تستعد إدلب في شمال غرب سورية، عسكريًا ومدنيًا، لمعركة يزداد الحديث عنها في دمشق وموسكو، وتصف الأمم المتحدة نتائجها المتوقعة بالكارثية، في المنطقة التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري، وتتقاسم السيطرة عليها قوى عسكرية معارضة، تختلف في انتماءاتها وتوجهاتها.


منذ يوم الجمعة 31 آب/ أغسطس الماضي، شهدت عدة مناطق في ريف إدلب وشمال حلب، مظاهرات نددت بتهديد إدلب، شارك فيها المئات من السكان المحليين رافعين شعارات يعود عمر بعضها لأكثر من سبع سنوات، منذ بداية الاحتجاجات السلمية في سورية.

الفصائل المسلحة: نحن جاهزون

في كلمة مصورة له يوم السبت الأول من أيلول/ تموز الماضي، قال القائد العام لحركة "أحرار الشام" وعضو مجلس قيادة "الجبهة الوطنية للتحرير"، جابر علي باشا، إن الفصائل المقاتلة على أتم الاستعداد لمعركة إدلب، مشيرًا إلى أن الفصائل تملك الكثير من الأوراق السياسية والعسكرية والأمنية، لافتا إلى أن التجربة أثبتت أنه لا يمكن الوثوق بالروس نظرًا لنقضهم جميع الالتزامات التي قطعوها على أنفسهم في المفاوضات والاتفاقيات التي أُبرمت معهم.

وفي هذا السياق، قال المتحدث الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير، الفصيل السوري المعارض العامل في إدلب، العقيد ناجي أبو حذيفة في حديث لـ"عرب 48"، إن مقاتلي إدلب يتابعون بكل جدية التصريحات التي تصدر عن دمشق وموسكو حول عملية عسكرية من الممكن أن تبدأ نحو إدلب في الأيام المقبلة.

ويكرر أبو حذيفة ما أكد عليه علي باشا حول عدم الثقة بالطرف الروسي "المشكلة أن النظام مع حليفته روسيا لا كلمة لهما، تابعنا ماذا حدث حتى مع الأطراف التي اتفقت معه في درعا، وكيف بات جزء من عناصر الفصائل المعارضة في درعا سابقًا، منضويًا تحت لواء النظام الذي أتى بهم لتخوم إدلب لمقاتلتنا".

كانت الأسابيع القليلة الماضية قد شهدت عمليات اعتقال واسعة قامت بها جبهة تحرير الشام (النصرة سابقًا)، قالت إنها طالت عناصر وقيادات قد توقع اتفاقات مع النظام لتسليم المناطق والقرى من دون قتال.

تطور سياسي آخر جاء من أنقرة، التي ضمت جبهة تحرير الشام إلى قوائم الإرهاب في 31 آب/ أغسطس الماضي، والتي تعتبر أكبر فصيل عسكري في عموم إدلب وريفها، بعد ساعات من حديث الأمم المتحدة عن وجود أكثر من 10 آلاف إرهابي في إدلب، أبو حذيفة لا يرى أن تركيا ستغير من موقفها السياسي والعسكري تجاه معركة إدلب، ويقول "لا أعتقد أن الموقف التركي سيتغير لا اليوم ولا غدًا، قدمت تركيا لنا الكثير، ماليا وسياسيا ولوجستيًا، تركيا لا تزال تقف معنا ولا أعتقد أنها ستتخلى عن حلفائها في الشمال السوري".

ويعول جزء من السوريين على موقف تركي قد يحمي المدنيين في إدلب، أو قد يوقف العمل العسكري بشكل تام، عبر التنسيق بين أنقرة وموسكو، لاتفاق يرضي جميع الأطراف.

إدلب تتحصن

بحسب ناشطين في إدلب تحدثوا لـ"عرب 48"، فإن جبهات المدينة بدأت تُحصن من نفسها خلال الأسابيع القليلة الماضية، استعدادًا للمعركة المرتقبة، والتي يرى كثيرون أنها باتت وشيكة، بدوره، استقدم النظام المزيد من الحشود العسكرية إلى المناطق التي يسيطر عليها في شمال غرب سورية.

