قام عملاء الموساد الإسرائيلي عام 1968 بعملية قرصنة دولية جرى خلالها تهريب "الكعكة الصفراء" من الكونغو، حيث جرى تحميل 200 طن من اليورانيوم الطبيعي لتغذية مفاعل ديمونا النووي، وجرى نقلها من سفينة خرجت من بلجيكا تحمل علم "ليبيريا" في عرض البحر، بواسطة سفينة تابعة للموساد إلى سفينة تابعة لشركة "تسيم" الإسرائيلية متجهة إلى تل أبيب.

العملية التي كانت واحدة من سلسلة عمليات تهريب جرى خلالها نقل مواد ومعدات من دول مختلفة في العالم لتفعيل الفرن الذري في ديمونا، وهي عمليات نفذها الموساد بالتعاون مع الوحدة التي أطلق عليها "مكتب العلاقات العلمية"، وهي وحدة سرية قادها رجل الظل بنيامين فيرد، المعروف بــ"بلومبرغ".

فيرد الذي مات الأسبوع الماضي عن عمر يناهز الـ 95 عاما، اعتبر كما وصفته صحيفة "هآرتس" في تقرير موسع نشر بالتزامن مع وفاته، بأنه رجل خفاء المفاعل النووي في ديمونا، جرى تعيينه من قبل رئيس الحكومة، في حينه، ديفيد بن غوريون، ومدير عام وزارة الأمن شمعون بيرس، مع البدء ببناء مفاعل ديمونا في نهاية الخمسينيات، مسؤولا أمنيا عن المفاعل.

وشغل فيرد خلال ثلاثة عقود من 1950 وحتى 1980 عدة وظائف حساسة وسرية مرتبطة بالقدرة العسكرية، العلمية والتكنلوجية لإسرائيل، حيث كان ضابط أمن المفاعلين النووين في ديمونا و"ناحل شوروك" والمعهد البيولوجي في "نس تسيونا" ورئيس قسم في "الشاباك" ورئيس "وحدة العلاقات العلمية"، وهي الوحدة التي أقيمت تحت مسمى "مكتب المهمات الخاصة" وتحولت الى الذراع الشرائي لغالبية الصناعات الأمنية في إسرائيل.

ويكشف نشاط فيرد السري عن "مثابرة" إسرائيل وأجهزة أمنها في انتهاك قواعد وأخلاقيات العلاقات الدولية للوصول إلى أهدافها، حيث يصف المختص بالشؤون الأمنية، يوسي ميلمان، في كتابه "جيش الخفاء"، الدور الهام لتلك العمليات في توفير المواد الضرورية لتشغيل وصيانة المفاعل النووي في ديمونا وغيره من الصناعات العسكرية، ويشير إلى أن فيرد كان يرافق شخصيا البعثات والمواد والعتاد عند نقله إلى إسرائيل.

بالمقابل يكشف الصحافي الإسرائيلي رفيف دروكر، في مقابلة أجراها مع فيرد في مرحلة متأخرة من حياته، عن اتساع نشاط الوحدة التي أقامها في الخارج، ليشمل إرسال "ملحقين علميين" إلى سفارات إسرائيل في أوروبا وشمال أميركا، على شاكلة مهندسين وفيزيائيين وكيميائيين كانوا يضلعون بمهام سرية تتمثل بمتابعة التطور العلمي والتكنلوجي في تلك الدول.

ويشمل نشاط تلك الوحدة عمليات الالتفاف على الحظر الذي فرضته فرنسا ضد إسرائيل بعد حرب 1967، والتي شملت عمليات تهريب سفن "الشربور" ومخططات إنتاج طائرات الميراج.

بلومبرغ استعان لتنفيذ تلك المهمات بشخصيات عامة مثل المنتج الهوليودي المعروف ورجل الأعمال الإسرائيلي - الأميركي أرنون ميلتشين، حيث أقام الأخير شركات صورية في عدة دول للتغطية على النشاط السري الإسرائيلي، وعندما احتاج مهندسو المفاعل في ديمونا لمخططات إنتاج لمعدات سرية ذهب ميلتشين إلى المصنع الألماني الذي ينتج تلك المعدات وجند المهندس المسؤول عن إنتاجها.

وفي عام 1979 تعاونت إسرائيل مع جنوب أفريقيا في إجراء تفجير نووي في المحيط الأطلسي مقابل توظيف مكانة ميلتشين وعلاقاته في الإعلام والسينما في تنظيف نظام الأبرتهايد. بالإضافة لذلك أقام ميلتشين في كاليفورنيا شركة لتهريب العتاد الضروري لتركيب قنابل نووية وهي قضية خضعت لاحقا لتحقيق الــ"إف بي أي".

اقرأ/ي أيضًا | فضيحة: عملية الموساد "الخاصة" ليست أكثر من شراء في مزاد

ولم يقتصر تجنيد رجال الأعمال والشخصيات العامة في خدمة مشاريع إسرائيل على ميلتشين، حيث نفذ رجل الأعمال إلياهو سخاروف بدوره أيضا، عمليات جريئة للحصول على مواد لصالح برامج إسرائيل النووية.