خلافات بين قادة الحكومة الإسرائيلية حول التسوية، وعموما إسرائيل لا تطرح مقترحات للتسوية وإنما تضع شروطا، يصعب توقع موافقة حماس عليها. كما أن الخلافات الفلسطينية الداخلية لا تساهم بوضع نهاية للأزمة الإنسانية في القطاع


استبق مسؤول إسرائيلي رسمي المداولات التي أعلن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) أنه سيعقدها عند الساعة الخامسة من عصر اليوم، الأحد، حول الوضع في قطاع غزة، وقال إنه "ليس مطروحا أية تسوية واسعة من دون حل قضية مواطنيْنا وجثتي جنديينا المحتجزين في القطاع". وأضاف أن الاتصالات حول اتفاق بخصوص القطاع "تتركز على هدف واحد، وهو وقف إطلاق النار. ووقف إطلاق نار مطلق سيجعل إسرائيل تعيد فتح معبر كيرم شالوم (كرم أبو سالم) واستئناف إصدار التصاريح التي كانت متبعة بشأن منطقة الصيد".

وفي موازاة اشتراط إسرائيل الإفراج عن جثتي الجنديين هدار غولدين وأورون شاؤول، الذين قتلا خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع، عام 2014، وعن مواطنين، أحدهما عربي من النقب وآخر من أصل أثيوبي دخلا القطاع طواعية بعد العدوان، انفلت وزراء أعضاء في الكابينيت بتصريحات، لا يستشف منها أن إسرائيل تتجه نحو تسوية من أي نوع كان.

وكتب وزير الاستخبارات والمواصلات وعضو الكابينيت، يسرائيل كاتس، في حسابه في "تويتر"، اليوم، مهددا بأن "الوضع في غزة يقترب من الحسم. إما التسوية أو الحرب". وأضاف أنه "سأطرح اليوم خطة الجزيرة – الانفصال، لقطع أية علاقة مدنية بين إسرائيل وغزة، وسأؤيد أية خطة تشمل توفير بنية تحتية مصرية في البحر والبر لصالح غزة، تحت إشراف دولي. وفي الأمد القصير، ينبغي اشتراط أي مساعدة لغزة بمسار واضحة لإعادة الشهداء والأسرى" في إشارة إلى الجنديين والمواطنين.

وتطرق إلى الموضوع نفسه وزير الإسكان الإسرائيلي وعضو الكابينيت، يوءاف غالانت، وقال لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، اليوم، إن "حماس موجودة في ضائقة... وهذه الضائقة تجعلهم يعيدون حساباتهم، وإذا حصلنا نتيجة لذلك على هدوء، في سياق الإرهاب وأيضا بشأن جنودنا الموجودين في الأسر حاليا، وحتى لو لم يكونا على قيد الحياة، فإن علينا في هذا السياق تبني أمرا كهذا، لأن مصلحتنا هي ألا نحارب في غزة".

لكن غالانت أضاف أن "اتفاق تهدئة قد لا يصمد لفترة طويلة"، معتبرا أنه "عندما تعيش في منطقة كهذه توجد فيها جهات عديدة، بينها حماس وحزب الله، لا تعترف بحقنا بالوجود هنا، فإن الإنجاز الذي يحدد النتيجة السياسية هو الإنجاز العسكري، بمعنى أنه كلما أنزلت العدو لمستوى متدن أكثر في ميدان القتال، فإنك تحصل على فترة أطول من الهدوء في الحلبة السياسية. هكذا كان بعد الرصاص المصبوب (العدوان على غزة بنهاية العام 2008)، وهكذا حصل في السنوات الأخيرة بعد الجرف الصامد (عدوان 2014). وأعتقد أن تحولا كهذا سيستغرق وقتا ما، لكن ينبغي منحه فرصة".

