ترفض إسرائيل بالمطلق استقبال أي طالب لجوء، وبين أسباب ذلك هو التحسب من أن يؤدي قبولها إلى مطالبة باستقبال عدد من اللاجئين الفلسطينيين. ويعيش في إسرائيل حاليا حوالي 38 ألف طالب لجوء، بينهم 35 ألفا من إرتريا والسودان، دخلوا إليها عبر الحدود مع مصر، بحسب تقارير نشرتها منظمات حقوقية إسرائيلية، هذا العام. ويفتقر طالبو اللجوء في إسرائيل إلى أية مكانة قانونية، وتصفهم السلطات، بموجب قرار وزارة الداخلية، بأنهم "متسللون".

وتتنكر إسرائيل بموقفها هذا حيال اللاجئين الأفارقة إلى معاهدة اللاجئين ومعاهدات أخرى موقعة عليها وينبغي أنها ملتزمة بها، التي تنص على أنه يحظر طرد إنسان إلى مكان يمكن أن تكون حياته فيه معرضة للخطر، وقد يعاني من التعذيب أو الملاحقة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية. لكن الحكومة الإسرائيلية تسعى في هذه الأثناء إلى الاحتيال والالتفاف على المعاهدات الدولية ذات العلاقة وطرد اللاجئين، إن لم يكون إعادتهم إلى أوطانهم فتسعى إلى طردهم إلى دول أخرى. وتبذل إسرائيل جهودا من أجل التوصل إلى اتفاقيات مع دول، غير أوطان طالبي اللجوء، من أجل تنفيذ هذا الطرد. وفي هذا الإطار، تمارس إسرائيل نظام "المغادرة طواعية" للبلاد، ونقل طالبي اللجوء إلى رواندا، إذ أن إعادتهم إلى أوطانهم، إريتريا والسودان، سيعتبر مخالفة للقانون الدولي بسبب الحرب الدائرة هناك.

وقالت وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، أمس، الثلاثاء، إنه "إذا ألغت إرتريا التجنيد الإلزامي، فسنعيد المتسللين فورا". وأضافت أن إسرائيل تتابع تطبيق اتفاقية السلام بين إرتريا وأثيوبيا.

عدم النظر بطلبات لجوء

أفادت صحيفة "هآرتس" اليوم، الأربعاء، بأن السلطات الإسرائييلية أوقفت "الغادرة طواعية" لطالبي اللجوء إلى رواندا، في الأسابيع الأخيرة. ورغم عدم وجود معطيات رسمية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن ما بين مئات إلى آلاف الذين نُقلوا من إسرائيل إلى رواندا، منذ العام 2014. وأعلنت رواندا في آذار/مارس الماضي أنها ترفض استقبال طالبي اللجوء الذين نُقلوا من إسرائيل إلى أراضيها عنوة، وبذلك انهارت اتفاقية الطرد بين الدولتين. لكن إسرائيل، في إطار سياسة التعتيم التي تتبعها بهذا الخصوص، لم تعلن أن الاتفاق مع رواندا قد انتهى.

وكانت السلطات الإسرائيلية تقطرح على طالبي اللجوء "المغادرة طواعية" إلى أوغندا أو رواندا. كما كان بإمكان طالبي اللجوء الانتقال إلى دول غربية في إطار لم شمل عائلات أو بواسطة توجه خاص إلى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وتبين أن طالبي اللجوء الذين انتقلوا إلى أوغندا أو رواندا بقيوا هناك من دون مكانة ومن دون حقوق أساسية.

واتبعت إسرائيل سياسة عدم إرغام طالبي اللجوء على مغادرة البلاد، لكنها، في الوقت نفسه، مارست ضغوطا عليهم، من خلال عرض منحة مالية بمبلغ 3500 دولار مقابل المغادرة. وتشير شهادات إلى أن الذين غادروا إلى رواندا، غادروا هذه الدولة أيضا بعد أيام معدودة. إذ أنه خلافا للوعود التي تلقوها، إلا أنهم لم يحصلوا على أية مكانة في رواندا، واضطروا إلى الانتقال إلى أوغندا بواسطة مهربين.

