هددت وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، أول من أمس الأحد، بأنه في حال قررت المحكمة العليا الإسرائيلية إلغاء "قانون القومية" العنصري والمعادي للديمقراطية، إثر تقديم التماسات تطالب بإلغائه، فإن "خطوة كهذه هي هزة أرضية، وهذه ستكون حربا بين السلطات" في إشارة إلى السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.

واعتبرت شاكيد، التي كانت تتحدث إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، أنه لا توجد صلاحية لدى المحكمة العليا بإلغاء قوانين، مضيفة أن "قضاة المحكمة العليا هم أشخاص جديون ومهنيون جدا. والكنيست هي الجمعية المؤسسة، وهي التي تعرّف وتضع القوانين الأساس. وهم (القضاة) عليهم تفسير القوانين وفقا لقوانين أساس ولا أعتقد أنه ستكون هناك أغلبية في المحكمة العليا تقرر القيام بأمر كهذا".

وقالت شاكيد، في ردها على سؤال حول إمكانية إلغاء المحكمة للقانون، إنه "آمل جدا ألا يحدث هذا، وأنا مؤمنة أنه لن يحدث. وبخصوص هذا القانون بشكل عيني، فإنه ليس مكتوبا فيه أي شيء ثوري. إنه يتحدث عن قيم قامت الدولة على أساسها، قيم الاستيطان، الهجرة (لإسرائيل)، هوية قومية. هذه قيم يوجد إجماع عليها".

وتابعت أنه "مع مرور السنين، أولت المحكمة وزنا كبيرا للقيمة الديمقراطية، ولقيمة المساواة، وأعتقد أنه في حالات معينة كان ذلك على حساب القيم القومية، وقانون القومية جاء من أجل إعطاء أداة بأيدي المحكمة العليا كي تأخذ الأدوات القومية بالحسبان". واعتبرت أن "المحكمة العليا منحت نفسها صلاحية إلغاء قوانين عادية إذا تعارضت مع قوانين أساس. ولا توجد أي دولة تدخلت محكمتها العليا وألغت أجزاء من قوانينها". لكن خلافا لمزاعم شاكيد، فإن المحكمة العليا ألغت تعديلات على دستور في عدة دول، بينها الهند وتركيا والتشيك. كذلك زعمت شاكيد أن "قانون القومية لا يمس بالأقليات".

وقدمت لجنة المتابعة ولجنة رؤساء السلطات المحلية العربية والقائمة المشتركة ومركز عدالة التماسا إلى المحكمة العليا اليوم، الثلاثاء، يطالب بإلغاء "قانون القومية"، وكانت شخصيات عربية درزية وبلدية باقة الغربية وحزب ميرتس قدموا التماسات مشابهة.

وأثارت تهديدات شاكيد حول "حرب بين السلطات" ضجة، ورد عليها رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، ايهود باراك، بمنشور على صفحته في "فيسبوك"، أمس الاثنين، قال فيه إنه إذا تطلب إلغاء القانون "حربا" فإنه "ينبغي التوجه إليها برأس مرفوع والمطالبة بأن يُسن مكانه وثيقة الاستقلال كقانون أساس مؤسس لإسرائيل". وطالب باراك قضاة المحكمة العليا بإلغاء "قانون القومية"، لأنه "على الرغم من كونه مغلف بلغة مجمّلة لكن أهدافه هي تقويض قدرة المحكمة العليا على العمل بروح وثيقة الاستقلال والتمهيد لتشريعات لاحقة لقوانين العرق والأبرتهايد والترانسفير" بحق الفلسطينيين. وتابع أن "قانون الالتفاف على وثيقة الاستقلال يخدم أشد أعداء إسرائيل والمعادين للسامية وBDS والذين يطالبون بإحضار قادة الحكومة والجيش الإسرائيلي إلى لاهاي"، أي المحكمة الجنائية الدولية.

وردت شاكيد على باراك بالقول، في تصريحات إذاعية، إنه "ينبغي إعطاء ايهود باراك درسا بالديمقراطية. هذا منشور صادر عن جبان، وإذا أراد تغيير القانون فليحقق لمنتخبيه أغلبية في الكنيست. ولأنه يعلم أنه ليس قادرا على ذلك فإنه يجري نحو باب المحكمة العليا. وهذا عمل جبان".

سعي دائم لإضعاف المحكمة

وجه خبراء قانونيون وأساتذة جامعات انتقادات شديدة لشاكيد، بعد تهديدها بـ"حرب بين السلطات"، ورأى البروفيسور يوسي داهان، المحاضر المتخصص بقوانين حقوق الإنسان، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم، أنه بأقوال شاكيد فإن "الرسالة إلى القضاة واضحة: إذا تجرأتم على إلغاء القانون، فنحن، ممثلو اليمين في الحكومة والكنيست، سنعلن عليكم الحرب"، مشددا على أن "تهديد شاكيد للمحكمة العليا ينتهك ’قانون أساس السلطة القضائية’ ويدوس على مبدأ فصل السلطات الديمقراطي". ولفت إلى أن "قانون أساس: السلطة القضائية" ينص على أنه "لا توجد لأحد سلطة على من لديه صلاحيات قضائية، باستثناء سلطة القانون".

