استفادت إسرائيل من الأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق حرب 1956 أهدافها، وبدأت تستعد لحرب قادمة كان لها توجيهات سياسية-استراتيجية، ومنها:

الاعتماد على الذات: أي عدم إشراك قوة أجنبية في القتال بشكل مباشر، وبما أن الحاجة إلى سلاح الطيران هي التي جرّت إسرائيل للتعاون مع بريطانيا وفرنسا في حرب 1956، فكان يجب تدبير قوة جوية كافية وقادرة على تحقيق الأهداف في الحرب القادمة. وقد تم تنفيذ هذا التوجيه، حين تزودت إسرائيل بمائتي طائرة 'ميراج'، وأقامت نماذج كاملة للقواعد الجوية العربية، أتاحت لكل طيار أن يتدرب عليها كأهداف، وينقض عليها مرات عدة حتى يتقن مهمته(1). يضاف إلى ذلك أن المخابرات الإسرائيلية استطاعت الحصول على طائرة 'ميغ-21' عراقية بطيارها، والتي استُخدمت في التدرب على مواجهتها، والتصدي لها ومحاولة التغلب عليها (2). والاعتماد على القوة الذاتية: من خلال العمل لتعويض الفارق الكمي بين إسرائيل والعرب بخلق تفوق نوعي في الجانب البشري عن طريق الهجرة المنتخبة والمتطوعين المتخصصين، والجانب العلمي والتكنولوجي(3). وعملت إسرائيل على رفع كفاءة الطيارين واختارت نوعية متفوقة من المقاتلات، ورفعت قدرات الصيانة، وإعادة تجهيز المقاتلات للطيران في أقصر وقت ممكن، حتى يمكن تحقيق نسبة عالية من الطائرات الصالحة للقتال في أي وقت، الأمر الذي يساعد على تحقيق التفوق الكمي على العدو من الناحية العملية سواء من ناحية مجموع الطائرات العاملة، أو من ناحية مجموع عدد الطلعات التي تستطيع الطائرات أن تقوم بها في اليوم الواحد (4).

الحرب الشاملة خاتمة الحروب: من خلال وضع خطة هجومية على جميع جبهات المواجهة، واتخاذ التدابير اللازمة لذلك من تسليح وتعبئة وتنظيم وتحديد يوم الهجوم وساعة الصفر في مرحلة لاحقة، حينما تقارب الاستعدادات والتدابير حد الاكتمال. حيث بدأ التدريب على الخطة الجوية 'موكيد' منذ عام 1957، وبدءاً من مطلع 1965، أخذت القوات تتدرب على تحقيق الضربة الجوية المفاجئة، وأخذت أسراب الطائرات الإسرائيلية تنطلق يومياً مع شروق الشمس متجهة نحو الغرب فوق البحر المتوسط، ومنذ أوائل العام 1967، لم يعد المصريون يعيرون أي اهتمام لهذه الطلعات الروتينية، وكانت القوات الجوية المصرية تضع بضع طائرات في كل قاعدة بدرجة الاستعداد العليا لمراقبة الطائرات الإسرائيلية، ولكن منذ منتصف 1967 لم يعد لهذا الإجراء أي ارتباط مع الطلعات الصباحية المعادية بل عبارة عن روتين يومي تعوّد عليه الطيارون(5).

العمق الاستراتيجي: كانت إسرائيل قبل حرب 1967، تحتل 20.770 كم2 من أرض فلسطين وطول حدودها مع الدول العربية 990 كم، وطول شواطئها 256 كم، وكان الشكل الطويل لتلك الرقعة، ووجود مناطق ضيقة في الوسط والجنوب يجعل مشكلة الدفاع عنها صعبة، وبخاصة في غياب العوائق الجغرافية التي تعرقل أي تقدم عسكري عربي. وادعت إسرائيل بأن بإمكان مصر شطر قسم من النقب والالتقاء بالجيش الأردني، وأن بعض مناطق الحدود الأردنية في الضفة الغربية لا تبعد أكثر عن 15 كم عن البحر المتوسط، وبإمكان القوات الأردنية شطر إسرائيل لنصفين(6). وبسبب مشكلة العمق الاستراتيجي أو العملياتي تبنت إسرائيل مفهوم الاستراتيجية الهجومية، أو الحرب الوقائية وفيها يطغى العنصر العسكري على الاعتبارات السياسية، وتستخدم الاشتباكات المحلية من أجل تصعيد التوتر وإيجاد الفرص لإنزال الضربة القاصمة(7)، وذلك يفسر أحد أسباب حرب 1967.

خلق قوة ضاربة للجيش الإسرائيلي: ويشمل القوات الجوية، والقوات المدرعة، وقوات المظلات(8).

نقل المعركة إلى أرض العدو: تقتضي الاستراتيجية الهجومية الإسرائيلية أن تبدأ الحرب في أرض العدو، ويتطلب ذلك قوات على درجة عالية من الجهوزية وقوة هجومية ضاربة، ولهذا ركزت إسرائيل على القوات الجوية لحسم الموقف من الجو، والقوات المدرعة لحسمه على الأرض. إن عدم تحقيق السيطرة الجوية قد يؤدي إلى تحويل الحرب السريعة الخاطفة إلى حرب استنزاف طويلة غير مضمونة العواقب، وهو ما تتحاشاه إسرائيل(9). ولما كانت الحرب ميكانيكية وعنصرها الرئيسي الثنائي (الدبابة- الطائرة) تتميز بخفة الحركة والمرونة والمواقف المباغتة، فقد أصبحت القيادة هي العامل الأول في ضمان النجاح، ولذلك أصبح اختيار القادة وتدريبهم يشكلان حجر الزاوية في البناء الجديد للجيش الإسرائيلي(10).

