منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، الأربعاء الماضي، اجتاحت المدن الفلسطينية ومدن وعواصم عربية وإسلامية مظاهرات غاضبة ورافضة لهذا الإعلان، وتطورت يوم الجمعة إلى اشتباكات في عديد من النقاط في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وخرج مئات الآلاف في العالم العربي والإسلامي بمظاهرات حاشدة، تصدرتها مظاهرة عمان التي شارك فيها نواب ووزراء في الحكومة، وأخرى في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، والاشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن في محيط السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية بيروت، عندما حاول المتظاهرون اقتحامها.

وفي ظل هذه المظاهرات، وقبيل اجتماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ذهب المحللون الإسرائيليون اليوم، الأحد، إلى التحذير من مغبة ما قد يحصل، وعدم اعتبار الأيام السابقة مؤشرًا لما سيأتي، معتبرين أن الأحداث القادمة تتأثر بكثير من العوامل.

الانتظار وعدم التصعيد

وقال محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، إنه "لا يجب الاعتماد على أعداد المتظاهرين في نقاط الاشتباك للإعلان عن ’مجرد مناوشات’، لأن التصعيد الحقيقي موجود على شبكات التواصل الاجتماعي، هناك حيث التأثير الأكبر على الفلسطينيين، ومن هناك يخرج منفذو العمليات، سواء أفرادا كانوا أم خلايا".

واعتبر فيشمان أن "شبكات التواصل الاجتماعي تشتعل في هذه الفترة أكثر من أي وقت مضى، وأن قوات الأمن الإسرائيلية تتابعها بشكل مكثف وبطريقة ’سيزيفوس’، وفي هذه الأيام بتدقيق أكبر بدرجات كبيرة".

أشار فيشمان إلى أنه في حال نجح فلسطيني بتنفيذ عملية تسفر عن مقتل إسرائيليين "ستتغير أبعاد التصعيد على الأرض بشكل كامل، وتتغير قواعد الاشتباك وإطلاق النار التي أعلن عنها الجيش مؤخرًا وفق المتغيرات". ولفت إلى أن جيش الاحتلال أمر جنوده بعدم إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين بسبب خشيتهم من سيناريو سقوط أي شهيد.

وبحسب تقدير الأجهزة الأمنية، سقوط أي شهيد قد يشعل مواقع الاشتباك وسيتسبب بامتداد المواجهات العنيفة لأيام عديدة، واعتبر فيشمان أن "أجهزة الأمن الفلسطينية تبذل جهدها لمنع خروج مظاهرات حاشدة من المدن الفلسطينية، ونجحت جزئيًا في ذلك، لكن هذا سينتهي عند سقوط أي شهيد، لأنها لن تتمكن من احتواء أي جنازة، والتي على الأرجح ستتحول لمظاهرة غضب وتنتهي باشتباك عنيف".

وأكد فيشمان أن "وحدة الفلسطينيين في جهتي الخط الأخضر (الداخل والضفة الغربية) من شانها التصعيد وأخذ الأمور نحو الاشتعال، خاصة أن المظاهرات امتدت للداخل وشهد وادي عارة تصعيدًا برشق الحافلات الإسرائيلية بالحجارة".

وخلص فيشمان إلى القول إنه "لا يمكن الاستنتاج اليوم إلى أين تتجه الأمور، يجب الانتظار حتى نهاية الأسبوع لمعرفة إذا ما كان هناك تصعيد سببه خطاب ترامب، أم أن الأمور ستنتهي بمظاهرات وبعض اشتباكات عابرة".

أسباب امتداد المظاهرات

وذكر فيشمان أن عوامل مواصلة المظاهرات والتصعيد لا ترتبط فقط بالفلسطينيين، إذ تؤثر الساحة الدولية على مجريات الأمور في منطقة، ومن بينها اجتماع الجامعة العربية وقراراتها، وكذلك اجتماع منظمة التعاون الإسلامي الذي دعا إليه الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في أنقرة يوم الأربعاء.

وقال فيشمان إن "هذه القرارات لها تأثير على موجة الغضب التي تجتاح العالم العربي والإسلامي، بدءًا من تركيا مرورًا بمخيمات اللجوء في سورية ولبنان ومظاهرات في المدن الأردنية، التي لا يستطيع الملك الاعتراض عليها حتى وإن لم يرغب بها، إلى مصر وباقي العواصم الإسلامية".

