كشفت محاضر جلسات لجنة الخارجية والأمن خلال الحرب عام 1967، التي نشرت في 'أرشيف الدولة' الشهر الماضي، أن وزير الأمن في حينه، موشي ديان، عدل عن رأيه في اليوم الخامس للحرب، صبيحة التاسع من حزيران/يونيو 1967، وأصدر تعليمات بمهاجمة الجبهة السورية، بعد أن تبين أن القوات السورية قد أخلت مواقعها في الجولان.

وكان ديان قد صرح في مساء الثامن من الشهر نفسه في الجلسة، بحسب المحاضر، بأنه من غير الممكن فتح جبهة مع السوريين. وقال 'لقد بدأنا الحرب من أجل القضاء على القوة المصرية وفتح المضائق. وفي الطريق أخذنا الضفة الغربية، ولا أعتقد أنه يمكن حاليا فتح معركة مع سورية. وإذا كان هذا هو السؤال، فإنا أصوت ضد. إذا دخلنا سورية من أجل تغيير الحدود من أجل التخفيف على المرافق الاقتصادية، لأن السورييين يطلقون النار علينا، فإنني أعترض'.

وتضيف المحاضر أن ديان أصر على موقفه في تلك الجلسة، مقابل الذين يريدون مهاجمة سورية، وضمنهم الوزراء ورئيس الحكومة وممثلي بلدات الشمال الذين قدموا لعرض ادعاءاتهم أمام الوزراء، بمصادقة خاصة من رئيس الحكومة. ولكن ديان عدل عن رأيه بعد ساعات معدودة، وشن الجيش الإسرائيلي الهجوم على هضبة الجولان.

وبيّن تقرير نشرته صحيفة 'هآرتس' أنه تم إخفاء السطور، باللون الأسود، في محضر لجنة الخارجية والأمن من اليوم نفسه، والتي شرح فيها ديان أسباب تغيير موقفه.

ونقلت الصحيفة عن جنرال الاحتياط، داني آشر، الذي عمل خلال الحرب كمحلل للصور الجوية، قوله في محاضرة قدمها مؤخرا في مؤتمر 'دراسات الجليل' في الكلية الأكاديمية 'تل حاي' (طلحة سابقا – عــ48ـرب)، إنه يعتقد أن ديان عدل عن رأيه بسبب الصور الجوية التي قام بتحليلها في اليوم الرابع للحرب، في الثامن من حزيران/يونيو 67، بمساعدة صديق له يدعى عزريا برغربست.  

وبحسب تحليل الصور، المشار إليه، فقد تبين أن جبهة الجولان، من القنيطرة وحتى مسعدة، والتي كانت تعج بالحياة خلال فترة التأهب، باتت مهجورة في ذلك اليوم. وفي معسكر الكوماندو لم تكن هناك أية مركبة، واختفت القوات من المعسكرات الأخرى.

ويضيف آشر أن الضابط إيلي فايسبروت، من 'شعبة سورية' في الجيش الإسرائيلي هو الذي قدم التفسير للتحليلات، والتي بموجبها فمن الممكن أن قوات الدفاع السورية في الجولان قد انسحبت.

وأضاف أنه تم تقديم تلك التحليلات إلى رئيس الاستخبارات العسكرية، أهارون ياريف، وقام الأخير بدوره بتسليمها لديان، وعندها تجاوز ديان الجهاز العسكري، وأصدر أوامره المباشرة إلى قائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي.

ويقول الباحث شلومو مان، الذي يدرس الجبهة الشمالية خلال الحرب، إن 'هذه الصور الجوية التي أظهرت أن معسكرات القنيطرة مهجورة دفعت ديان إلى المصادقة على الهجوم على الجبهة السورية'.

ويضيف الباحث نفسه، والذي ألف كتاب 'تلة القنوات' عن معركة تل فاخر الذي صدر مؤخرا، والكاتب في مدونة 'نعموش'، إن قرار ديان يبدو نابعا من تداخل جملة من الظروف في تلك الليلة. وبحسبه فقد تم اعتراض مكالمة هاتفية أجراها الرئيس المصري في حينه، جمال عبد الناصر، مع الملك حسين، ملك الأردن، يقول فيها 'خسرنا هذه المعركة، والله سيكون في عونننا في المعركة القادمة، نحن متجهون لوقف إطلاق النار'، وعندها، وفي اللحظة التي أعلنت فيها مصر وقف إطلاق النار، فإن الجبهة المصرية قد انتهت.