ويهدف تضخيم الخطر العربي إلى تبرير نقل المعركة إلى أراضي 'العدو'. والقيام بالضربة الاستباقية أو 'الهجوم المضاد المسبق'، لتبرير وتغطية أهداف التوسع تحت شعارات أمنية. وعبّر القادة العسكريون الإسرائيليون عن استراتيجية حرب 1967 قبل سنوات من بدء الحرب، فقد قال قائد القوات الجوية عام 1963 :' في حالة الحرب مع العرب، فإن أفضل أساليب الدفاع هو تجنب العمليات فوق أرض إسرائيل، والعمل على تهديد دمشق، واحتلال الضفة الغربية، والاندفاع نحو قناة السويس، فلو اكتفت إسرائيل بالدفاع عن تل أبيب فسيكون ذلك انتحاراً جماعياً، إذ ليس أمامها أي عمل استراتيجي بري، لذلك فإن العمل الاستراتيجي يجب أن يكون هو العمق الجوي'(11).

وربطت القيادة الإسرائيلية هذه الاستراتيجية وخطة العمليات ونجاحها بعناصر ثلاثة: المفاجأة، وإخراج القوات الجوية العربية من المعركة، والعمل على الخطوط الداخلية. ولقد تحققت المفاجأة من حيث وقت بدء الحرب، ويسرّت المفاجأة تحقيق العنصر الثاني، وهو إخراج القوات الجوية العربية من المعركة مبتدئة بالقوات الجوية المصرية ثم الأردنية فالسورية، وبعد التأكد من امتلاك السيطرة الجوية انطلقت البرية تقاتل على الخطوط الداخلية(12).

كانت إسرائيل تنتظر توافر ثلاثة شروط حتى الحرب في العام 1967، وهي: قوة جيشها، وحماية الولايات لها، وتفكك الدول العربية، وكانت تلك هي الشروط الثلاثة الأساسية التي لو سقط أحدها لما أقدمت إسرائيل على شن الحرب ضد ثلاث دول عربية(13).

إجراءات خداعية: اتخذت اسرائيل عدة إجراءات خداعية، ومنها: دعوة الاحتياط بصورة تدريجية سرية، خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت الحرب. ومنح الإجازات للجنود قبيل الحرب بأيام ودعوة الصحفيين الأجانب لمشاهدة هؤلاء الجنود يستحمون على شواطئ البحر. ووقف الاستطلاع الجوي قبل الحرب بخمسة أيام. وإرسال تشكيلات جوية قبيل الحرب باتجاه خليج العقبة وجنوبي سيناء، لحمل القيادة المصرية على الاعتقاد بأن الهجوم سيتم من ذلك الاتجاه. والتركيز في وسائل الإعلام الإسرائيلية على لجوء إسرائيل إلى المحافل الدولية والولايات المتحدة لحل مشكلة المضايق. وإتقان أعمال الإخفاء والتمويه للقوات والتشكيلات في مواقع الهجوم(14).

(1) كيلاني، هيثم: المذهب العسكري الإسرائيلي، ص254.

(2)سيغف، توم: 1967 والأرض غيرت وجهها، (عبري)، ص45-46؛

 Black, Ian& Morris, Benny: Israel Secret Wars, p.206-210. 

 3(hiff, Zeev: The Israel Army, p.115-123.  

(4)  Schiff, Zeev: The Israel Army, p.137.

(5)  كيلاني، هيثم: حروب فلسطين العربية-الإسرائيلية، ص559؛

Black, Ian& Morris, Benny: Israel Secret Wars, p.224-225. 

(6)  كيالي، عبد الوهاب: المطامع الصهيونية التوسعية، ص122-123؛ ديان، دافيد: حرب الأيام الستة أمن بدون سلام، (عبري)، ص173.

(7)  غرين، ستيفن: الانحياز، ص166؛ سيغف: 1967 والأرض غيرت وجهها، (عبري)، ص210.

(8)  رابين: مذكرات، ج1، ص115-120.

(9)  ديان، دافيد: حرب الأيام الستة أمن بدون سلام، (عبري)، ص177.

(10) كيلاني، هيثم: حروب فلسطين العربية-الإسرائيلية، ص560-561؛ جلبوع، موشيه: ست سنوات ستة أيام، (عبري)، ص30.

(11)كيلاني، هيثم: حروب فلسطين العربية-الإسرائيلية، ص563.

(12)كيلاني، هيثم: الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية الإسرائيلية 1948-1988، ص254؛ سيغف، توم: 1967 والأرض غيرت وجهها، (عبري)، ص199-203.

(13)  كيلاني، هيثم: حروب فلسطين العربية-الإسرائيلية، ص563-564.

(14)  كيلاني، هيثم: المذهب العسكري الإسرائيلي، ص235-238؛ سيغف، توم: 1967 والأرض غيرت وجهها، (عبري)، ص350-358.

الدكتور سامي أبو جلهوم باحث من غزة حاصل على الدكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر من جامعة قناة السويس ويعمل في وكالة الغوث الدولية.