يظهر من تصريحات كهذه أن إسرائيل لا تتجه نحو تسوية، أو على الأقل ليس نحو تسوية وهدنة طويلة، لعدة سنوات مثلا. وفي خلفية هذا التوجه الإسرائيلي هو أن الوضع في قطاع غزة، رغم مأساوية الأزمة الإنسانية فيه، لا يؤثر على إسرائيل، وحتى أن بعض المحللين يقولون صراحة أن الوضع الحالي مريح لإسرائيل. فالحكومة الإسرائيلية ليست مبالية حيال الانتقادات الدولية، والضغوط الدولية عليها للتوصل إلى تسوية ليست قوية، ووضع غزة الحالي لم يؤثر على علاقاتها مع الدول العربية، وخاصة مصر. ويبدو أنها توافق على الدخول في مفاوضات حول تسوية كهذه مع مصر والأمم المتحدة لكي تتذرع بأنها حاولت التوصل إلى تسوية لكن الفلسطينيين في القطاع يواصلون إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة.

الاقتراح المطروح على الكابينيت

وفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن مقترح التسوية الذي سيبحث فيه الكابينيت، اليوم، وقدمه مبعوث الأمم المتحدة، نيكولاي ملادينوف، ومصر، يقضي في المرحلة الأولى برفع القيود عن معبر كرم أبو سالم وتوسيع مساحة الصيد، في موازاة وقف إطلاق النار من القطاع وبضمن ذلك وقف إطلاق البالونات الحارقة. وتقضي المرحلة الثانية بإجراء مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس حول تبادل أسرى، في مقابل دفع مشاريع إنسانية بتمويل المجتمع الدولي.

لكن قبل ساعات من اجتماع الكابينيت، تواصلت الغارات الإسرائيلية في غزة، بادعاء استهداف مجموعة فلسطينيين حاولوا إطلاق بالونات حارقة. وفي موازاة ذلك، صعدت عائلتا الجنديين غولدين وشاؤول ضغوطهما على الحكومة الإسرائيلية من أجل أن تعمل على استعادت جثتيهما قبل أي خطوات أخرى.

في هذا السياق، قالت وزيرة القضاء الإسرائيلية وعضو الكابينيت، أييليت شاكيد، للإذاعة العامة الإسرائيلية، اليوم، إنه "إذا كنا سنذهب إلى تسوية تشمل منافع للفلسطينيين فإن هذا يجب أن يترافق مع نزع سلاح ووقف تسلح حماس وإعادة جثتي الجنديين والمواطنيْن. يحظر علينا تكرار الخطأ الذي ارتكبناه بعد حرب لبنان الثانية عندما سمحنا لحزب الله بالتسلح كمشيئته".

ووفقا لـ"هآرتس"، اليوم، فإنه توجد خلافات داخل الكابينيت حيال التسوية المقترحة. فوزير الأمن، افيغدور ليبرمان، عبر مؤخرا في عدة هيئات عن "شكوكه إزاء احتمالات التوصل إلى تسوية"، بينما يرى قسم من وزراء حزبي الليكود و"كولانو"، الذي يتزعمه وزير المالية موشيه كحلون، أنه ينبغي إفساح المجال أمام إمكانية التوصل إلى تهدئة "من أجل عدم الانجرار إلى مواجهة عسكرية في غزة من دون استنفاذ جميع الإمكانيات الأخرى".

وأشارت الصحيفة إلى أمر آخر يؤثر على القرار الإسرائيلي بخصوص التسوية، وهو إمكانية الإعلان قريبا عن تقديم موعد الانتخابات العامة، وبالتالي انطلاق المنافسة بين أحزاب اليمين على أصوات الناخبين. ولفتت الصحيفة في هذا السياق إلى أن عدة استطلاعات رأي أجريت مؤخرا، أشارت إلى استياء غالبية الجمهور الإسرائيلي من معالجة حكومته للأزمة في قطاع غزة، وأن أي اتفاق لا يشمل إعادة جثتي الجنديين سيعرض الحكومة لانتقادات، كما أن تحرير الجثتين والمواطنيْن من خلال مفاوضات، أي صفقة تبادل أسرى يفرج من خلالها عن أسرى فلسطينيين، سيعرض الحكومة لانتقادات. ولذلك، فإن أي اتفاق أو تفاهمات قد يتم التوصل إليها سيدفع الحكومة الإسرائيلية إلى القول إنها مقابل مصر وليس حماس، وربما أنها لم تلتزم بشيئ تجاه حماس.