واعتبر أن خطاب ترامب "تمكن من توحيد الأمة العربية حول القدس وإعادته إلى الصدارة، مع التأكيد على أن قضية القدس ليست قضية دينية بل قضية قومية عربية، وكم التضامن والاهتمام الذي شهده العالم العربية لم يشهده منذ سنوات عديدة".

ليست انتفاضة، لكن لم تنته الأمور بعد

واعتبر محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، عاموس هريئيل، أن إعلان ترامب "لم يتسبب باندلاع انتفاضة ثالثة حتى الآن، رغم دعوة عدد من الجهات الفلسطينية لاندلاعها، لكنها أدت لنهاية أسبوع عاصفة في القدس والضفة الغربية وعند الحدود مع قطاع غزة بالأساس".

وذكر هريئيل أن "أوامر الجيش بعدم إطلاق الرصاص الحي أدت إلى عدم تصعيد نسبي، ومعظم المصابين من الجانب الفلسطيني أصيبوا بالاختناق بسبب استنشاق الغاز المسيل للدموع، إذ لم يطلق الجيش الرصاص الحي على المتظاهرين، بل أطلق الرصاص المطاطي".

وأشار إلى أن "أعداد المتظاهرين لا تعكس القلق من إعلان ترامب في صفوف الشعب كما هو القلق لدى قيادته، لكنها كشفت أشياء أخرى، مثل تقدم المصالحة إلى حد تنظيم مظاهرات مشتركة بين فتح وحماس في الخليل، والتي رفعت فيها رايات حماس علنًا وبكثرة لأول مرة في الضفة الغربية منذ سنوات".

وبحسب هريئيل "حماس لا تريد الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، وكذلك إسرائيل، وهذا ما تجلى من خلال الرد الإسرائيلي على القذائف التي أطلقتها فصائل جهادية صغيرة باتجاه النقب الغربي، إذ كانت الخطوات محسوبة كي لا تتجاوز الهدوء المتوتر الذي يشوب العلاقات بين غزة وإسرائيل" منذ انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2014.

فرصة لعملية سياسية جديدة

وفي مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال مدير "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) السابق، الجنرال عاموس يدلين، إن اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل يشكل فرصة لبدء "عملية سياسية جديدة وفق متغيرات لم نعتد وجودها منذ ربع قرن".

واعتبر يدلين في مقاله أن إعلان ترامب "أصاب أعصاب الفلسطينيين العارية، إذ تأملوا خيرًا بعد قرار اليونسكو حول القدس لكنهم لم يدركوا أن الساحة الدبلوماسية، التي فضلوها في السنوات الأخيرة، تمكن كلا الطرفين من المناورة، وأوضح خطاب ترامب للفلسطينيين أن الوقت ليس لصالحهم وأن المماطلة وتأجيل التوصل إلى حل يساعد إسرائيل في الحصول على ما تريد".

وبحسب يدلين "ليس من الصواب ألا تستغل إسرائيل التغيير بنموذج عملية السلام الذي طرحه ترامب، خاصة أن لديها علاقات وثيقة بالبيت الأبيض هذه الفترة، يجب عليها استغلال الفرصة هذه المرة لكسب أحد مطالبها الأساسية والتوصل إلى حل حول المواضيع التي تهم أمنها القومي".

وأشار يدلين إلى أن "المحور السني الذي تقوده السعودية، والذي يرى بطموح وبرنامج إيران النووي خطرًا وجوديًا وكذلك تنظيم داعش والإخوان المسلمين، سيكون شريكًا طبيعيًا لعملية السلام التي ستقدم وفق نموذج حديث".

واعتبر يدلين في استنتاجه أن "حل القضية الفلسطينية مصلحة إسرائيلية بالدرجة الأولى، إذ يمكن أن يطبع حدود الدولة وجوهرها، وستندم إسرائيل لأجيال قادمة إذا رضيت بالوضع القائم وواصلت تجميد العملية السياسية وإلقاء اللوم على الفلسطينيين، أمامنا فرصة استراتيجية نادرة وعلينا استغلالها".

اقرأ/ي أيضًا | قمة عربية استثنائية بالأردن من أجل القدس