جسيمة ارتكبها العثمانيون خلال حكمهم البلاد في الفترة من 1821-1885".

من جهته، أشاد الرئيس السوداني بمواقف إردوغان في مواجهة القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وشدد على أن "عدالة القضية وموقف إردوغان أديا إلى هزيمة الولايات المتحدة وعزلتها داخل مجلس الأمن"، مبيناً أن "العزلة امتدت إلى داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي صوتت بالأغلبية المطلقة لصالح القدس الشريف".

ووصف البشير زيارة إردوغان بـ"التاريخية"، وأنها "سيكون لها ما بعدها"، مؤكداً أنها "تمثل قفزة كبيرة في علاقات البلدين". وأضاف أن اللجنة العليا ستجتمع مرة في العام، في كل من الخرطوم وأنقرة بالتناوب، برئاسة رئيسي البلدين.

ووقّع السودان وتركيا، الأحد، على 12 اتفاقية اقتصادية وتجارية، وعلى مشروع شراكة استراتيجية يشرف عليها مباشرة الرئيسان.

وقد صل الرئيس التركي، اليوم، إلى السودان، في زيارة رسمية تُعد الأولى لرئيس تركي للبلاد، منذ استقلال السودان عام 1956، حيث كان البشير على رأس مستقبليه في مطار الخرطوم، برفقة عدد من وزراء الحكومة.

وعزفت فرقة الموسيقى العسكرية النشيدين السوداني والتركي، فيما اصطف آلاف السودانيين على جانبي الطريق، بين مطار الخرطوم والقصر الجمهوري للترحيب بالرئيس التركي، مردّدين هتافات مؤيدة لمواقف إردوغان، الرافضة قرار الرئيس الأميركي بشأن القدس.

وحملت بعض الحشود شعارات "إلى الأمام يا إردوغان"، و"إردوغان القدس نصرةً من السودان".

ويتضمن جدول أعمال زيارة الرئيس التركي، التي تستمر ثلاثة أيام، إلقاء خطاب أمام المجلس الوطني (البرلمان)، اليوم الأحد.

وتعلّق الحكومة السودانية آمالاً على زيارة الرئيس التركي، ولا سيما في الشقّ الاقتصادي، الذي تأمل فيه زيادة التبادل التجاري بين الخرطوم وأنقرة، ودخول استثمارات تركية جديدة إلى البلاد، والاستفادة من تجربة تركيا في زيادة معدلات النمو الاقتصادي.

ويرافق إردوغان في جولته عقيلته أمينة إردوغان، ورئيس الأركان خلوصي أكار، ووزراء الخارجية مولود جاووش أوغلو، والاقتصاد نهاد زيبكجي، والزراعة والثروة الحيوانية أحمد أشرف فاقي بابا، والثقافة والسياحة نعمان قورتولموش، والمالية ناجي أغبال، والتربية عصمت يلماز، والدفاع نور الدين جانيكلي، والمواصلات والاتصالات والنقل البحري أحمد أرسلان، فضلاً عن عدد كبير من رجال الأعمال.

ومن المقرّر أن يعقد 200 رجل أعمال تركي يرافقون إردوغان في زيارته إلى الخرطوم لقاءات مع نظرائهم السودانيين في ملتقى اقتصادي، يتخلّله توقيع اتفاقيات مشتركة.

ويُعتبر السودان المحطة الأولى من جولة أفريقية لإردوغان، تستمر من 24 وحتى 27 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، وتشمل كذلك تشاد وتونس.

اقرأ/ي أيضًا | إردوغان: ترامب لن يشتري العرب والمسلمين بالدولارات

وسبق أن زار إردوغان السودان في عام 2006، عندما كان يشغل منصب رئيس الوزراء، وشملت زيارته حينها إقليم دارفور، الذي كانت تشتد فيه المعارك بين القوات الحكومية والحركات المتمردة.