توجه الآلاف من اللاجئين السوريين إلى صناديق الاقتراع في السويد، صباح الأحد 9 أيلول/سبتمبر، للمشاركة في الانتخابات البرلمانية والمحلية، وسط مخاوف من تحقيق حزب اليمين المتطرف فوزا يمكّنه من إحداث تغيير في الحقوق الممنوحة اليوم لمئات آلاف اللاجئين والمهاجرين في البلاد.

ينص القانون في السويد على أنه من حق الحاصل على إقامة في البلاد التصويت في الانتخابات المحلية الخاصة بالبلديات والمحافظات، لكن لا يحق له المشاركة في الانتخابات البرلمانية، فيما يحق للمُجنس الاقتراع في الانتخابات الثلاثة.

المرة الأولى

توجه علاء السعدي، وهو فنان فلسطيني سوري مقيم في السويد، إلى مركز الاقتراع للإدلاء بصوته في الانتخابات، كانت تلك تجربته الأولى التي يقترع فيها.

يقول لـ عرب 48 "لم أعش في كل حياتي تجربة مثل هذه، شعرت أنه من واجبي أن أقوم بالتصويت. العرب هنا منقسمون بين أحزاب اليسار، فالجميع لديه مخاوف من تقدم الحزب اليميني وما أطلقه من وعود خلال الحملة الانتخابية".

الكثير من الأفكار والمشاعر اختلطت في ذهن الصحفي بسام يوسف، السوري المقيم في السويد، والذي توجه إلى مركز الاقتراع، للمرة الأولى في حياته.

يقول لعرب 48 "أخبرت الموظفة أنني لا أعرف كيف أدلي بصوتي، ثم دخلت إلى الغرفة السرية، كانت الموظفة تعلمني كل حركة، قبل أن تشكرني لأنني أدليت بصوتي، كانت الأفكار عن سورية تجول في رأسي".

سورية أمام الصندوق

عاش من حدثهم عرب48، تجارب متشابهة أثناء الانتخابات، جميعهم نقلت لهم الذاكرة صورا من سورية بشكلها السياسي والاجتماعي والأمني، مقارنات وجدوا أنفسهم داخلها دون إرادة لذلك.

أمضى يوسف سنوات طويلة معتقلا في سجون النظام بسبب نشاطه السياسي. وقال إنه صوت قبل ذلك على كمية السكر التي يجب أن توضع في إبريق الشاي في السجن، وكمية الخبز التي يجب أكلها اليوم، لكن لم يدل بصوته في عملية انتخابية كهذه طوال سنين حياته التي تجاوزت الستين.

يقول يوسف، الذي غادر سورية عام 2012 "مجرد أن تُشكر لأنك مارست حقك في التصويت أمر غريب علي. في سورية كنا نشتم حين نحاول الحصول على شهادتنا الجامعية، لم يكن يحق لك أن تكون مواطنا، هنا كل شيء يخبرك بأنك مواطن تتمتع بكامل حقوقك".

يستذكر يوسف تفاصيل كثيرة من سورية تتعلق مباشرة بالحياة السياسية، ومثله يفعل مروان حفار، الذي توجه باكرا إلى صناديق الاقتراع لأنه يحترم ما يسميه "العقد الاجتماعي" بينه وبين المجتمع السويدي "المسألة تماما كما عقد العمل أو عقد إيجار المنزل، عليّ أن أشارك في الانتخابات التي تحدد شكل البلاد سياسيا، أنا مهتم بالسياسة، ومثلي مثل آخرين من السوريين، أتيت من بلاد تحكمها الديكتاتورية ولا تعرف أي شيء عن الممارسة الديمقراطية، هنا أقوم بفعل ديمقراطي للمرة الأولى في حياتي".

بحماس، يتحدث الحفار عن السويد وتجربته فيها، وهو المطلع بشكل كبير على الحياة السياسية في البلاد التي وصلها عام 2015، وبحماس أقل تذكر الشاب ابن السابعة والعشرين، حادثا أمنيا انتهى به في قسم شرطة من دون أي ذنب، وكيف قال له ضابط في الشرطة بشكل واضح، إنه بلا حقوق ولا سلطة للقانون في البلاد التي يعيش فيها.

لم يعش السعدي أي عملية تمييز ضده أثناء الإدلاء بصوته. ويقول "هنا تتمتع بثقة كبيرة وأنت تتجه إلى الغرفة السرية، الجميع يرحبون بك، ويخبرونك ماهي الخطوات التي يجب أن تقوم بها تماما. من الطبيعي أن نواجه بعض عمليات التمييز العنصري في الحياة العامة، لكنها قليلة جدا، وعليك مواجهتها بشكل عقلاني".

اليمين يهدد

"يسعى اليمين السويدي إلى تغيير سياسية الهجرة في البلاد، وتحويل المساعدات التي تقدم للاجئين إلى خارج السويد بدلا من استقبال المزيد من المهاجرين واللاجئين" يقول الحفار، فيما يعتبر يوسف أن اللاجئين والمهاجرين يرتكبون خطأ كبيرا في ميولهم السياسية داخل السويد، التي يبنونها بناء على الوعود التي تقدمها بعض الأحزاب للاجئين، بدلا من التوجه إلى برامج انتخابية تفيد السويد والمجتمع السويدي بشكل عام.

يقول يوسف "علينا أن ننظر إلى ما هو أبعد من قضايانا الشخصية، البعض قد يغير موقفه السياسي من حزب ما مقابل وظيفة مثلا، قلائل هم من يفكرون بالمصلحة العامة".

الديمقراطية وتراثها

يوافق الحفار على أن غياب التجربة الديمقراطية لدى المهاجرين، تجعلهم مربكين أمام الحدث بشكل عام، وإن كان يرى أن نسبة كبيرة ممكن يعرفهم من سوريين وعرب، قد أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الحالية، من جديد كتجربة هي الأولى من نوعها في بلدانهم الجديدة.

واضطر بعض المرشحين من أصول عربية إلى القيام بجولات خاصة لتعريف المهاجرين واللاجئين الجديد بأهمية المشاركة في الانتخابات. بعضهم زار الناخبين في المنازل لهذا الغرض، ووجد نفسه أمام أسئلة مثل "لماذا نشارك؟ وهل سنحدث تغييرا فعلا".

وتقول المرشحة عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في محافظة يوشابن، غادة ملا، إن بعض من قابلتهم لم يكونوا يعلمون بوجود انتخابات أصلا. بينما يقول مرشح الحزب الليبرالي، محمد حسان، إن الإيمان بالديمقراطية غير موجود في البلاد الأصلية للاجئين، وهو ما يشكل عقبة يجب تخطيها في عقول اللاجئين.