ووفقا لمعطيات أوردتها الصحيفة، فإنه خلال عامي 2016 و2017 غادر إسرائيل 1136 طالب لجوء إلى أوغندا و374 إلى رواندا. وقبل ذلك بسنتين غادر قرابة 2600 طالب لجوء إلى "دولة ثالثة"، أي ليس الموطن الأصلي لطالب اللجوء. ومنذ مطلع العام الحالي حتى شهر أيار/مايو غادر 195 طالب لجوء إلى "دولة ثالثة" رفضت السلطات الإسرائيلية تسميتها.

وترفض السلطات الإسرائيلية في الغالبية الساحقة من الحالات النظر في طلبات لجوء. ووفقا لتقرير نشرته "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، مطلع العام الحالي، فإنه جرى تقديم 15,205 طلبات لجوء من قبل إرتريين وسودانيين، لكن إسرائيل وافقت على منح 11 فقط مكانة لاجئ. وفي المقابل فإن معدل قبول دول العالم لطلبات لجوء يصل إلى 87% من الإرتريين و63% من السودانيين. وتدعي الحكومة الإسرائيلية أن أكثر من 20 ألفا لم يقدموا طلبات لجوء، ولذلك بالإمكان طردهم. وقال تقرير جمعية حقوق المواطن إنه "إسرائيل تبذل كل ما بوسعها، عمليا، من أجل منع إمكانية تقديم طلبات لجوء، وحتى تلك التي يتم تقديمها لا يتم النظر فيها بالشكل اللائق أو لا يتم النظر فيها بتاتا. وحتى العام 2013 لم تسمح دولة إسرائيل أبدا لجميع الإرتريين والسودانيين بتقديم طلبات لجوء". كذلك فإنه يوجد مكتب واحد فقط في إسرائيل لتقديم طلبات لجوء، ويتجمع طالبو اللجوء خارجه في طوابير طويلة، "ويضطرون إلى الانتظار أشهر فقط من أجل إمكانية تقديم الطلب".

وأكدت جمعية حقوق المواطن على أنه "خلافا للغالبية الساحقة من دول العالم، تلزم دولة إسرائيل باحتجاز طالبي اللجوء لدى دخولهم إلى إسرائيل". ويتم هذا الاعتقال بموجب قانون منع التسلل، الذي تم سنه في العام 2016، علما أن ثلاث صيغ لهذا القانون، قُدمت في الأعوام 2012 و2013 و2014، ألغتها المحكمة العليا الإسرائيلية. ويستمر هذا الاعتقال مدة عام في منشأة الاعتقال "حولوت".

السياسة الإسرائيلية الرسمية تجاه اللاجئين

وفقا لتقرير حول طالبي اللجوء أعده مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست، فإن "إسرائيل تفعّل جهاز تشخيص وتقرر قبيل الدخول ما إذا كان يحق للداخل المكوث في إسرائيل"، وفي حال السماح لشخص بدخول إسرائيل، فإن فترة مكوثه فيها تكون محدودة. ويسري ذلك خصوصا على غير اليهود، بينما يحق لليهود من جميع أنحاء العالم الهجرة إلى إسرائيل.

وأشار المركز إلى أنه "أخذت تتمركز في إسرائيل مجموعة سكانية تفتقر لمكانة دائمة... ولم تبلور دولة إسرائيل سياسة لمواجهة ظاهرة دخول هجرة مختلطة إلى إسرائيل (سوى سياسة طرد)، كما لم تبلور سياسة تجاه المستحقين لحماية جماعية، وبضمن ذلك شكل إنهاء الحماية الجماعية. وينبغي الإشارة إلى أنه لا توجد في إسرائيل حصص للاجئين، ويحصل أفراد معدودون فقط على مكانة لاجئ كل عام".

وأضاف المركز أن الحكومة الإسرائيلية تؤيد سن قوانين غايتها فرض قيود على طالبي اللجوء في إسرائيل أو الذين يستحقون مكانة "عدم إبعاد". وتشمل هذه القيود تشديد العقوبة تجاه أصحاب مصالح يشغلون طالبي لجوء، وبطبيعة الحال هم لا يحملون تصريح عمل، ومنع إمكانية إخراج طالبي اللجوء مال من إسرائيل طالما أنهم لا يزالون يمكثون فيها، أو تحديد المبلغ الذي بالإمكان إخراجه.