وتوقع داهان أن تكون الحرب التي يمكن أن يشنها اليمين الإسرائيلي على المحكمة العليا "شبيهة بما يحدث في السنوات الأخيرة في بولندا، حليفة إسرائيل، والتي أيديولوجيتها القومية المتطرفة والمعادية للديمقراطية تشكل إيحاء لرئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) ووزيرة القضاء". فقد سنّ البرلمان البولندي، العام الماضي، قانونا يمنح السياسيين، وليس القضاة، سيطرة على المحكمة العليا، وأقر قوانين منحت السياسيين صلاحيات واسعة جدا في تعيين قضاة واشترطوا أغلبية كبيرة من أجل إلغاء المحكمة الدستورية لقوانين. وجرى تنفيذ ذلك باسم "مشيئة الشعب" و"قيم مسيحية".

وأوضح داهان أن شاكيد تدفع منذ بداية ولايتها إلى إضعاف المحكمة العليا تحت شعار مشابه، مثل دفع القدرة على الحكم والقلق على "الصبغة اليهودية للدولة". وقدمت شاكيد سوية مع رئيس حزبها ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، مشروع قانون يرمي إلى تقليص قدرة المحكمة العليا على إلغاء قوانين سنها الكنيست. وهي تبذل جهدا من أجل تغيير تركيبة القضاة في جهاز القضاء بحيث يكون ملائما لأيديولوجيتها اليمينية المتطرفة، وتعمل أيضا من أجل إضعاف المكانة المستقلة للمستشارين القضائيين في الوزارات.

المحكمة العليا تطبق التوازنات والكوابح

من جانبه، أكد الخبير القانوني البروفيسور مردخاي كرمنيتسر، في مقال في صحيفة "هآرتس"، اليوم، على أن "الحرب بين السلطات" التي هددت بها شاكيد "تدور في إسرائيل منذ سنين، والتعبير الأساسي عنها هو الهجوم المباشر على المحكمة العليا بواسطة مجموعة من القوانين التي تهدف إلى المس بصلاحياتها واستقلاليتها، وتصريحات السياسيين الذين يهاجمون قرارات المحكمة ويصفونها بأنها انحراف عن صلاحياته".

وأضاف كرمنيتسر أن "الأقوال الأخيرة للوزيرة شاكيد هي تهديد للمحكمة بقضية ماثلة أمامها. بمعنى أنه إذا قررت قبول الالتماسات ضد قانون القومية، فإن المحكمة تكون قد أعلنت الحرب". وأشار إلى أن "قانون أساس: السلطة القضائية" ينص على أنه لا قيمة للسلطة القضائية إذا لم تكن مستقلة. "وتعيين قضاة بموجب ملاءمتهم لأفكار الوزيرة وتهديد المحكمة هو تآمر على استقلالية السلطة القضائية. ومهاجمة استقلالية السلطة القضائية في إسرائيل خطير جدا، لأنه خلافا لمعظم الأنظمة الديمقراطية، فإن مكانة وصلاحيات المحكمة ليست محصنة".

ولفت كرمنيتسر إلى أنه "في إسرائيل بالذات، لا مفر من الاعتراف بصلاحية المحكمة بالتدخل في قانون أساس إلى درجة إلغائه. إذ لا يوجد في إسرائيل جهاز توازنات وكوابح كتلك الموجودة في دول ديمقراطية، على شكل مجلسي تشريع، وتقاسم من خلال توزيع صلاحيات لولايات أو مناطق، وخضوع ملزم لمعاهدات دولية وقانون دولي وما إلى ذلك. كذلك لا يوجد فصل حقيقي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا توجد قيمة كبيرة في مراقبة الكنيست للحكومة. فالسلطة التنفيذية، بواسطة الأغلبية لديها، تسيطر على التشريع. وبالإمكان سن قانون أساس بأغلبية عادية وبإجراء تشريعي عادي. بينما الجهة الوحيدة في طريقة القضاء الموجودة التي لديها قوة توازن وكبح هي المحكمة، ولذلك ليس غريبا أن يعمل الذين يسعون إلى حكم استبدادي على تعقيرها".

وخلص كرمنيستر إلى أن "الكثيرين من أعضاء الائتلاف الحكومي يعلمون في سرهم أنهم بقانون القومية أحرقوا طبختهم، لكنهم لا يملكون الشجاعة والاستقامة للاعتراف بذلك. وستصنع المحكمة معروفا للدولة وجميع سكانها، والائتلاف بضمنهم، وللحلم الصهيوني والمواطنة الإسرائيلية، وللعلاقة مع يهود العالم ومكانة إسرائيل بين الشعوب، إذا خلّصتنا من الأسس الغبية والغبن الكامنين في هذا القانون".