مظاهرات مدنية في إدلب، اليوم الجمعة، ضد هجوم محتمل للنظام (أ ب)

يؤكد أبو حذيفة لـ"عرب 48"، استعداد فصيله لأي عمل عسكري قادم: "وضعنا الخطط الهجومية والدفاعية اللازمة، منذ بدء التهديدات من النظام والاحتلال الروسي، نحن نعول أولًا على استعداداتنا وعلى ثوار المنطقة، لن يستطيع النظام التقدم في مناطقنا وسيشهد الكثير من الخسائر في الأرواح إن أقدم على تنفيذ تهديداته".

لا شيء تغير

"ملامح المدينة لم تختلف كثيرًا عن سابقاته من الأيام"، يقول فادي أحمد وهو مدني مقيم في إدلب في حديث لـ"عرب 48"، ويشير إلى أنه "لم يلحظ أي تغيير على حياة الناس مع التصريحات المستمرة عن المعركة". وأوضح أن "الحقيقة أن المدنيين في إدلب لا يمتلكون هذه الرفاهية لتخزين الطعام مثلًا، أو تحصين المنازل أو حتى المغادرة، السنوات الطويلة من المعارك والاشتباكات، تركت المدنيين عاجزين عن القيام بأي استعدادات، ما تغير فقط هو أن ترقب المعركة وتناقل أخبارها بات جزءًا من الأحاديث اليومية بين الناس".

التصريحات التي يطلقها عسكريون في إدلب، تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن التي سبق وأطلقتها فصائل معارضة في درعا والغوطة الشرقية وغيرها من المناطق، التي انتهت معاركها بسيطرة النظام بشكل كامل عليها، ما يترك المدنيين أمام توقعات أقل تفاؤلا بما هو أفضل في حال بدأت المعركة فعلًا.

يقول أبو أحمد وهو رب عائلة يقيم في خان شيخون بريف إدلب لـ"عرب 48"، إنه لا يصدق أيًا من التصريحات أو التهديدات التي يسمعها بشكل يومي، لكنه يواظب على معرفة آخر ما يقال "أنا انتظر الأفعال لا الكلام، كلما تحدث العسكريون أكثر كلما عرفت أن الفعل سيكون أقل بكثير، قبل أشهر من الآن كانت الفصائل هنا تتقاتل فيما بينها ثم تعقد اتفاقات وتعود للقتال، قتلت بعض الفصائل من بعضها البعض، أكثر مما قتلت من عناصر أعدائها".

لا باصات ولا معابر اليوم

حربًا أم سلمًا، وصل آلاف من السوريين من مناطق عدة من البلاد إلى إدلب وريفها، عبر باصات أشرفت عليها الأمم المتحدة أو الهلال الأحمر السوري، وفي بعض الحالات القوات الروسية بشكل مباشر، في أطار ما بات يعرف في سورية بـ"التهجير القسري"، كانت التصريحات التي يطلقها النظام حول معارك قادمة، تقترن دائمًا بعرض مُبطن بالنقل نحو إدلب لمن لا يرغب بالتسوية أو القتال، مع معركة إدلب، لا يملك النظام ولا روسيا مساحة من الممكن أن يُنقل إليها أي مقاتل، وهو ما يجعل منظمات دولية تخشى من مذابح كبرى، ويجعل تركيا أيضًا، تعبر عن خشيتها من موجة تهجير قد تجبرها على استقبال مليون سوري إضافي، بعد أن سبق واستقبلت ثلاثة ملايين ونصف المليون.

المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا، قدم عرضًا للمدنيين في إدلب - "معابر آمنة" إلى مناطق النظام - عرضٌ ما لبث أن أثار غضبًا في الشارع المحلي، "كيف لمن اختار ترك منزله في جنوب دمشق أو درعا أو حمص، أن يختار الآن العودة إلى مناطق النظام من جديد؟" يقول الناشط المدني أحمد سالم لـ"عرب 48".

يتابع سالم "عرض دي مستورا يبدو متواطئًا مع النظام ومع روسيا، من سيقبل هذا العرض، أؤكد لك لا أحد هنا. هذا عرض للاستثمار الإعلامي والسياسي فقط، كي يقال إن الجهة التي توجه طائراتها إلى منازل المدنيين، تفتح ثغرات لنقلهم إلى الأمان، كما حدث في حلب سابقًا".

اقرأ/ي أيضًا | طبيب بحلب لـ"عرب 48": وقف إطلاق النار أو الموت