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الداخلية الأسبق، ايلي يشاي، اعتبرا في العام 2012، أن طالبي اللجوء يشكلون "سيطرة أفريقية على إسرائيل وهذه مشكلة ديمغرافية خطيرة".

ووفقا لدراسة نشرها المركز الأكاديمي "روبين"، فإن ثمة جانب آخر يتعلق بالخطاب الأمني الإسرائيلي: "النظرة (في إسرائيل) تجاه طالبي اللجوء يوازي في حالات كثيرة النظرة تجاه الفلسطينيين، وهي موجودة في حيز الخطاب الأمني، الذي في إطاره يتم استيعاب المتسللين على أنهم يشكلون تهديدا على الهوية الجماعية لدولة إسرائيل. ولذلك نشهد التعامل العنصري والعنيف الموجه نحو طالبي اللجوء في المدن (الإسرائيلية). فقد حملت هذه المعاملة شبها يثير الشكوك حول التعامل الموجه أحيانا تجاه العرب والفلسطينيين في الحيز الإسرائيلي والمناطق (المحتلة)، حيث حل شعار ’الموت للسودانيين’ مكان ’الموت للعرب’ (في المظاهرات المطالبة بطرد طالبي اللجوء). كذلك تستخدم وسائل الإعلام الشعبية مصطلح ’المشكلة’ لدى التطرق إلى قضية المتسللين والقضية الفلسطينية".

رفض كشف تقارير سرية حول إرتريا

أصدرت المحكمة المركزية في القدس، أول من أمس الاثنين، قرارا لا يلزم وزارة الخارجية الإسرائيلية بكشف وثائق سرية وتقارير حول وضع حقوق الإنسان في إرتريا. وبرر القاضي القرار بأن "الأهمية الجماهيرية في كشف هذه الوثائق لا تفوق الحوف من المس بعلاقات إسرائيل الخارجية".

وطالب الملتمسون، وهم مجموعة نشطاء حقوق إنسان من أجل طالبي اللجوء برئاسة المحامي إيتاي ماك، بأن تكشف الخارجية الإسرائيلية كافة الوثائق المتعلقة بطالبي اللجوء الإرتريين المتواجدين في إسرائيل. وزعم مندوبي الوزراة أنه ليس بحوزتهم "أي اتفاق مع إرتريا بخصوص رعاياها المتواجدين في إسرائيل"، لكنهم اعترفوا في نهاية الأمر أنه توجد تقارير حول وضع حقوق الإنسان في إرتريا. إلا أن مندوبي وزارة الخارجية رفضوا كشف هذه التقارير، وهي عبارة عن أربعة وثائق "داخلية"، كي يطلع الجمهور عليها بادعاء أن كشفها سيمس بعلاقات إسرائيل الخارجية.

رغم ذلك، قال القاضي إنه توجد معطيات مقلقة حول وضع حقوق الإنسان في إرتريا، وأنه "لا شك في أنه توجد مصلحة عليا للجمهور في المسائل المرتبطة بالعلاقات بين إسرائيل وإرتريا، ووضع حقوق الإنسان في هذه الدولة ومكانة رعاياها المتواجدين في إسرائيل".

اقرأ/ي أيضًا | الكنيست: نقاش صاخب حول طرد طالبي اللجوء الأفارقة

وأشار القاضي إلى أن "كشف معلومات حول هذه المواضيع من شأنه أن يسهم في النقاش العام حول مسألة علاقة إسرائيل مع إرتريا، وكذلك في مسألة مصير رعاياها الموجودين في إسرائيل ومن هنا تنبع الأهمية الكبرى في طلب الملتمسين. ورغم ذلك، فإن مصالح أخرى، وبينها منع المس بعلاقات إسرائيل الخارجية والحفاظ على حرية النقاش الداخلي، تستحق الحماية".