ويضيف أن 'ديان كان يعتقد أن القوات التي كانت تحت قيادة الشمال في الجيش الإسرائيلي كان تكفي لاحتلال مواقع الخطوط الأولى، تل العزيزيات ونعموش وتل حمرا. وبعد ذلك لا يمكن التقدم أكثر'. ويتابع أن التقدم كيلومترين إلى الشرق لا يمنع استمرار تعرض بلدات الشمال للنيران السورية. ولكن ومنذ الإعلان عن موافقة مصر والأردن على وقف إطلاق النار، فقد تم تحويل المزيد من القوات باتجاه الجبهة السورية. بحسبه.

يقول مان إن الخوف الأساسي لدى ديان كان ينبع من 'شد الحبل أكثر من اللازم مع الروس'، ولكن مع ذلك قرر في نهاية المطاف شن الهجوم.

إلى ذلك، وبحسب المحاضر، قال ديان إنه يعتقد أنه 'لا يمكن إدارة حرب معقدة.. في مجلس يضم 17 – 18 شخصا، يصوت فيه بغالبية الآراء على احتلال كيلومترين أكثر أو أقل؟ حيث يكون صوت الوزير فارهافتيك (وزير الأديان في حينه) وصوتي متساويين، وأن نخوض حربا من أجل كيلومترين اثنين بغالبية صوتين؟'.

ويتابع مان أنه قيل لديان في حينه إنه يفوّت فرصة تاريخية، وكان يخشى أن توجه له اتهامات مفادها 'قمنا باحتلال كل سيناء، والضفة الغربية والقدس، أما السوريون الذين جعلوا حياة السكان في الشمال مريرة، فسوف يخرجون من الحرب دون أية خدوش'.

ويدعي مان وآشر أنه رغم توقيع السوريين على اتفاقيات مع مصر والأردن تمهيدا للحرب، فإنهم حاولوا الحفاظ على الهدوء ولم يبادروا إلى الحرب، رغم أنهم حاولوا في بداية الحرب قصف كيبوتس 'دان'، ولكن ذلك كان استمرارا للوضع الراهن الذي كان طيلة 19 عاما.

ويضيف مان أن 'السوريين وفروا المعسكرات للفصائل الفلسطينية، وسمحوا للمجموعات المقاتلة بالتسلل إلى إسرائيل، وحاولوا تحويل مجرى نهر الأردن عام 1964، وقاموا بعمليات استفزازية لا تقل عن إسرائيل، ولكنهم حاولوا ألا يشدوا الحبل أكثر من اللازم مع إسرائيل'.

ونقلت 'هآرتس' عن مان قوله إن 'الكتيبة 11 السورية التي كانت مسؤولة عن شمال هضبة الجولان لم تكن ضمن الهرمية القيادية العادية لجبهة الجولان، ما أدى إلى حصول خلل، مثل الهجوم في اليوم الأول للحرب، كما أنها حابت بطريقة مختلفة عن باقي القوات'.

وبحسبه فإنه على الرغم من الخطط واستعدادات الجيش السوري، ففي الليلة ما بين 5 إلى 6 حزيران/يونيو، قررت القيادة العليا للجيش السوري عدم شن الهجوم الذي كان يشتمل على احتلال ما يطلق عليه 'إصبع الجليل'، واستهداف مشروع المياه القطري. وبدلا من الخطة الهجومية، فقد غير الجيش السوري استعداداته إلى الحالة الدفاعية.

ويقول آشر إن طائرات الجيش الإسرائيلي قصفت القوات السورية في بانياس وتل حمرا وتل العزيزيات. وفي الليلة ما بين 8 إلى 9 حزيران/يونيو، قررت الحكومة السورية أن تحذو حذو مصر، التي وقعت على وقف إطلاق النار، والحفاظ على حالة الدفاع. وفي الغداة نفذت الطائرات الإسرائيلية القصف.

اقرأ/ي أيضًا | هزيمة حزيران: معسكر بانياس ومقر الشرطة كانا خاليين

ويضيف أنه في البداية، وقبل انسحاب السوريين، وقعت عدة معارك، وواجهت القوات الإسرائيلية صعوبة في الصعود إلى هضبة الجولان. وعندما سمع الضابط المسؤول عن تحليل الصور الجوية، البروفيسور هانس لودفيج شتريم بدأ يتحدث عن إقامة لجنة تحقيق وتقديم مسؤولين للمحاكمة، ولكن بعد يوم، وبعد أن حسمت المعركة في الجولان، بعد تجاوز تل فاخر والقلع، تقدمت القوات الإسرائيلية بدون أية صعوبة في الجولان ووصلت إلى القنيطرة.