رصد كبير المراسلين في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، إد بيلغنتون، على مدار العامين الماضيين، قصص ثمانية معتقلين سياسيين منتمين لحركة التحرر الثورية "الفهود السود"، وما زالوا معتقلين في السجون الأميركية منذ عقود من الزمن.

وقال بيلغنتون إن ستة أشخاص من بين الثمانية يقبعون في السجن حتى يومنا هذا، من إجمالي 19 معتقلًا، جميعهم متهمون بجرائم "قتل" لأفراد من الشرطة الأميركية منذ منتصف الستينيات وحتى بداية الثمانينيات.

وتمحورت أسئلة بيلغنتون حول المعاناة التي تعرض إليها هؤلاء طوال سنوات الحبس، بالإضافة إلى توقهم إلى الحرية الجماعية للأميركيين من أصل أفريقي التي تأتي قبل رغبتهم بالتحرر الفردي، بالإضافة إلى حرية الأعراق الأفريقية بأكملها.

وأشار بيلغنتون إلى أن أكثر جزء كان "مفاجئا" في قصصهم هو " الشغف غير المتناهي الذي عبر عنه جميعهم تجاه قضية تحرر السود"، بالإضافة إلى أن إيمانهم بعدالة نضالهم ضد الظلم لم يخف ولم ينجح قيدهم في إحباطه.

وانتشرت "موضة" الحركة حديثًا رغم انتهائها رسميًا عام 1982، فقد تميّز أعضاؤها والداعمون لها بطلّة فريدة كانت تتأسس على ألبسة باللون الأسود بالإضافة إلى إطلاق الشعر لينمو بشكل طبيعي، بعد أن تأسست الحركة السياسية على مفاهيم المناضل الأميركي الأسود الذي اقترح مصطلح "القوة السوداء"، مالكولم إكس، عقب اغتياله بسنة واحدة.

ولفت بيلغنتون إلى النقاش شبه المنعدم حول ثورة سبعينيات القرن الماضي وتبعاتها، رغم انتشار ما وصفه بالـ"مغازلة الشعبية" مع الفهود (أعضاء الحركة)، الذي أطلقه عدّة فنانين على مدار العامين الماضيين، ابتداء من استعراض المطربة الأميركية من أصل أفريقي، بيونسي، الذي شمل ملابسهم المثيرة، ووصولًا لافتتاحية فيلم الإثارة والخيال العلمي الجديد "الفهد الأسود" التي شملت مظاهر متعلقة بهم، بالإضافة إلى عرض الفيلم أولًا في الساحة التي انطلقت منها الحركة رسميًا عام 1966.

وتحدث بيلغنتون عن الجهل العام حول كيفية انتشار الفهود السود وتأسيسهم لـ70 فرعا حول الولايات المتحدة بعد انطلاقة متواضعة في حي فقر في أوكلاند، حيث كانت أول حركة تحدّت وحشية الشرطة تجاه المواطنين السود، وطوّرت برامج اجتماعية شملت توزيع طرود غذائية على العائلات التي عانت من الفقر والتهميش بشكل ممنهج، وتأسيس حضانات للأطفال في الأحياء الفقيرة.

واستفز نشاط الحركة الذي شمل طلاب جامعات ومظاهرات واسعة في المدن الكبيرة، مكتب التحقيقات الفدرالي والحكومة الأميركية اللذين حارباها بعنف كبير، مما أدى إلى مواجهات عديدة بين أعضاء الحركة وأفراد الشرطة، تخللها إطلاق رصاص، ومداهمات ومراقبة على مدار الساعة، إلى جانب الخدع "القذرة" التي استخدمتها الأجهزة الأمنية الأميركية للقضاء على الحركة.

وسرد بيلغنتون قصص أسرى الحركة، وقصص أسرى جنائيين انضموا إلى نضال الشارع بعد معاناتهم داخل السجن من التفرقة العنصرية ومن شروط العبودية التي تعرضوا إليها، حيث كانوا، على سبيل المثال، مُجبرين على العمل في الحقول لحصد القمح بعد انتهاء العبودية بمائة عام، رغم بقاء الغالبية الساحقة من "زملائهم" البيض في شروط أفضل داخل السجون.

وعرض بيلغنتون مثلًا عن هؤلاء، حيث أنه ذكر اسم شخصين، ألبرت وودفوكس وهرمان وولس، اللذين حُكم عليهما بالسجن بتهم جنائية متفرقة وتعرضا لمعاملات قاسية، مما دفعهما إلى الانتماء إلى الحركة وتنظيم السجناء، الأمر الذي دفع إدارة السجن إلى تلفيق تُهمة قتل سجّان لهما، ووضعتهما في زنزانتين انفراديتين لعشرات السنين، حيث أُطلق سراحهما بعد أكثر من 40 عامًا لثبوت تزوير الأدلة بحقهما بعد نضال طويل داخل أروقة المحاكم.

وتأسست الحركة على مفاهيم اشتراكية ثورية ارتبطت فكريًا مع حركات تحرر أخرى في أفريقيا وغيرها من مناطق العالم الثالث، وطالبت بإنهاء "سرقة الرأسمالية البيضاء للمجتمع الأسود" في الولايات المتحدة،  كما أنها عرضت نفسها على أنها دولة داخل دولة.

وقال المعتقل السياسي، مومايا أبو جمل الذي يقبع منذ 37 عاما في السجن بتهمة قتل أحد عناصر الشرطة الأميركية في فيلادلفيا، للصحفي، إن حركة الفهود السود كانت تناهض الحكومة الأميركية.

واستخدم أعضاء الحركة القوانين الفدرالية والمحلية بذكاء شديد، حيث أنهم استطاعوا استغلال الثغرات، فمثلًا، أتاح قانون ولاية كاليفورنيا في الستينيات، حمل السلاح للعامة، الأمر الذي استغله أفراد الحركة، وباتوا يجوبون مناطقهم حاملين السلاح دون استخدامه، وعندما يعتدي أفراد الشرطة على رجل أسود في الحي، كانوا يقفون بمحاذاته دون أن ينطقوا بكلمة.

وردت الحكومة على ممارسات الحركة بعنف شديد، فقد كانت تخشى خطر ثورة سوداء مسلحة، لدرجة أن رئيس "إف بي آي"، تعهد بسحقهم قائلًا إنهم بمثابة "أكبر خطر على الأمن القومي الأميركي".

وقُتل خلال 28 اشتباكا بين الشرطة والفهود السود، 19 شخصا من أعضاء الحركة، واعتقل المئات، وبالمقابل أدانت السلطات الأميركية العديد من أعضاء "جيش التحرير السود" الذي انبثق عن الحركة في السبعينيات بقتل 13 شرطيًا.

وخلص بيلغنتون إلى القول إن جميع أعضاء الحركة المعتقلين منذ عقود، يؤمنون بعدالة قضيّتهم، وكونهم أسرى سياسيين، بالإضافة إلى أنهم لا يقبلون التخلي عن مبادئهم السياسية، ومن بينهم من يقول إنه غير مذنب، أما بعضهم الذين أقروا بقتل أفراد من الشرطة فهم يعترفون بخطأ القتل فقط، مع الإبقاء على المنهج السياسي.