خلافات فتح وحماس

تطالب حماس، في صفقة تبادل أسرى، بأن تفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في "صفقة شاليط"، في العام 2011، وعادت قوات الاحتلال لاعتقالهم في حملة واسعة النطاق في الضفة الغربية، قبيل العدوان على غزة عام 2014، مقابل إفراجها عن جثتي الجنديين الإسرائيليين. وتبدي حماس موافقتها على وقف إطلاق نار من كلا الجانبين، خاصة بعد أن تبنت الحركة سياسة الرد على أي قصف إسرائيلي، جوي أو بري.

كذلك فإنه لا توجد تفاهمات أو توافق بين حركتي فتح وحماس بشأن المصالحة، وكيف ستسير الأمور في القطاع في حال التوصل إلى تسوية مع إسرائيل. هل ستسيطر السلطة الفلسطينية على المعابر أم لا.

لكن حركة فتح حذرت، أمس، حماس من التوصل إلى تسوية منفردة مع إسرائيل مقابل مساعدات إنسانية، وقالت إنه في حال حدوث ذلك فإنه سيعتبر "انقلابا آخر على الشعب والوطن وهدية مجانية لإسرائيل". واعتبرت فتح أن "التهدئة التي تسعى من ورائها أميركا وإسرائيل إلى فصل قطاع غزة، وتمرير مؤامرتهم المشؤومة تحت عنوان صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية".

وردت حماس على لسان سامي أبو زهري، بالقول إن التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي "سيقرر فيها في السياق الوطني ومزايدات فتح مرفوضة. ومن يتفاخر بالعيش تحت بساطير الاحتلال ويتعاون معه أمنيا لا يحق له المزايدة على تضحيات غزة".

وصرح القيادي في حماس، إسماعيل رضوان، أن حماس تلقت العديد من العروض العربية والدولية المتعلقة بالتهدئة والمصالحة وصفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال، وأن "الحركة تتعامل بجدية مع هذه التحركات والرؤى التي تقدم لنا، وخاصة من قبل مصر، وسيكون الرد عليها وفقا للمصلحة الفلسطينية العامة".

لكن القيادي في حماس، أسامة حمدان، أعلن أنه "نحن ذاهبون دون سلطة رام الله لتحسين الاوضاع في غزة".

خلاصة

ليس واضحا كيف يمكن التوصل إلى تسوية بين إسرائيل وحماس في ظل الأوضاع في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية. فإسرائيل لم تقدم مقترحات لتسوية، وإنما وضعت شروطا سيكون من الصعب على الجانب الفلسطيني، حماس في هذه الحالة، قبولها.

وحتى لو أرادت إسرائيل التوجه نحو تسوية، فإنها لن تكون فورية أو في الفترة القريبة. إذ ينبغي أن يكون هناك اتفاقا داخليا على شروط تسوية كهذه، إلى جانب مفاوضات غير مباشرة مع الفلسطينيين، تكون المساومات فيها بين الجانبين طويلة ومرهقة، ويمكن أن ينفجر الوضع في أي لحظة، لأن الغزيين سيبقون تحت الحصار المشدد ويواجهون أزمة إنسانية يصعب تحملها، بينما يواصل الإسرائيليون التفاوض من دون أن يخسروا شيئا.

الأمر الآخر، هو أن إسرائيل قد تتجه لانتخابات مبكرة، يعلن عنها قبيل نهاية العام الحالي. وفي هذه الحالة، يصعب توقع إقدام رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أو أي زعيم لأحزاب الائتلاف، على التوصل إلى تسوية مع حماس. وربما يلجأ نتنياهو في هذه الحالة إلى شن عدوان على القطاع، يحرق أوراق مقتراحات التسوية كلها. فالعدوان على غزة في نهاية العام 2008 جاء قبيل انتخابات عامة أعادت نتنياهو إلى الحكم، كما أن انتخابات عامة كهذه، في بداية العام 2015، أعقبت عدوان 2014.