رأى الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان أن سن "قانون القومية" العنصري والمعادي للديمقراطية نابع من "الرغبة في الحفاظ على جرح العلاقات بين الدولة والأقلية العربية فيها مفتوحا، طوال الوقت، مفتوحا ومشتعلا ومهددا". ورجح أن هذه النية للحكومة الإسرائيلية ورئيسها، بنيامين نتنياهو، تريد بذلك أن "تبقى جروح هذه الأقلية مفتوح كي تكون هشة أكثر، ومريحة أكثر للتضليل والتحريض والتخويف والشرذمة، ولسياسة فرق تسد".

وأضاف غروسمان، في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" في صدر صفحتها الأولى، اليوم الجمعة، أنه بهذا القانون "سحب نتنياهو وحكومته الأرض من تحت أرجل خُمس مواطني الدولة. لماذا؟ لأنهم قادرون على ذلك. ولأنهم واثقون من عدم وجود أية قوة بإمكانها منعهم. ولأنهم يريدون أن يعيش المواطنون العرب في إسرائيل بشعور معين ودائم من انعدام الأمن الوجودي. وبانعدام اليقين حيال مستقبلهم. وأن يتذكروا طوال الوقت، في كل لحظة، أنهم متعلقون بحسن، أو سوء، نية الحكومة، وأن وجودهم هنا مشروط. أنهم حاضرون، وبالإمكان أن يتحولوا في أي لحظة إلى غائبين".

وأكد غروسمان على أن هذا القانون يقول أيضا إن "رئيس الحكومة حسم قراره بعدم إنهاء الاحتلال ووضع الأبارتهايد في المناطق (المحتلة)، وتعميقهما ونقل تلك المناطق المحتلة إلى داخل دولة إسرائيل. وبكلمات أخرى، فإن هذا القانون هو عمليا تنازل عن احتمال إنهاء الصراع مع الفلسطينيين إلى الأبد".

وشدد على أن المس الذي تعرضت له اللغة العربية في "قانون القومية" كان بالغا، "اللغة هي العالم وما فيه، هي الوعي، الهوية، الثقافة. وهي نسيج لا نهائي يتعلق بالشعيرات الدموية للحياة. وثمة حاجة إلى سياسي يكون وقحا ومتعجرفا بقدر لا يصدق لدى إقدامه، ولو بشكل رسمي، مثلما يتذرع القانون، على المس بلغة شعب آخر وإذلالها".

وتابع أنه "على مدار مئات وآلاف السنين كان الشعب اليهودي أقلية بالبلدان التي عاش فيها. لقد بلورت تجربة الأقلية هويتنا، وشددت على حساسيتنا الأخلاقية. والآن نحن، اليهود، أغلبية في بلادنا. وهذه مسؤولية هائلة أن نكون أغلبية، وتحد كبير، سياسي واجتماعي، وبالأساس إنساني: أن ندرك أن التعامل مع الأقلية هو الامتحان الكبير للأغلبية في نظام ديمقراطي. وحكومة إسرائيل فشلت في هذا الامتحان فشلا مدويا، وهو مدوٍ في العالم كله. كل العالم الذي نتهمه مرة تلو الأخرى بالتمييز ضد الأقلية اليهودية التي تعيش فيه".

وطالب غروسمان العرب الدروز ألا يكتفوا بالحصول على "تعويض"، مالي أو آخر، كالذي يقترحه نتنياهو عليهم مقابل الغبن الناجم عن "قانون القومية". ولفت إلى أن "الموافقة، حاليا على الأقل، من جانب قادة الطائفة الدرزية على خطة التعويض التي يطرحها نتنياهو تدل على أن سنين من التمييز والوعود الفارغة جعلتهم أيضا، على ما يبدو، ينسون ما هي حقيقة مذاق المساواة الكاملة"، مشيرا إلى أن "المساواة ليست ’جائزة’ يحصل عليها المواطن من دولته لأنه فعل من أجلها أمورا كهذه وتلك. وحتى ليس مقابل التضحية بحياته من أجلها. فالحريديم الذين يرفضون التجند للجيش هم مواطنون متساوو الحقوق. والمساواة هي نقطة البداية للمواطنة، وليست نتيجة لها".

وأكد غروسمان أن القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية التي سنتها إسرائيل "هي نتيجة نمط التفكير المشوّه لخمسة عقود من الاحتلال. وهي نتيجة شعور بالتفوق العرقي... وطرد كل من هو ليس ’نحن’ من ’البيت’، سواء كان ابن شعب آخر، دين آخر، جنس آخر".

"مظاهرة عسكرية"

استهزأ الأديب الإسرائيلي مئير شاليف، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم، من تحويل المظاهرة ضد "قانون القومية" في تل أبيب، غدا، إلى "مظاهرة عسكرية". وكتب أنها ستجري "بحضور قيادة المجتمع الدرزي" و"شخصيات الوسط اليهودي والعربي" و"شخصيات رفيعة في المجتمع الإسرائيلي" و"الغالبية العظمى من رؤساء الأركان والمفتشين العامين ورؤساء الشاباك والموساد والضباط برتبتي لواء وعميد. وعمليا، المعركة ضد قانون القومية تحولت إلى عسكرية وتساهلية ("تساهل" هي اختصار لـ"جيش الدفاع الإسرائيلي")، وأن المظاهرة ستجري بحضور مُسرّحي الجيش. هذا مضحك جدا".

وشدد شاليف على أن "قانون القومية هو قانون غبي، تمييزي، مشرذم ولا حاجة له. وينبغي محاربته باسم مبادئ الديمقراطية، المساواة والعقل المستقيم، وليس باسم مشاعر مثل زمالة المقاتلين وباسم إهانات لمن خدم في الجيش ويتوقع مقابلا. ومعالجة قانون القومية لا ينبغي أن يكون مخصصا للمصالحة مع الدروز... المساواة هي قيمة مدنية كونية، وهي بحد ذاتها حق، وأي مواطن إسرائيلي، بما في ذلك الدروز، ينبغي أن يتجمعوا تحت رايتها. ليس باسم الخدمة العسكرية".

القانون يمهد لضم الضفة الغربية لإسرائيل

لفت المحلل العسكري في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "معاريف"، أنه "بنظر ’رسول الله’، كما وصفوه في القناة 20 (اليمينية)، بنيامين نتنياهو، هذا القانون هو نجاح كبير. لقد نجح مرة أخرى في جعل القبائل في المجتمع الإسرائيلي تهاجم بعضها وأن يحدد الأجندة المفضلة والتي عليها ستجري الانتخابات المقبلة: مؤيدو قانون القومية هم يهود جيدون، ومعارضوه هم يساريون وخائنون. لكن من وراء اعتبارات نتنياهو السياسية الآنية توجد رؤية إستراتيجية طويلة الأمد لقسم من الذين دفعوا هذا القانون".

وشدد بن دافيد على أن "غاية قانون القومية هي شق الطريق من أجل ضم يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، مع الثلاثة ملايين الذين يسكنون هناك. وبوجود قانون القومية سيكون بالإمكان إبقائهم في مكانة متدنية وفاقدة للحقوق. ومن الجائز أن الإستراتيجيين الذين يؤيدون قانون القومية قرأوا استطلاع خليل شقاقي الذي بموجبه أكثر من 60% من الفلسطينيين سيفرحون بحمل بطاقة هوية زرقاء" التي تعني الإقامة فقط.